شارع محمد محمود.. من نزهة الحسناوات إلى ساحة مواجهات

اسمه ينتسب لأشرس وزراء داخلية مصر في العهد الملكي

TT

قبل أن يقفز شارع محمد محمود مؤخرا إلى بؤرة الأحداث مع تصاعد الاعتصامات والاشتباكات الدامية في ميدان التحرير؛ كان ذلك الشارع، وعلى مدار سنوات طويلة، على العكس تماما، يتسم بالهدوء، ومرور حسناوات الجامعة الأميركية، وزوار «الكافيهات» ومطاعم «التيك آواي» التي تقابلك في هذا الشارع.

الآن، وبعد كل هذه السنوات، تحول الشارع إلى ساحة حرب، يقطع حيويته الجغرافية بوسط القاهرة سيل من الشعارات والهتافات تنطلق من حناجر حشود المتظاهرين المعتصمين به منذ 5 أيام، لمنع قوات الأمن والجيش المتمركزة به لحماية وزارة الداخلية من التسلل إلى ميدان التحرير والهجوم على المتظاهرين، بينما تناثرت على أرصفة الشارع بقع حمراء، اختلطت فيها دماء الطرفين، وبين الحين والآخر تومض تحت أقدام الحشود كشاهد حي على لحظة فارقة في تاريخ مصر وثورتها.

في هذا الشارع توجد حزمة من البنايات تتنوع طرزها التاريخية العريقة، تتراص على جانبيه، من بينها مبنى الجامعة الأميركية والمدرسة الألمانية، كما توجد به مكتبة «البلد» مقصد المثقفين وملجأ الثوار أيام ثورة 25 يناير (كانون الثاني).

ويأتي الشارع، المؤدي إلى مقر وزارة الداخلية المصرية، متسقا مع اسم صاحبه السياسي الشهير محمد محمود باشا (1878 - 1941) وزير داخلية مصر ورئيس وزرائها في العهد الملكي، حيث تولى رئاسة الوزارة 4 مرات، الأولى في عهد الملك فؤاد الأول في عام 1928، والثانية عام 1937 بصفته رئيس حزب الدستوريين الأحرار، والثالثة عام 1938، ثم الوزارة الرابعة في نفس العام ولم تكمل شهرين.

ينتمي محمد محمود، الاسم الأكثر ترديدا في وسائل الإعلام حاليا، إلى أسرة سياسية، فوالده محمود باشا سليمان، كان وكيل مجلس شورى القوانين‏ وأحد كبار ملاك الأراضي الزراعية في صعيد‏‏ مصر. وقد ساعد هذا محمد محمود على أن يتمتع بنفوذ سياسي واسع، ويلعب أدوارا مؤثرة، في خارطة الصراع في مصر في تلك الفترة، ما بين الملك من ناحية، والاحتلال الإنجليزي، والقوى الوطنية المطالبة بتحرير البلاد.

تلقى محمد محمود تعليمه في مدرسة أسيوط الابتدائية، ثم التحق بالمدرسة التوفيقية بالقاهرة، حيث أتم دراسته فيها عام 1897، والتحق بعد ذلك بجامعة أكسفورد بإنجلترا، وحصل على دبلوم في علم التاريخ، وعقب عودته من إنجلترا عين وكيل مفتش في وزارة المالية، ثم انتقل إلى وزارة الداخلية، وعين مساعد مفتش عام 1904، ثم سكرتيرا خصوصيا لمستشار وزير الداخلية الإنجليزي عام 1905.

وكان أول من أطلق فكرة تأليف وفد في سبتمبر (أيلول) 1918، للمطالبة بحق مصر في تقرير مصيرها وفقا للمبادئ التي أعلنها الرئيس الأميركي (ولسن) عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى، وفي اليوم السابق لقيام ثورة 1919 اعتقل الإنجليز محمد محمود مع الزعيم سعد زغلول وإسماعيل صدقي، ونفوا إلى مالطة، مما أدى إلى تأجيج المشاعر الوطنية وانفجار الثورة. ويذكر تاريخ مصر أن محمد محمود عطل «دستور 1922» بالكامل، كما كان أحد أقطاب الجبهة التي مثلت مصر في مفاوضات عام 1936 التي انتهت بتوقيع معاهدة جلاء الاحتلال الإنجليزي عن مصر.

من المفارقات؛ أن تاريخ الرجل كوزير داخلية يقول إنه حكم بيد من حديد، وكان شرسا في التعامل مع المعارضين، وهو الحال مع الوزارة التي يؤدي الشارع إليها وحكمت مصر بنفس الأسلوب طوال عهد مبارك. وبينما أصدر دستور جديد زادت فيه صلاحيات الملك عام 1923، يكاد المشهد ينسخ نفسه مع وثيقة الدكتور علي السلمي، نائب رئيس الوزراء الحالي، التي تعطي الجيش صلاحيات مطلقة، رفضتها القوى السياسية، وانتفضت ضدها بميدان التحرير والشارع معا.