تصريحات قيادي في «النهضة» تشعل غضب العلمانيين في تونس

حقوقيات: الحركة ارتدت فستان الديمقراطية أثناء العرس الانتخابي لتخلعه بعد فوزها

TT

أشعلت تصريحات حمادي الجبالي الأمين العام لحزب النهضة المرشح لرئاسة الحكومة في تونس غضب العلمانيين، ووجهت مجموعة من الأحزاب السياسية اتهامات لحركة النهضة بالتحضير لإعلان خلافة إسلامية سادسة بعد فوزها في انتخابات المجلس التأسيسي. وتداولت شخصيات من المجتمع المدني التونسي ما قاله حمادي الجبالي الأمين العام لحركة النهضة في مدينة سوسة عن إقامة الخلافة الراشدة السادسة وهو ما أرجع الحوار بين التيارات الدينية والتيارات اليسارية إلى نقطة البداية وعادت الأحزاب اليسارية لاتهام حركة النهضة بازدواجية الخطاب مؤكدين أنها تعلن عن مشروع مدني ديمقراطي وتخفي في سرها برنامجا سياسيا مختلفا.

وكان الجبالي قد قال بالحرف الواحد في خطاب ألقاه أمام جموع غفيرة من مناصري الحركة «يا إخواني أنتم الآن أمام لحظة تاريخية، أمام لحظة ربانية في دورة حضارية جديدة إن شاء الله في الخلافة الراشدة السادسة إن شاء الله» وهو ما اعتبره مناوئو حركة النهضة دعوة صريحة لإقامة حكم الخلافة في تونس بعد التمكن من الحكم.

ونشرت صحيفة «المغرب» المحلية على غلافها صورة كبيرة للجبالي على شكل أمير تحت عنوان «حمادي الجبالي الخليفة السادس.. الخطأ» مضيفة أنه لا يصلح أن يكون رئيسا للوزراء.

لكن فوزي كمون مدير مكتب الجبالي قال لـ«رويترز»: الجبالي كان يقصد تطلعه إلى حكم رشيد شفاف يقطع مع الفساد وليس إقامة نظام إسلامي مثلما روج لذلك الصائدون في المياه العكرة. وأضاف: «نحن حركة مدنية.. هذا لا جدال فيه لكن فئة من النخبة تسعى بتلهية الشعب عن اهتماماته الرئيسية».

وتعهدت حركة النهضة بأن تتيح الحريات الشخصية بما في ذلك لباس البحر وعدم فرض الحجاب والسماح ببيع الخمر واعتماد سياسة اقتصادية منفتحة. لكن العلمانيين ما زالوا يبدون شكوكا بشأن خطاب حركة النهضة.

وانتشرت على الفور التعليقات المضادة للنهضة على موقع «فيس بوك» للتواصل الاجتماعي وقال تعليق «انتظرنا جمهورية ثانية فوجدنا خلافة سادسة».

وفي تطور مفاجئ أعلن حزب التكتل من أجل العمل والحريات تعليق مشاركته في لجان الإصلاح المشتركة مع النهضة والمؤتمر احتجاجا على تصريحات الجبالي وتصريحات قيادات من المؤتمر بشأن المفاوضات على الحكومة.

وقال خميس قسيلة عضو المكتب السياسي للتكتل لـ«رويترز» لقد قررنا تعليق مشاركتنا في اللجان المشتركة تعبيرا منا عن احتجاجنا على تصريحات قادة من المؤتمر بأن المفاوضات انتهت واحتجاجا على تصريح السيد الجبالي التي دعا فيها إلى خلافة راشدة سادسة.

وتقابل حركة النهضة نتيجة مثل هذه التصريحات بحملات دعائية مناوئة ودعوات صريحة إلى ضرورة إفصاحها عن برنامجها السياسي الحقيقي خاصة بعدما دعا الشيخ راشد الغنوشي زعيم الحركة إلى تمكين حزب التحرير الذي يدعو إلى أقامة الخلافة وكذلك السلفيين المتهمين بالتشدد من الترخيص القانوني كما دعا الغنوشي من ناحية أخرى إلى التخلي عن قانون التبني المنافي للنصوص القرآنية على حد قوله وتعويضه بنظام الكفالة. كما تتزامن هذه الحملة مع عدم تبني سعاد عبد الرحيم مرشحة حركة النهضة لقانون ينظم وضعية الأمهات العازبات وهو ما جعل الاتهامات الموجهة لحركة النهضة منذ بداية الثمانينات بازدواجية الخطاب تجد من يساندها بقوة في الأوساط السياسية التونسية. كما أن الحديث عن تراجع حركة النهضة عن مجموعة من المواقف كانت قد أعلنتها قبل انتخابات المجلس قد جعلت بعض الناشطات الحقوقيات في تونس يعلقن على تخلي النهضة عن بعض مواقفها بأنها «ارتدت فستان الديمقراطية أثناء العرس الانتخابي لتخلعه بعد فوزها».

وفي هذا الشأن قال زياد كريشان (الإعلامي التونسي) إن حركة النهضة لم تحسم أمرها مع فكرة الحكم الإسلامي القائم على تحكيم الشريعة الإسلامية، وقد صرح أمينها العام الجبالي بعد الثورة قائلا «إن حركة النهضة لا تطرح في برنامجها السياسي تطبيق الشريعة الإسلامية، لكن عندما تتهيأ كل أسبابها فحركة النهضة لا تحل حراما ولا تحرم حلالا وهي لا يمكن أن تقول إن حدود الله منافية للعدل». واعتبر كريشان أن خطاب الجبالي الذي ألقاه يوم الأحد في سوسة وهو المرشح بقوة لخطة رئيس الحكومة خلال المرحلة القادمة، كان خطابا «تعبويا دينيا مسجديا» ذكر كل المتابعين بخطاب قيادات حركة النهضة الإسلامية في عقد السبعينات من القرن الماضي. وتساءل كيف يمكن أن نفهم هذا الكلام الذي يقال الآن ونحن نتهيأ لتشكيل حكومة جديدة؟ والناطق بهذا الكلام هو رئيسها المرتقب؟...

وفي هذا الشأن قال نور الدين البحيري الناطق الرسمي باسم حركة النهضة إن الحزب دخل في مرحلة جديدة بعيدة كل البعد عن الأفكار التي تتهم الحركة بالتحضير لإقامة حكم الخلافة في تونس. وقال إن ما تعنيه قيادات الحركة بالخلافة الراشدة لا تتجاوز حدود الحكم الرشيد طبقا للمعايير الدولية في مجالات حكم البلاد. وأضاف أن عبارة الحكم الرشيد تتداولها مختلف الدوائر الدولية وتحاول أن تقنع بها الحكومات والدول باعتبارها نموذجا ناجحا للحكم وحركة النهضة لا تتبنى أكثر من هذا النهج.

وحول اتهام حركة النهضة بازدواجية الخطاب بالإعلان عن برنامج والتفكير في برنامج آخر بطريقة خفية، اعتبر البحيري في تصريحه لـ«الشرق الأوسط» أن الحركة قد حسمت الأمر واختارت الدولة المدنية وقطعت مع كل أشكال الاستبداد، ونجاحها في انتخابات المجلس التأسيسي يأتي ليؤكد على وضوح خطاب الحركة وليرد على من يتهمونها منذ عقود بازدواجية الخطاب، على حد قوله.