لافروف عرض على المعارضة الحوار مع النظام السوري فاقترحت التفاوض على نقل السلطة

زيادة لـ«الشرق الأوسط»: طلبنا من روسيا استضافة الأسد

برهان غليون يتحدث في موسكو أمس، بعد لقائه ووفد المجلس الوطني مسؤولين روسا (رويترز)
TT

فشلت المحادثات الرسمية الأولية بين روسيا ووفد المعارضة السورية في إحداث خرق في العلاقات بين الطرفين، مع استمرار روسيا في موقفها المؤيد للنظام رغم تلويح المعارضين لها بأن هذا الموقف «يؤثر على العلاقات المستقبلية بين الشعبين»، فيما رد المعارضون على الدعوة الروسية إلى الحوار مع النظام برفض متشدد، عارضين على السلطات الروسية «مفاوضات» مع النظام حول الانتقال إلى النظام الديمقراطي، مطالبين موسكو باستضافة الأسد «لأنه أصبح عقبة أمام الحل».

وكان الحوار الروسي - السوري، قد استهل من قبل الطرفين بالمواقف المسبقة. فأكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن الغرب يحرض المعارضة السورية، وأن خطوة الجامعة العربية غير موفقة ولا تساعد على الحل، فيما أكد برهان غليون الذي ترأس الوفد السوري المعارض أنه لا إمكانية لحوار مع النظام، ما جعل الموضوع أشبه بـ«حوار الطرشان»، لولا مسحة إيجابية أضافها المعارضون على مبدأ الدعوة الرسمية بما تشكله من اعتراف.

وقال مصدر سوري شارك في اللقاء لـ«الشرق الأوسط»، إن الجانب الروسي أكد خلال اللقاء على دعم المبادرة العربية، فكان الرد عليه من قبل المعارضين بأن هذا التأييد يفترض أن يشمل أيضا القرارات التي اتخذها الوزراء العرب، والتي جاهر لافروف برفضها قبيل الجلسة، لأن هذه القرارات - كما قال المعارضون - أتت نتيجة عدم التزام النظام بالمبادرة واستمراره في أعمال القتل والتعذيب والقمع الشرس للمظاهرات السلمية. وفيما طالب الوزير الروسي، المعارضة باللجوء إلى الحوار مع النظام، كان رد المعارضين بأنهم يقبلون «التفاوض»، مشيرين إلى أن هذا التفاوض ممكن على موضوع الانتقال إلى نظام ديمقراطي ونقل السلطة، مشددين على أنه لا يمكن للمرحلة الانتقالية أن تكون مع بشار الأسد. وإذ أتى رد لافروف بأن هذا «شرط مسبق للحوار لا تتضمنه المبادرة العربية»، رد الوفد بأن «النظام لم يلتزم بها، وأصبح عقبة أمام تطبيقها». وطلب المعارضون أيضا روسيا بعدم استخدام حق النقض في مجلس الأمن مرة جديدة، لأن ذلك «يؤثر على العلاقات بين الشعبين في المستقبل»، مشيرين إلى أن استخدام حق النقض لا يعني إلا شيئا واحدا، هو دعم سياسة القتل التي يتبعها النظام. وقال عضو الوفد السوري رضوان زيادة لـ«الشرق الأوسط»، إن الوفد شكر للوزير الروسي الدعوة الرسمية «لأن في ذلك اعترافا بالمجلس (الوطني) وبدوره وتأثيره في حل الأزمة السورية». وأشار زيادة إلى أن الوفد السوري «لمس تفهما أكبر في روسيا للوضع، خصوصا لجهة الانتهاكات لحقوق الإنسان». وأوضح أن الوفد أبلغ المسؤولين الروس صراحة أن «العلاقات بين روسيا وسوريا يجب أن يحفظها الشعبان، ودعم الأسد يؤثر بكل تأكيد على العلاقات التاريخية بين الشعبين»، مشددا على أن الأسد أصبح عقبة أمام الحوار، وكاشفا عن أن المعارضة طلبت من روسيا «الضغط عليه للتنحي، واستضافته في روسيا». وقال: «السوريون حسموا قرارهم برحيل الأسد، ويقدمون الدماء في سبيل ذلك»، معتبرا أن «الاحتفاظ بالعلاقات بين سوريا وروسيا من شأنه أن يؤمن توازنا أكبر للسياسة السورية الخارجية بعد رحيل النظام»، متمنيا أن يكون لروسيا من موقعها دور في حل الأزمة.

وفي تصريحاته التي أعقبت اللقاء، أعرب غليون عن ارتياحه لنتائج المباحثات التي قال إنها مفيدة ومثمرة. وأشار إلى وجود «الكثير من نقاط الالتقاء بين الجانبين»، معلنا أن الجانب الروسي «تعهد بالعمل مع الجامعة العربية من أجل نجاح تنفيذ المبادرة العربية الرامية إلى وقف إراقة الدماء في سوريا»، مؤكدا أن «المجلس الوطني السوري سوف يبذل قصارى جهده من أجل تنفيذ هذه المبادرة». وحول احتمالات اللجوء إلى التدخل العسكري وتكرار السيناريو الليبي في سوريا، قال غليون بأن الجانبين خلصا إلى ضرورة استبعاد هذا السيناريو ورفض التدخل العسكري، مؤكدا حرص المجلس الوطني على الحل السلمي السياسي، فيما أعرب عن الاستعداد للحوار مع كل الأطراف التي لم تتورط في أعمال قتل السوريين. ونفى غليون أن يكون الوفد طرح اعتراف روسيا بالمجلس الوطني السوري. وقال: «إن الجانب الروسي أعرب عن ارتياحه للتواصل مع المجلس خلال الفترة المقبلة». وأعلن أنه أبلغ الجانب الروسي بأنه «ينبغي على كل الدول الحريصة على الحل السلمي في سوريا دفع الأسد إلى التنحي»، مشيرا إلى أنه «أوغل في قتل الشعب السوري وأصبح جزءا من المشكلة وليس جزءا من الحل، وأن رحيل الأسد يجب أن يكون خطوة نحو التوصل إلى الحل السلمي». وتعليقا على قرارات الجامعة العربية حول تعليق عضوية سوريا وفرض العقوبات ضدها، قال غليون إنه يتوجب على الجانب الروسي أخذ هذه القرارات بعين الاعتبار، مؤكدا ضرورة تبنيها من أجل توفير الفرص الملائمة للحل التفاوضي في سوريا بعيدا عن التدخلات الخارجية والحرب الأهلية، على حد تعبيره.

وكان سيرغي لافروف، وزير الخارجية الروسية، استبق لقاءه مع وفد المجلس الوطني السوري بتصريحات انتقد فيها قرار الجامعة العربية بشأن تجميد عضوية سوريا، ووصفه بأنه «غير صائب». وقال لافروف إن الجامعة العربية أضاعت بإصدارها مثل هذا القرار فرصة مهمة لنقل الأوضاع إلى مجرى أكثر شفافية ومكاشفة، على حد تعبيره. وأشار إلى أن وجود مراقبي الجامعة العربية كان من الممكن أن يساهم في إعادة الاستقرار وفرض التهدئة في سوريا، مشيرا إلى استنتاجه بأن هناك من لا يريد أن يتوصل السوريون إلى اتفاق فيما بينهم. واتهم الوزير الروسي بعض الدول الغربية بتأليب المعارضة السورية في الخارج ودفعها إلى تبني تغيير النظام في سوريا. وقال إن ممثلي المعارضة حين يستمعون إلى التصريحات المتشددة من جانب واشنطن وبروكسل حول استحالة الحوار مع الأسد فإن ذلك يدفعهم إلى رفض الحوار البناء. وأعاد لافروف إلى الأذهان تصريحات نظيره الفرنسي آلان جوبيه حول أن المبادرة العربية ماتت بعد أقل من أسبوع من الإعلان عنها في الوقت الذي كانت واشنطن تنصح فيه ممثلي المعارضة السورية بعدم الاستجابة لدعوة الرئيس السوري إلى التخلي عن السلاح والقبول بالعفو المعلن. واستعرض الوزير الروسي بعض ما قال إنها وقائع معروفة حول تهريب الأسلحة إلى سوريا عبر الأراضي التركية والعراقية ودول أخرى وكذلك تسلل المتطرفين المسلحين إلى صفوف المتظاهرين المسالمين من أجل استفزاز السلطات السورية ودفعها إلى اللجوء إلى العنف. وكان الوزير الروسي أشار أيضا في تصريحاته إلى الصحافيين الروس في طريق عودته من منتدى التعاون الاقتصادي لبلدان آسيا والمحيط الهادي، إلى أن بلاده ستبلغ برهان غليون رئيس المجلس الوطني السوري بقلق موسكو تجاه الصراع على السلطة في سوريا، وأنه يصبح في أحيان كثيرة هدفا في حد ذاته، في الوقت الذي يجب فيه التفكير في مستقبل البلاد وشعبها. وأعاد لافروف إلى الأذهان ما جرى في ليبيا، قائلا إنه لو قبلت القيادة الليبية خطة الاتحاد الأفريقي التي تضمنت إجراء المفاوضات لكان من الممكن إنقاذ حياة عشرات الآلاف من الضحايا.

وكان وفد المجلس الوطني السوري التقى أيضا في موسكو مع ميخائيل بوجدانوف نائب وزير الخارجية الروسية المسؤول عن ملف البلدان العربية والشرق الأوسط إلى جانب اللقاء مع إلياس أوماخانوف نائب رئيس مجلس الاتحاد (مجلس الشيوخ).