مصادر عراقية لـ «الشرق الأوسط»: 6 عوامل تفسر موقف بغداد الداعم للنظام السوري

قالت إن هناك شعورا «برد الجميل» للسلطات السورية التي استضافت لسنوات العديد من القيادات العراقية الحالية

الدبابات السورية بالمرصاد للمتظاهرين العزل في تفتناز بإدلب أمس
TT

تراهن السلطات السورية على دول الجوار المباشر للتخفيف من وطأة العقوبات الاقتصادية والمالية التي فرضتها الجامعة العربية وتركيا فضلا عن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية. ومن بين هذه الدول، يبرز العراق الذي عارض فرض العقوبات وقال علنا إنه لن يطبقها بينما تراجعت تحفظات الأردن وعولت عمان على اللجنة العربية المختصة لتدارس السبل التي تمكنها من ألا يصاب اقتصادها بهذه العقوبات.

ولكن لماذا يقف العراق هذا الموقف الذي لا يعني فقط تخفيف عبء العقوبات عن سوريا بل يعني خصوصا تقديم الدعم للنظام السوري بينما العرب والأسرة الدولية يسعون لعزله وتقليم أظافره؟

تقول مصادر عراقية رسمية إن النظرية التي تعزو الموقف العراقي المهادن والداعم لنظام الأسد للضغوط التي تمارسها حليفته إيران على السلطات في بغداد «المرتهنة» لما يصدر عن طهران «بعيدة كل البعد عن الواقع» ولا تعطي صورة «أمينة» لا لواقع العلاقات القائمة بين بغداد وطهران من جهة ولا لـ«المنطلقات» التي تفسر المواقف العرقية منذ بداية الأزمة السورية قبل نحو تسعة أشهر. كذلك فإن من يرى في موقف الحكومة العراقية «تضامنا» مذهبيا مع القيادة السورية، «بعيد كل البعد»، بحسب المصادر العراقية التي التقتها «الشرق الأوسط»، عن واقع الأمور وعن النظرة العراقية للأزمة السورية.

بداية، تربط المصادر العراقية بين مواقف بغداد وواجب «رد الجميل» للسلطات السورية وخصوصا للرئيس الراحل حافظ الأسد الذي استضاف لسنوات العديد من القيادات العراقية الحالية ومن بينها رئيس الوزراء نوري المالكي الذي عاش في دمشق نحو 15 عاما والرئيس جلال طالباني والعديد من الكوادر الحكومية الحالية. وبشكل عام، فإن بغداد ترى أنه من الضروري «مراعاة» النظام السوري وعدم الانقضاض عليه رغم الاتهامات التي سيقت في السنوات التي تلت سقوط نظام صدام حسين للنظام السوري وتحميله مسؤولية «تصدير الإرهاب» إلى العراق أو على الأقل «غض الطرف» عن الذين كانوا يتخذون الأراضي السورية منفذا للوصول إلى العراق.

ويترافق هذا العامل مع عنصر له أهميته من الزاوية العراقية وهو وجود ما قد يصل إلى 300 ألف عراقي في سوريا في الوقت الحاضر رغم تحسن الأوضاع الأمنية في العراق في السنوات الأخيرة. وتتخوف بغداد من أن ينعكس موقف عراقي معاد للنظام السوري على العراقيين وعلى أوضاعهم ما قد يخلق مشكلة إنسانية واجتماعية وسياسية لبغداد التي لا تحتاج لمشكلات من هذا النوع اليوم وذلك قبل أيام من الانسحاب العسكري الأميركي التام من الأراضي العراقية. وبكلام آخر، فإن بغداد تريد اليوم أن «تأمن شر» دمشق وتبعد عنها أي محاولات لاستغلال «الفراغ» الذي قد يترتب على انسحاب الأميركيين.

وترى بغداد فائدة في التعامل التجاري والاقتصادي مع سوريا بحيث أن أي عقوبات تعمل بها ستنعكس بداية على الاقتصاد العرقي لا بل على حياة المواطن اليومية بالنظر لكثافة العلاقات الثنائية وحاجة العراق للبضائع التي تمر عبر الأراضي السورية.

وتفيد الإحصائيات المتوافرة أن المبادلات التجارية العام الماضي وصلت إلى ملياري دولار ويمكن أن تصل إلى 3 مليارات هذا العام وهي في غالبيتها تذهب من دمشق أو تمر عبرها باتجاه العراق. وهذا يعني أن التزام العراق تنفيذ العقوبات سيزعج بالطبع النظام السوري لكنه سيصيب أيضا العراقيين. ويقدر مكتب الإحصاء السوري بـ52 في المائة صادرات سوريا إلى البلدان العربية بينها 31 في المائة باتجاه العراق.

غير أن للموقف العراقي خلفية سياسية «أخرى» نابعة من نظرة بغداد إلى ما تعتبره «محرك» العمل العربي ضد سوريا في الوقت الحاضر. وترى المصادر العراقية أنه بغياب مصر عن ساحة القرار العربي بسبب انشغالها بشؤونها الداخلية، فإن «دفة القيادة» للجامعة العربية وقعت بأيدي دول مجلس التعاون الخليجي التي تحركها كما تريد. ورغم سقوط النظام الصدامي الذي احتل الكويت واعتدى على الأراضي السعودية، فإن بغداد ما زالت ترى أن هناك «أجواء عدائية» ضدها داخل مجلس التعاون. وتفسر بغداد هذا العداء بالاعتقاد «الخاطئ» وقوامه أن إيران هي المحرك الفعلي لخيوط السياسة العراقية.

يبقى أن القيادة العراقية الحالية، وفق ما تقول المصادر التي تحدثت إليها «الشرق الأوسط»، ليست راغبة في أن ترى حربا على حدودها الطويلة مع سوريا ولا أن ترى أصوليين من السنة يتسلمون السلطة فيها الأمر الذي ترى فيه خطرا على أمنها ومصدر مشكلات مستقبلية لها وربما تهديدا لموقع الشيعة الجديد في عراق ما بعد صدام. ولذا، فإن تداخل هذه العوامل ببعضها البعض يوفر قراءة «أمينة» لدوافع السياسة العراقية التي لا يمكن قراءتها فقط من زاوية النفوذ الإيراني في بغداد.