فرنسا تسعى لمواقف أكثر حدة ضد إيران.. وربما تقودها كما فعلت مع ليبيا

مطالبات باريس بإجراءات حازمة ضد طهران يقابلها موقف «ضعيف» من واشنطن

طالبات إيرانيات يشكلن سلسلة بشرية حول مفاعل أصفهان النووي وسط إيران أمس دعما للبرنامج النووي الإيراني (أ.ب)
TT

إذا ما كانت إدارة أوباما ترغب في أن تلعب دورها من وراء الكواليس لفرض عقوبات لوقف برنامج إيران النووي، فعليها ألا تتوقع أن تلعب فرنسا دور المساعد المناسب.

فليست هذه هي الطريقة التي تصف بها فرنسا دورها في العالم. وبدلا من ذلك، فالحقيقة هي أن فرنسا، دفعت الولايات المتحدة، بأشكال عدة، إلى معركة في ليبيا وأظهرت قوة الإرادة التي أدت إلى الانتصار على نظام القذافي الذي شارك فيه الأميركيون والبريطانيون وغيرهم.

والآن، قامت الوكالة الدولية للطاقة الذرية بنشر تقرير بارز يقدم دلائل موثوقة عن محاولة إيران تصنيع رأس نووي يحمله صاروخ عابر للقارات.

ويقترح التقرير، الذي جاء بعد أربع عقوبات فرضها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على الملالي منذ عام 2006، اتخاذ تدابير مضادة طويلة المدى إلى حد ما، نوع من التدابير التي تضع في اعتبارها عدم قدرة أوروبا على مواجهة انفجار مالي محتمل بها.

وقد وصفت صحيفة «نيويورك تايمز»، في تقرير لها من واشنطن الأسبوع الماضي، رد فعل البيت الأبيض على تضمينات التقرير (حيث قدرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن لدى إيران الآن كمية كافية من الوقود لإنتاج أربعة أسلحة نووية) بأنه «ضعيف على نحو يثير الدهشة» - أو ما يمكن أن يطلق عليه منتقدو الرئيس أوباما أنه رد فعل ضعيف للغاية.

وعلى النقيض من ذلك، تحدث آلان جوبيه، وزير الخارجية الفرنسي، في باريس عن ضرورة الاستجابة لتلك العقوبات «على نحو غير مسبوق». وذكر بصراحة أن هدفهم هو «إجبار إيران على الخضوع لمطالبهم». لكن هل يعد هذا انقساما حذرا للغاية بين حلفاء، رغم عدم وضوحه تماما؟

أغلب الظن أنه تأكيد على اعتقاد الرئيس نيكولا ساركوزي أن قدرة إيران النووية أو القدرة على إنتاج القنبلة هي أكبر خطر على أمن العالم.

وهذا ينطوي على صلابة فرنسا المتسقة مع القضية. فعلى سبيل المثال، وبخ ساركوزي يد أوباما «الممتدة» إلى إيران بشكل يائس في ضوء ما يطلق عليه ساركوزي الآن «الرغبة المحمومة في الحصول» على أسلحة نووية. ويبدو أن توبيخ فرنسا أو حث الإدارة يأتي في وقت قررت فيه أن تضع حدا لعملية التثبيت النووي التي يقوم بها الملالي.

على سبيل المثال، عندما تحدث ليون بانيتا، وزير الدفاع الأميركي، الأسبوع الماضي (بعقلانية شديدة) عن التداعيات الخطيرة التي قد تنجم عن الهجوم على المنشآت النووية الإيرانية، كان نظيره الفرنسي، غيرار لونغوي، يؤكد على أن «استمرار إيران في طريقها» نحو تصنيع سلاح نووي سيكون بمثابة «كارثة» للبشرية.

وبحسب لونغوي، الذي ذكر في سياق حديثه عن ضربة وقائية، أنه يتعين على إسرائيل «أن تطلق إشارة تحذير».

ومن خلال قراءة للموقف، فإن حكومة ساركوزي، ليس لديها ذريعة لتشكيل السياسة الأميركية أو أن تفترض قبول إيران بوجود قيادة غربية عليها. كذلك فليس هناك ضرورة سياسية داخلية ملحة تستدعي ذكر أن العقوبات المفروضة حتى الآن تشكل نجاحا ملحوظا، وسيجد الاشتراكيون الفرنسيون صعوبة في الإشارة إلى الرئيس الفرنسي على أنه ضعيف الشخصية (أو أنه يدعو للحرب على إيران) - في الزعم بأن العقوبات حتى الآن لم تؤت ثمارها المرجوة.

وقد ذكر أوباما، دفاعا عن نفسه، خلال عطلة نهاية الأسبوع، وجود «تدابير صارمة» تستهدف طهران الآن.

وإذا ما كان هذا هو الحال فيما يتعلق بفرض عقوبات أميركية محددة على الشركات الأجنبية التي تقوم ببيع الوقود المخصب إلى إيران، إذن فسيكون من المحير ارتفاع واردات إيران من البنزين، والتي توفر 40 في المائة من وقود السيارات، بنسبة تزيد على 21 في المائة في أكتوبر (تشرين الأول)، وذلك وفقا لتقرير وكالة رويترز.

وتهتم فرنسا بالقضية الإيرانية في هذه المرحلة بصورة خاصة نظرا لوجود العديد هنا ممن يركزون على إيران والذين يرون أن هناك فرصة سانحة لكبح اندفاع إيران نحو تصنيع قنبلة نووية.

ويعد جان جاك غويليت، الديغولي ومقرر الدراسة التي نشرتها الجمعية الوطنية الفرنسية عن إيران مؤخرا، واحدا من هؤلاء.

وفي حوار معه، وصف غويليت الإدارة الأميركية بأنها مترددة للغاية بشأن عقوبات الطاقة الجديدة. وقد ذكر أن «النظام الإيراني يسير دون بوصلة» كما ذكر أن هناك «موقفا حساسا» في البلاد.

وقال «إذا ما ضغطنا على النظام بقوة، قد يحدث انفجار. يجب أن يكون الهدف الحقيقي هذه الأيام هو انفجار النظام، وليس المزيد من الكلام».

وقد أشار غويليت في هذا السياق إلى عقوبات محتملة تتضمن شركة «يوتلسات»، وهي شركة اتصالات فرنسية تهتم بالأقمار الصناعية تستخدمها إيران لشبكاتها السمعية والبصرية الداخلية. وذكر أنه كانت هناك وسائل قضائية، تتضمن قضايا حقوق إنسان، وذلك من أجل عمل أوروبي مشترك لإنهاء تمكن إيران من الوصول إلى القمر الصناعي مما سيعيق نظم إرسالها الداخلية.

وتوجد سابقة لمثل تلك الخطوة في عمل تم اتخاذه بشأن الأقمار الصناعية التي استخدمتها صربيا خلال صراعها مع حلف شمال الأطلسي وحزب الله، الذي يعده الاتحاد الأوروبي منظمة إرهابية.

وتساءل غويليت «هل من الممكن أن تكون الولايات المتحدة وفرنسا حليفين ضد إيران؟» وأجاب «سيكون هذا شيئا جيدا للغاية». ولم يشر إلى ذلك، لكن إذا ما قامت الولايات المتحدة بالضغط بشأن تلك القضية، ستتمكن أوروبا من تقليل واردات إيران من الوقود.

ووفقا لمارك دودوويتس، المدير التنفيذي لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات في واشنطن، التي تتابع العقوبات التي تم فرضها على إيران، تشكل أوروبا 20 إلى 25 في المائة من دخل إيران من صادرات الطاقة يوميا. وذكر أن هذه النسبة تمثل خمسة في المائة فقط من استخدام أوروبا اليومي، وهي كمية من السهل أن يقوم الأوروبيون باستبدالها، وهو ما لن تستطيعه إيران.

ويشتكي دودوويتس من «بطء الإدارة في فرض عقوبات على إيران، وأنها تستهدف النتائج قصيرة المدى. وأن الأمر يبدو كما لو أنها تحولت إلى طور الاحتواء».

ومع تقديم تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية دلائل جديدة ضد إنكار إيران لأهدافها النووية، قد ترى فرنسا أن دورها هو الدعوة إلى المسارعة في اتخاذ القرار.

ولا يمكن أن يكون هذا التقرير مبررا للعمل العسكري للولايات المتحدة. غير أن فرنسا قد تقوم بالضغط على عملية العقوبات خارج مجلس الأمن (ومن غير المحتمل أن تتعاون الصين وروسيا في هذا الأمر) وهو ما يعد تشجيعا، إن لم يكن غطاء، لاختيار أوباما مذهبا أكثر حدة. وقد يتسبب هذا المذهب في توضيح مدى قوة الولايات المتحدة لجعل إيران ترضخ لمطالبها، كما ذكر جوبيه.

وبالنسبة للرئيس الأميركي، فإن هذه الظروف تعد اختيارا بين استخدام المزيد من القوة أو رمي النرد نحو حملة انتخابات عام 2012 ضد منافس يصر على أن الرئيس الحالي لا يتمتع بالإرادة، أو ثقة العالم، لإبعاد الملالي عن «رغبتهم في الاستحواذ».

*خدمة «نيويورك تايمز»