السعودية: 50 شركة استشارية تسيطر على أرباح الدراسات البحثية وتهدد 6 آلاف مكتب سعودي بالتعثر

534 مليون دولار أرباح سوق الاستشارات في المملكة.. وتوجه لاندماج المكاتب الصغيرة والمتوسطة

جانب من برج المملكة في الرياض
TT

في الوقت الذي يسوق فيه أكثر من 6 آلاف مكتب استشاري في السعودية لنفسها كمكاتب متخصصة واستشارية في تطوير مؤسسات القطاع الخاص والعام، تواجه تلك المكاتب أزمة في تعثرها وعدم استمراريتها، بسبب عجزها عن إقناع الشركات بخبراتها وتخصصاتها، إضافة إلى قوة وسيطرة الشركات العالمية في هذا المجال والبالغ عددها 50 شركة.

وقدر متعاملون حجم الأرباح السنوية لسوق الاستشارات بمختلف تخصصاتها بملياري ريال (534 مليون دولار)، تذهب 75 في المائة من تلك الأرباح إلى الشركات العالمية. ومن المتوقع أن تزيد تلك الأرباح خلال العام القادم لوجود مشاريع كبرى، كالمطارات، والمباني والمجمعات السكنية، والبنى التحتية للمدن الصناعية.

وكشفت مصادر اقتصادية لـ«الشرق الأوسط» عن توجه عدد من المكاتب لدراسة فكرة الاندماج وتأسيس شركة لإمكانية المنافسة في السوق السعودية وبقية دول الخليج، بحيث يتجاوز رأس مالها 50 مليون ريال. وتلقى المكاتب الهندسية ومكاتب الاستشارات الإدارية والتسويقية رواجا كبيرا في الإقبال عليها خاصة في المشاريع، والسلع الجديدة، بينما تقل في المجالات الإعلامية والزراعية والبيئية.

وأرجع متعاملون أسباب عدم منافسة المكاتب المحلية للشركات العالمية إلى ضعف التخصص والمؤهلات لأصحاب تلك المكاتب، وعدم الاعتماد في مواردها البشرية على موظفين متخصصين في المجالات الاستشارية. واعترفت الاستشارية نائلة عطار، نائبة لجنة المكاتب الاستشارية في غرفة جدة، بوجود أزمة في بعض مكاتب الاستشارات السعودية بسبب عدم تسويق نفسها لدى العملاء سواء بالقطاع العام والخاص بالطرق الحديثة، فما زالت تلك المكاتب تستخدم الأوراق في شرح برامجها، بينما تسوق الشركات العالمية نفسها باستخدام برامج تقنية، تضم عرضا لأهدافها وعملها.

وقالت نائلة عطار، لـ«الشرق الأوسط»: «يجب ألا ننسى أن الشركات العالمية دخلت السوق السعودية وهي شركات وليست مكاتب صغيرة، مثل التي يديرها السعوديون، فتلك الشركات هي شركات متخصصة ولها خبرات طويلة، وهي تسيطر على معظم الاستشارات للمشاريع الحكومية الكبرى». وأضافت «يتساهل البعض في الدخول في هذا المجال، وعند الحصول على تصريح لا يكلف نفسه بالتعاون مع خبراء في هذا المجال، وهذا عنصر مهم، حتى يستطيع أن يستمر وينافس في السوق، وهو ما جعل الغرف السعودية، خصوصا غرفة جدة، تعيد النظر في أداء مكاتب الاستشارات بمختلف نشاطاتها وتخصصاتها، وقريبا ستحدد ورش عمل ومحاضرات مع دورات تأهيلية، لأصحاب ومديري المكاتب حتى يستطيعوا منافسة الشركات العالمية». واستطردت «سيتم بحث المعوقات التي تواجه جميع المكاتب خاصة بالمدن الصغيرة، وإيجاد حلول بمشاركة عدد من الجهات الحكومية ذات العلاقة».

من جهته، كشف الدكتور فؤاد أمين بوقري، المستشار ورئيس اللجنة الوطنية للمكاتب الاستشارية، لـ«الشرق الأوسط» عن رفع خطة تتضمن منح المكاتب السعودية فرصة في المشاريع الحكومية، خاصة أن الشركات الخاصة تسببت في إثارة جدل كبير في نتائجها، لعدم معرفتها بواقع وعادات البلد، واعتمادها في دراستها على عمالة مقيمة، وهذا ينعكس على صناعة القرار وهو الأمر الرئيسي في توفير الدراسات والأبحاث، وذلك بعد أن تم الانتهاء من وضع خطة استراتيجية قبل أشهر بهدف تعزيز وتطوير قطاع الاستشارات وبخاصة القطاع الوطني الخاص، وتحسين بيئته التنظيمية ورفع قدراته التنافسية بتحسين أداء المستشار السعودي، ورفع مستوى العاملين في المكاتب الاستشارية. وتتضمن الخطة الاستراتيجية إيجاد نظام مناسب للعمل الاستشاري ومقابلة المسؤولين وأصحاب القرار لما يكفل منح الاستشاري الفرصة الكاملة لتعزيز دوره وإكسابه الخبرات المطلوبة، إضافة إلى إقامة ندوات وبرامج تدريبية سواء كانت للمكاتب الاستشارية أو للمستفيدين من هذه الخدمة.

يذكر أن دراسة سوقية سابقة أظهرت أن المكاتب الاستشارية السعودية تتنازع على 5 في المائة من «كعكة» الاستشارات المحلية، حيث تمتلك الشركات الأجنبية حصة الأسد في السوق بنسبة 85 في المائة، في ظل وجود ستة آلاف مكتب استشاري وطني في السعودية تتنوع اختصاصاتها ما بين الاقتصادي والهندسي والإداري والمالي وغيرها.

ويصل حجم سوق الاستشارات العالمية إلى نحو 310 مليارات دولار، ويطالب عدد من الخبراء بضرورة تبني مكاتب الاستشارات الوطنية فكرة الاندماج في ما بينها لزيادة ورفع قدرتها على المنافسة، والحصول على حصص من المشاريع والدراسات المطروحة، والدعوة لإيجاد شراكات مهنية وتجارية مع الدول المتقدمة في هذا المجال، في ظل الفرص والتحديات الكبيرة التي تنتظر قطاع الاستشارات الوطني مع الطفرة التنموية الكبيرة التي تشهدها البلاد، وهو الأمر الذي دفع الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين لأن تعلن أمس أنها تقوم (ممثلة في لجنة الخدمات الاستشارية بالهيئة) بتنفيذ دراسة تشخيصية لمهنة الخدمات الاستشارية في السعودية. وعللت الهيئة عبر موقعها الإلكتروني الرسمي أهمية تنفيذ هذه الدراسة بأنها تأتي «استشعارا من الهيئة لأهمية الحاجة الماسة للنهوض بمهنة الخدمات الاستشارية (الاستشارات المالية والاقتصادية والإدارية وما يتعلق بها) وتنظيمها وتطويرها، لتعظيم المنفعة الوطنية وتحقيق المساهمة القصوى لنشاط الخدمات الاستشارية في الاقتصاد الوطني، وتعزيز الميزات النسبية للسوق المحلية في السعودية، وعلاج عناصر الضعف التي يعاني منها نشاط الخدمات الاستشارية».

في حين أكدت الهيئة على أن هذه الدراسة ستخرج عند الانتهاء منها بخطة عمل شاملة وتوصيات محددة تساعد الجهات الحكومية المشرفة والمانحة للتراخيص في السعودية، على تنظيم مهنة الخدمات الاستشارية في المملكة والارتقاء بها وتوطين المعرفة في هذا المجال.