نبيل بن عبد الله.. ينتظر الفرص لتقوية أوراقه الرابحة

«التقدم والاشتراكية» يأمل عبر «الجيل الثالث» تعزيز موقعه على الخريطة السياسية

نبيل بن عبد الله (تصوير: عبد اللطيف الصيباري)
TT

كان المشهد لافتا في فندق حسان بالرباط ذلك الصباح. نبيل بن عبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، يتوسط سلفه إسماعيل العلوي الذي ساد اعتقاد بأنه اعتزل العمل السياسي بعد تخليه عن منصب الأمانة العامة، وكجمولة بنت عبي، التي كانت تشغل موقعا قياديا في منظمة المرأة التابعة لجبهة البوليساريو، وعبد الواحد سهيل، الخبير المصرفي الذي أدار عدة بنوك لكنه ظل متشبثا بيساريته في عالم المال، والوزيرة نزهة الصقلي، وزيرة الشؤون الاجتماعية والأسرة، وهي المرأة الخامسة في الحكومة الحالية.

حضور إسماعيل العلوي كان مرده إلى أن حزب التقدم والاشتراكية قرر في آخر لحظة ترشيحه في مدينة «سيدي سليمان» في بادرة احتجاج على تحول مرشح الحزب في هذه المدينة إلى حزب آخر، وقال بن عبد الله إن ترشيح العلوي «عمل نضالي» أي ليس الغرض منه الحصول على مقعد، بل هو «احتجاج حضاري ضد المفسدين»، في إشارة إلى أولئك الذين يتعمدون تشويه العمليات الانتخابية. أما كجمولة فكان مبرر حضورها في المؤتمر الصحافي الذي عقدته قيادة «التقدم والاشتراكية» أنها تقود لائحة النساء الوطنية، التي تضم 60 مقعدا، تتنافس عليها نساء فقط لضمان تمثيل المرأة في مجلس النواب.

كان بن عبد الله، ورغم شاربه الأبيض الكث، وبعض الشعيرات البيضاء التي تسللت إلى شعر صدغيه، يبدو شابا يتحدث بحيوية الشباب. حزب التقدم والاشتراكية يقترب من العقد السابع، إذ تأسس في عام 1943، وكان وثيق الصلة تنظيميا بالحزب الشيوعي الفرنسي، لذلك كان يوجد في قيادته بعض الشيوعيين الفرنسيين.

هذا الحزب مر بعدة مراحل في تاريخه، حيث تولى قيادته بعد «المغربة» زعيمه التاريخي على يعتة، الذي لقي مصرعه في حادث مروري بالدار البيضاء عام 1997، ليخلفه إسماعيل العلوي، ثم انتخب نبيل بن عبد الله أمينا عاما للحزب في مايو (أيار) 2010.

في أواخر عقد الخمسينات من القرن الماضي حل الحزب الشيوعي، ثم اضطر عام 1969 لتغيير اسمه إلى حزب «التحرر والاشتراكية». وتعرض لمضايقات، واعتقلت قيادته ليعود من جديد عام 1974 باسم «التقدم والاشتراكية»، ورغم أنه لم يتخل عن الماركسية اللينينية، فإنه منذ تلك الفترة راح ينزع نحو خانة اليسار غير الشيوعي، وأزاح إلى حد ما الغطاء الماركسي، إلى أن تخلى عن النهج الشيوعي عام 1995. حصل الحزب في أول انتخابات شارك فيها عام 1977، وبشق الأنفس، على مقعد واحد فاز به أمينه العام، علي يعتة عن دائرة المدينة القديمة في الدار البيضاء، وظل يعتة لوحده يمثل «مجموعة برلمانية» كاملة في برلمان تلك الفترة، يتدخل في جميع المناقشات ويشارك في كل الاجتماعات، يتحدث بصوته المتدرج، ولغته الخطابية المجلجلة. انتمى بن عبد الله إلى منظمة الحزب الشبابية، ووصل إلى قيادتها عام 1988، إلى أن أصبح عضوا في المكتب السياسي عام 1995. لذلك يعد بن عبد الله من الجيل الثالث في الحزب بعد جيل المؤسسين، ثم جيل القياديين.

يميل بن عبد الله في مجال السياسي إلى الجدل، لذلك تستهويه مقارعة حجج خصومه وحلفائه، وهو من الساسة القلائل في المغرب الذين يتقنون الحديث بالعربية والفرنسية، وكما تقول سيرته الذاتية فإنه تخرج عام 1985، بشهادة عليا من المعهد الوطني للغات والحضارات الشرقية في باريس، شعبة العلاقات الدولية.

ونظرا لإتقانه عجم اللغة، فإن له قدرات واضحة في أن يقول الكثير وألا يقول شيئا، إذا كان الموقف يتطلب ذلك. يلجأ في أغلب الأحيان إلى براعته في أن يتحدث باللغة المطلوبة. لغة تقول شيئا أو لا تقول، الأمر سيان. وبدا ذلك واضحا عندما تولى منصب وزير الاتصال (الإعلام) والناطق الرسمي باسم الحكومة من نوفمبر (تشرين الثاني) 2002 إلى أكتوبر (تشرين الأول) 2007.

نبيل بن عبد الله من طراز السياسيين الذين يعتقدون أن «الوقت يترك للوقت» لذلك كثيرا ما ينتظر الفرص ليوظف الوقت لتقوية أوراقه الرابحة.

فقد منصبه سفيرا لبلاده في روما بعد سنة واحدة فقط، في واقعة سال حولها مداد كثير في الصحف المحلية لكن بن عبد الله لم يتحدث عنها قط، ووقتها اعتقد كثيرون أنه ربما ينزوي، لكنه عاد إلى الرباط، التي يتحدر منها، ليعمل بطاقة مضاعفة داخل حزب التقدم والاشتراكية وخاض صراعا حول منصب الأمين العام حتى ظفر به.

يتأثر أحيانا ويثور، لكنه يعرف كيف يتراجع ويرتب أوراقه. لا يبحث عن معنى الأحداث بل يعطيها المعنى الذي يريد. أنيق القيافة. وسيم الطلعة. رجل محب للحياة ومغرم بها. يتكلم في كثير من الأحيان بنبرة متوقدة وحماس زائد. يتحدث بهدوء أو بصوت مرتفع تبعا لكل حالة، ويحرص على أن يتولد لدى المستمعين انطباع بأنه يقول كلام الواثق. يحدق بانتباه عندما يتحدث الآخرون، وكأنه يريد بالفراسة أن يكتشف مراميهم. له شخصية جذابة وطبع هائج أحيانا، لا يعرف كيف يحد من حركته وله طاقة مختزنة، يستغلها كثيرا للتجول في جميع أنحاء المغرب، ومنذ أن تولى منصب الأمين العام لحزبه أصبح كثير التنقل. يرغب في بناء «حزب حداثي»، كما يقول. رجل يتيه فخرا بنفسه، لذلك كل شيء في قاموسه السياسي ممكن. يفضل الحركة مع الخطأ على الجمود من دون أخطاء. تضجره السياسة الباهتة ويمل الروتين اليومي. له شبكة علاقات واسعة مع الوسط الإعلامي نسجها منذ أن كان مديرا ليوميتي «البيان» و«بيان اليوم» ما بين 1997 و2000. لذلك هو دائم الحضور إعلاميا.

يأمل بن عبد الله أن يضع حزبه خلال هذه الانتخابات إلى موقع أفضل على الخريطة السياسية، يطمح في أن يكون للحزب مجموعة برلمانية تجعله في موقع التفاوض عند تشكيل الحكومة المقبلة، وليس في موقع الترضية بحقيبتين أو ثلاث. يعتقد أن الحل الأمثل في تعزيز التحالف مع حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي داخل «الكتلة الديمقراطية» لكنه لم يقطع شعرة معاوية مع الآخرين، بما في ذلك «الإسلاميون». يخوض الحملة الانتخابية الحالية تحت شعار «الكرامة الآن». قرر ألا يترشح وأن يدير حملة الحزب بنفسه. يتمنى أن يكون جزءا من حكومة تأتي في ظل دستور جديد، وليس فريقا داخل معارضة.