جوهرة القواعد الأميركية في العراق ومحطة استراحة مقاتليها.. تعود إلى العراقيين

وزارة السياحة العراقية ل «الشرق الأوسط» ـ: معسكر النصر والقصور الرئاسية ملك للدولة ولن يكون استخدامها شخصيا

جندي أميركي في غرفة نوم الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين في قصر الفاو (رويترز)
TT

قام الجنرالات الأميركيون داخل جدران القصر الذي بناه الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، بالتخطيط لمسار الحرب، وتتبع الأعداد المتزايدة للقتلى، وتلقي القسم من مواطنين أميركيين جدد تحت ثريات القصر الزجاجية المبهرجة.

وخارج القصر كان أفراد القوات الأميركية يضربون كرات الغولف بمضاربهم ليقذفوها في البحيرات الاصطناعية المحيطة بالقصر، أو يصيدون سمك الشبوط، بينما كان آخرون منهم يجلسون يدخنون السيجار ويشربون البيرة الخالية من الكحول ويأملون في الحصول على فترة راحة من الصواريخ وقذائف الهاون التي تتساقط عليهم.

وبالقرب من إحدى البحيرات الصناعية الأخرى التي تقع على مسافة بعيدة، كان صدام حسين، الذي كان سجينا داخل حظيرة صغيرة مسورة تقوم على حراستها دوريات من الحراس، يعيش على أكل الطماطم والخيار.

وقد حظيت هذه المنطقة المترامية الأطراف التي سميت في ما بعد بـ«كامب فيكتوري» أي (معسكر النصر) بمكانة خاصة في التجربة العسكرية الأميركية في العراق، منذ أن شق جنود الفرقة الثالثة مشاة طريقهم إلى داخل مطار بغداد منذ ما يقرب من تسع سنوات مضت. فقد كان الجنرالات ذوو الرتب العالية يجلسون في هذا المكان أمام أكوام الهواتف وشاشات الفيديو ليجروا اتصالاتهم بالقادة العسكريين في الميدان، والقادة السياسيين في واشنطن، ويقومون بإملاء الاستراتيجيات التي كان يتم تنفيذها في شوارع المدن العراقية، مثل الفلوجة والموصل والنجف.

لقد كان هذا المكان بمثابة نقطة تقاطع في الحرب، حيث تستطيع فيه القوات الأميركية، التي تعانى من الحر والغبار بعد سفرها عبر الطرق العادية والسريعة المميتة في العراق، الاسترخاء فيه قليلا وتناول فنجان من القهوة بالحليب أو مشاهدة أحد الأفلام المنسوخة بشكل غير قانوني، قبل العودة إلى غمار المعركة مرة أخرى.

وقد تم تسليم هذه القاعدة بشكل رسمي أمس، والتي كانت مأوى في أوج الحرب لأكثر من 46000 شخص، إلى الحكومة العراقية كجزء من الجهود الأميركية لنقل جميع القوات الأميركية إلى خارج البلاد بحلول نهاية العام. وقال المتحدث باسم الجيش الأميركي، الكولونيل باري جونسون «القاعدة لم تعد تحت سيطرة الولايات المتحدة، حيث أصبحت الآن خاضعة للسلطة الكاملة للحكومة العراقية».

وكانت هذه المنطقة، التي يسميها الجيش الأميركي رسميا «مجمع قاعدة فيكتوري»، تستخدم في الأصل كناد ريفي للنخبة في بغداد في عهد صدام. ويمكن للزائر العثور على قطع أثرية صغيرة من تلك الحقبة، مثل العلامات الإرشادية التي كانت توضح للزوار أماكن مواقف السيارات أو مواعيد عمل الكازينو الموجود في المكان.

وقد بنى صدام مجمع القصر هذا، والذي يقع بالقرب من المطار، نتيجة للحرج، حيث إنه اضطر خلال انعقاد قمة جامعة الدول العربية في عام 1978 إلى تسكين كبار الشخصيات الذين جاءوا إلى العراق في منازل خاصة في بغداد، لأنه لم تكن لديه أماكن إقامة مناسبة، وذلك وفقا لما ذكره روبرت كيركلاند، وهو مؤرخ عسكري أميركي سابق كان قد أجرى مقابلة مع وزير الخارجية العراقي الأسبق، طارق عزيز، كما أجرى مقابلات مع غيره من العراقيين الذين كانوا في يوم من الأيام محتجزين من قبل القوات الأميركية.

وقد شرع صدام حسين من فوره في بناء القصر والمباني الحيطة به لتصحيح المشكلة، حيث بنى في نهاية المطاف تسعة مبان متفاوتة الحجم والتأثير، وقام بإطلاق أسماء على بعضها تعكس وجهة نظره المعقدة للعالم في كثير من الأحيان، مثل «الانتصار على أميركا»، و«الانتصار على إيران»، و«الانتصار على الكويت».

وقال العقيد ليه ميلنك، وهو أيضا مؤرخ عسكري أميركي سابق في العراق، إن المخططين العسكريين الأميركيين كانوا في حيرة خلال الفترة التي سبقت الحرب، من أمر هيكل مخروطي الشكل كان يظهر في الصور التي يتم التقاطها بواسطة الأقمار الصناعية، وقد صنفوه في البداية على أنه إحدى دور العبادة، ولكن اتضح في ما بعد أنه برج من أبراج الحمام.

ويتذكر النقيب ويليام سمنر، الذي كان لا يزال يحمل رتبة كابتن وقت وصول وحدته إلى «كامب فيكتوري» في منتصف أبريل (نيسان) عام 2003، كيف تمكن اللصوص العراقيون من دخول المجمع وسرقة الأوز والبجع وغيرها من الحيوانات من حديقة حيوان صغيرة كان صدام قد بناها في المكان، حيث قال «أعتقد أن هذا هو الوقت الذي خرج فيه النمر من حظيرته».

وقد شوهدت إحدى القطط الكبيرة من فصيلة السنوريات والتي ربما كانت «وشق كميت» (وهو نوع من النمور) وهي تتجول في أنحاء القاعدة خلال الأسابيع التالية.

وقد قام الجنود في الأيام الأولى بعد الغزو بالسباحة في البحيرات الاصطناعية، كما قاموا بجولات في الجزر وهم يركبون القوارب التي تعمل بالمجداف. ولكن سرعان ما أصبح جو القاعدة أكثر شبها بالجو المعتاد في القواعد العسكرية الأخرى الموجودة في الولايات المتحدة، وهو ما يعني أن الشرطة العسكرية بدأت في تطبيق القواعد واللوائح، حيث قال سمنر إنه تم إيقافه بسبب تجاوزه السرعة القانونية المقررة خلال الأسبوع الثاني لوحدته في «كامب فيكتوري»، مضيفا بقوله «بعد أن انتقلنا إلى مكان آخر، كنا نحاول بقدر طاقتنا عدم العودة إلى هناك كلما كان ذلك ممكنا».

وحسب تقرير لوكالة «أسوشييتد برس» فإن مجمع قاعدة «فيكتوري» عبارة عن مدينة صغيرة، وكثيرا ما تعرض لقصف صاروخي أو قصف بقذائف الهاون، وقد نشبت أعمال العنف من الداخل في أحد المرات، حيث أطلق جندي أميركي في مايو (أيار) 2009 النار على خمسة جنود من زملائه في عيادة لعلاج الإجهاد الناجم عن القتال وقتلهم.

وقد تم تقسيم القاعدة إلى عدة أقسام يحمل كل منها اسما مختلفا، نظرا لأتساعها الكبير، حيث كان بإمكان القوات الانتقال من معسكر «كامب سترايكر» إلى معسكر «كامب ليبرتي» من دون أن يضطروا لمغادرة القاعدة، فقد كان هناك نظام نقل عام باستخدام الحافلات تم تعيين طرق محددة له، ليقوم بنقل الناس إلى المطاعم والصالات الرياضية أو إلى أحد الطرق الترابية، التي كان أفراد القوات والمتعاقدون يقيمون عليها سباقا للسيارات التي يتم التحكم فيها عن بعد.

وتوضح الأرقام التالية، والتي قدمها الجيش الأميركي، أن حجم القوة العسكرية التي كانت موجودة في قاعدة «كامب فيكتوري» كان كبيرا:

- كانت المحارق تحرق نحو 178000 رطل في المتوسط من النفايات يوميا.

- وكانت هناك محطة لتنقية المياه تنتج 1850000 غالون من الماء يوميا.

- وكان هناك مصنع للمياه المعبأة يقوم بتعبئة 500000 زجاجه سعة واحد لتر يوميا.

- وكانت هناك ثلاث محطات مختلفة للطاقة تنتج 60 ميغاوات من الكهرباء يوميا. وكان بإمكان الجنود الأميركيون شراء وجبات الطعام السريعة من فروع المطاعم الأميركية الشهيرة الموجودة في القاعدة، مثل «تاكو بيل»، و«بيتزا هت»، و«سينابون»، و«برغر كينغ»، و«سب واي»، إذا ما أصابهم الملل من الطعام الذي كان يقدم في قاعات الطعام الكبيرة المنتشرة في القاعدة. كما كان بإمكانهم أيضا شراء أي شيء يرغبون فيه من المتاجر المختلفة الموجودة هناك، بدءا من أقراص الفيديو الرقمية المنسوخة بشكل غير قانوني وانتهاء بالدراجات النارية من طراز «هارلي ديفيدسون»، التي كان يتم توصيلها مباشرة إلى باب منازلهم في الولايات المتحدة عند عودتهم من الحرب، كما كان بإمكان أفراد القوات الأميركية، في الأيام الأولى من الحرب، شراء أدوات وآنية المائدة الفضية الشخصية الخاصة بصدام حسين. وكان أفراد القوات والمتعاقدون الزائرون من قواعد أخرى يقومون بجولات في القصور.

وكانت من ضمن الهوايات المسلية بشكل خاص هواية تغذية سمك الشبوط الموجود في البحيرة المحيطة بقصر «الفاو»، الذي كان يتمركز فيه كبار الجنرالات والمسؤولين العسكريين، حيث كانت هذه الأسماك العدوانية تقفز من الماء لالتقاط الحبوب وكعك «غيرل سكوت» وفطائر «بوب تارتس».

وكان السجن المحبوس فيه صدام حسين وبعض رفاقه من الأماكن المحظور على القوات الوجود فيها، حيث كان الجنود الأميركيون يقومون بحراسة الديكتاتور السابق واستجوابه في أحد المباني المتهدمة من جراء القصف، وهو مبنى تم تطويقه بالأسلاك الشائكة، قبل تسليمه إلى العراقيين وإعدامه في عام 2006.

ومن جهته، قال المتحدث الرسمي باسم وزارة السياحة والآثار في العراق عبد الزهرة الطالقاني، حول مصير المعسكر، إن «القصور الرئاسية تعود ملكيتها جميعا للدولة العراقية، وقد شكلت لجنة لهذا الغرض برئاسة مستشار وزارة السياحة والآثار، وتضم في عضويتها عددا من ممثلي الوزارات والدوائر المعنية، لغرض جرد هذه القصور وتحديد نوعية وطبيعة استخدامها في المستقبل».