صلاح الدين مزوار.. يمارس السياسة طبقا لقاعدة «حلفاء أو أعداء»

«التجمع الوطني للأحرار» يطمح إلى المرتبة الأولى.. وعين رئيسه على رئاسة الحكومة

صلاح الدين مزوار (تصوير: عبد اللطيف الصيباري)
TT

تتأسس الأحزاب في البلدان التي تعتمد التعددية السياسية بغرض تشكيل الحكومات عبر أغلبية برلمانية، لكن ظروف تأسيس حزب «التجمع الوطني للأحرار» في عام 1978 كانت مغايرة واكتنفتها تعقيدات. في تلك الفترة خاض عدد كبير من المرشحين «المستقلين» الانتخابات التي جرت عام 1977 في ما يعرف في المغرب باسم «المسلسل الديمقراطي»، أي العودة المتمهلة لدولة المؤسسات.

كانت الأوضاع قبل ذلك في مغرب يتعافى من «سنوات الرصاص»، شائكة ومعقدة. كان الملك الحسن الثاني يرغب في انفتاح أكبر وتعامل مؤسساتي مع أحزاب المعارضة، من خلال البرلمان. بيد أن الشكوك ظلت تساور الجانبين. المعارضة ترى أن الانفتاح و«المسلسل الديمقراطي» لن يذهبا بعيدا، والملك يرى أن هذه الأحزاب أفرخت له في كثير من المنعطفات معارضين فكروا في «الثورات والانقلابات»، لذلك يجب التعامل معها بحذر.

كان الجانبان يبحثان عن تعزيز الثقة. أراد الملك أن يجذب حزب الاستقلال إلى الموالاة، وكان أن اقترح عليه دخول الحكومة التي يترأسها صهره أحمد عصمان. منحت له تسع حقائب شملت حتى وزارة الخارجية. في المقابل كان عصمان يبحث عن أغلبية برلمانية كبيرة، وهي موجودة بالفعل، لكنه كان يريدها أغلبية منضبطة، لذلك سيبادر إلى تأسيس حزب بألوان قوس قزح قاعدته الأساسية هم أولئك النواب الذين فازوا في الانتخابات «مستقلين».

حتى اسم الحزب اشتق من الاسم الذي كان يطلق على النواب المستقلين، أي «الأحرار» كما يقال في القاموس السياسي المغربي.

أراد عصمان أن يمثل الحزب «الوسط»، لذلك طرح فكرة الاعتماد على فلسفة «الديمقراطية الاجتماعية». لكن الحزب لم يصمد طويلا أمام التدخلات «الإدارية» تلك التي ترعاها وزارة الداخلية آنذاك، وحدثت انقسامات ستقود إلى تأسيس حزبين آخرين. في التصنيف السياسي لم يوضع الحزب في «الوسط» كما كانت رغبة عصمان، بل اعتبره كثيرون أنه يمثل «اليمين» وفي أفضل الظروف «يمين الوسط» خاصة أن أقطابه كانوا من رجال الأعمال وكبار موظفي الإدارات الحكومية. تخلى عصمان طواعية عن رئاسة الحزب في مؤتمر انعقد في عام 2007، ليتولى المنصب مصطفى المنصوري. بيد أنه لم يبق طويلا في موقعه. إذ حشد صلاح الدين مزوار، وزير الاقتصاد والمالية، في «حركة تصحيحية» جميع وزراء الحكومة إضافة إلى شخصيات أخرى «لتصحيح مسار الحزب»، كما كان يقول. مضى مزوار إلى نهاية الشوط، وهي الإطاحة في نهاية المطاف بسلفه المنصوري، حيث انعقد المجلس الوطني للحزب في مراكش في يناير (كانون الثاني) 2010 ليحصل مزوار على 610 من الأصوات مقابل ثمانية أصوات فقط لمنافس مغمور.

جاء مزوار إلى السياسة من باب «الأعمال». كانت تربطه علاقة وطيدة مع إدريس جطو، رئيس الحكومة السابق. في عام 2004 عين وزيرا للصناعة والتجارة وتأهيل الاقتصاد في حكومة جطو، الذي تولى تقديمه لقيادة حزب الأحرار، فأصبح عضوا في اللجنة المركزية للحزب. بيد أن طموحات مزوار كانت بلا حدود. إذ كان يتطلع لقيادة الحزب بدلا من البقاء وزيرا في الحكومة باسمه. وبعد انتخابه رئيسا للحزب لخص برنامجه في أنه يريد أن يلعب الحزب «دورا قويا في المشهد السياسي».

عقب دراسته في فرنسا حيث تخرج من جامعة فونتينبلو، ثم نال شهادة عليا في العلوم الاقتصادية من جامعة العلوم الاجتماعية في غرونوبل، عمل في مؤسستي المياه والكهرباء، وإدارة الموانئ، قبل أن يتوجه نحو قطاع الأعمال، واختار مجال النسيج، حيث انضم عام 1991 إلى مجموعة إسبانية متخصصة في صناعة النسيج، وعين مديرا عاما لفرعها في سطات، ثم تولى مهمة مدير تجاري للمجموعة في المغرب وأفريقيا والشرق الأوسط. وفي يونيو (حزيران) 2002 أصبح رئيسا للجمعية المغربية للصناعات النسيجية والملابس.

عندما دخل «نادي الوزراء» راح يتطلع نحو الساحة السياسية، وحين تولى وزارة الاقتصاد والمالية عام 2007، بدا له أن الاستمرار في مواقع القرار يتطلب احتراف السياسة. والسياسة صراعات وتحالفات. مارس مزوار المهمتين، بكثير من التصميم والعجلة في الوقت نفسه، كان يرغب في حسم كل شيء ليضع شخصه في القيادة قبل الانتخابات. وبعد إقرار الدستور الجديد الذي منح صلاحيات واسعة لرئيس الحكومة، بدا له المنصب مغريا. والتفت نحو المشهد الحزبي، حينها وجد أن الأرض ممهدة لتشكيل تحالف عريض يضم ثمانية أحزاب، فيها اليمين واليسار وحتى «الإسلاميون». وكان أن ولد «التحالف من أجل الديمقراطية».

يطمح مزوار الآن لتحقيق ثلاثة أهداف. أن يصبح نائبا في البرلمان، لذلك اختار أن يعود إلى مدينته مكناس، حيث يخوض الآن حملة انتخابية ضارية للظفر بالمقعد. والهدف الثاني أن يحتل «التجمع الوطني للأحرار» الصف الأول وهو ما سيفتح الطريق أمامه نحو «رئاسة الحكومة» ثم فوز حلفائه بأغلبية مريحة، تجعله يشكل حكومة استنادا إلى هذه الأغلبية.

في هذا المشوار السريع، واجهت مزوار نيران من جميع الاتجاهات، بما في ذلك «نيران صديقة». إذ كان عباس الفاسي رئيسه في الحكومة، أول من فتح عليه وعلى طموحاته النيران، تلميحا في البداية وتصريحا خلال هذه الأيام. هي حالة سريالية أن يختلف رئيس حكومة علنا مع أحد وزرائه ويصب عليه جام غضبه. وجاءت نيران من جهة أخرى، حيث لم يكف قادة حزب «العدالة والتنمية» الإسلامي المعارض من الهجوم عليه في كل مناسبة. واتبع مزوار أسلوبا حذرا في التعامل مع خصومه، سواء مع «الاستقلاليين» الذين يجاورهم في الحكومة، أو «الإسلاميين» الذي لا يخفي عداءه لهم.

العمر السياسي لمزوار قصير نسبيا مقارنة بقادة الأحزاب السياسية الأخرى، لكنه وخلال هذا العمر القصير، شكل «تحالفا» يصارع به الآخرين، وجعل آخرين يتكتلون ضده في الوقت نفسه. مارس لعبة السياسة طبقا لقاعدة «حلفاء أو أعداء»، الحلفاء يستثير حماسهم للحصول على الأغلبية، والأعداء يجعلهم يلوكون اسمه في كل مناسبة، في الحالتين ثمة وهج إعلامي وربما سياسي. ما تبقى تفاصيل.

القامة الطويلة هي عادة من الخصائص التي ينشدها السياسيون. مزوار فارع الطول، هذه الخاصية ساعدته على ممارسة كرة السلة، وهو يستند إليها في البحث عن هالة «القائد الحزبي». يتحدث ثلاث لغات، الفرنسية التي تعلم بها، والإسبانية التي اكتسبها خلال عمله في قطاع النسيج، والعربية التي أتقن قاموسها السياسي. أنصاره يعتقدون أنه خلق زخما لا يمكن إيقافه، خصومه يثيرون الشكوك حول قدراته في إعطاء البلاد بداية جديدة. هو يريد حرق المراحل. فيقود معركته وكأنه يقود طائرة هليكوبتر يعلو بها بشكل عمودي، وينخفض بسرعة، ينعطف يمينا ويسارا ولا يتبع طريقا ثابتا، لكنه يعرف هدفه.