النساء ضحايا تغلب العادات على العدالة.. في أفغانستان

غولناز تحولت من ضحية إلى متهمة مسجونة.. وفي الأخير قبلت مجبرة الزواج بمغتصبها

خلصت بعثة للأمم المتحدة إلى أن قضايا العنف ضد النساء نادرا ما تعرض على القضاء في أفغانستان رغم وجود القوانين (رويترز)
TT

عندما أعلنت الحكومة الأفغانية، أول من أمس، الخميس، أنها ستعفو عن امرأة سجنت بتهمة الزنى بعد اعترافها بأنها تعرضت لاغتصاب، بدا القرار بمثابة انتصار واضح لكثير من النساء في أفغانستان اللائي تحطمت حياتهن بفعل النظام القضائي الأفغاني. لكن حين أوضح بيان الحكومة أن من المتوقع أن توافق المرأة، وتدعى غولناز، على الزواج بالرجل الذي اغتصبها، كشف ذلك عن مدى تعارض الجهود المدفوعة بنيات حسنة لمواجهة العنف ضد المرأة هنا في أفغانستان مع حدود التغيير في المجتمع.

يحمل الحل في متنه مخاطر جسيمة بالنسبة لغولناز، التي لا تذكر سوى اسمها الأول، لخوفها من أن يفكر مرتكب الجريمة في الانتقام منها بقتلها أو الاعتداء عليها مجددا. ويأتي قرار حكومة الرئيس حميد كرزاي في الوقت الذي تستعد فيه القوى الغربية لمغادرة أفغانستان، مؤكدا عدم الانتهاء من جهود المطالبة بحقوق المرأة، ومثيرا تساؤلات حول ما يخبئه المستقبل لنساء على شاكلة غولناز. وفي واقع الأمر، كان العامل الذي دفع الحكومة لاتخاذ مثل هذا الإجراء هو الحركة الشعبية التي بدأت بعد ظهور غولناز مؤخرا في فيلم وثائقي منع عرضه بعد ذلك الاتحاد الأوروبي. واتهم أنصار صناع الفيلم المسؤولين الأوروبيين بغض الطرف عن الكشف عن أنواع الانتهاكات التي تتعرض لها الأفغانيات بشكل معتاد خوفا من مضايقة الحكومة.

وبينما يعتبر العفو عن غولناز انتصارا لكل من كليمنتين مالباس، السينمائي الذي عكف لنحو 6 أشهر على إعداد الفيلم الوثائقي، وكيمبرلي موتلي، وهي محامية أميركية تبنت قضية غولناز دون أجر، فإنه يوضح أيضا أن نظام القضاء الأفغاني غالبا ما يأتي ضد النساء. يتناول الفيلم الممنوع من العرض، الذي شاهدته صحيفة «نيويورك تايمز»، قصة 3 نساء أفغانيات سجينات. إحداهن هي غولناز، التي كان عمرها وقتها 19 عاما، وأنجبت طفلا من مغتصبها أثناء قضائها فترة العقوبة في السجن، بعد أن حكم عليها في البداية بالسجن 3 سنوات. وفي محاكمة ثانية جرت بعد تقديمها استئنافا، زادت العقوبة إلى 12 عاما، لكن أحد القضاة عرض عليها مخرجا وهو الزواج بمغتصبها. أما النموذج الثاني، فهو لسيدة أساء زوجها معاملتها وهربت مع رجل وقعت في حبه؛ وكلاهما الآن مسجون بتهمة الزنى. أما النموذج الثالث، فهو لفتاة عمرها 14 عاما، اعتقد أنه قد تم اختطافها، لكن ثبت أنها هربت من أسرتها وتمت إعادتها.

وبعد الانتهاء من تصوير الفيلم، منع الاتحاد الأوروبي عرضه، مخرسا ألسنة النساء اللائي كن يعتزمن رواية قصصهن. وكان سبب منع عرض الفيلم، هو أن تناول قصص هؤلاء النساء ربما يعرضهن للأذى والوقوع ضحايا لجرائم الشرف. ولم تكن النساء قد قدمن موافقة كتابية على تناول قصصهن في الفيلم، هذا ما قاله فيغاوداس يوساكاس، سفير الاتحاد الأوروبي لدى أفغانستان. لكن صحيفة «نيويورك تايمز» حصلت على رسالة بريد إلكتروني من شخص يدعم صناع الفيلم تبين فيه أن الاتحاد الأوروبي لديه أسباب سياسية أيضا لمنع عرض الفيلم. وجاء في رسالة البريد الإلكتروني الموجهة إلى صناع الفيلم من قبل مبعوث الاتحاد الأوروبي للعدالة وسيادة القانون وحقوق الإنسان، زو ليفلر، أن الاتحاد الأوروبي «يجب أيضا أن يضع في حسبانه علاقاته مع مؤسسات القضاء وثيقة الصلة بالأعمال الأخرى التي يقوم بها في هذا القطاع».

وحتى إذا أبدت النساء اللائي عرضت قصصهن في الفيلم «موافقتهن الكاملة»، لن يكون الاتحاد الأوروبي «عازما على تحمل المسؤولية عن التبعات المحتملة التي يمكن أن تهدد حياة النساء اللائي عرضت قصصهن في الفيلم»، حسب ما جاء في نص رسالة البريد الإلكتروني.

وأكد يوساكاس أن الخوف على النساء كان السبب الجوهري وراء قرار الاتحاد الأوروبي. وقال: «الاتحاد الأوروبي لا يهتم بالنساء فقط، ولكننا أنفقنا أكثر من 45 مليون يورو (60 مليون دولار) لدعم البرامج المختلفة الموجهة للنساء»، مضيفا أن الاتحاد الأوروبي يمول أيضا مشاريع لإقامة مراكز إيواء للنساء.

انتشرت الأنباء الخاصة بمنع عرض الفيلم بين جماعات حقوق الإنسان إلى حد أن كثيرا من المشاركين في الحركة النسائية الأفغانية الناشئة بدأن في الإشارة إلى الضحايا بأسمائهن ويناقشن الحل الأفضل بالنسبة لهن، واضعين في الاعتبار قيود المجتمع الأفغاني. وتناقل البعض التماسا يحث على إطلاق سراح غولناز وجمعوا أكثر من 6.000 توقيع قدمت إلى كرزاي.

وتكشف قضية غولناز عن مدى قوة القوالب الثقافية الراسخة في أفغانستان. فمن ناحية، حفزت الحملة العامة للدفاع عن حقوق المرأة على اتخاذ إجراء العفو، الذي يضمن لها أن تتمكن من تربية ابنتها خارج جدران السجن. ومن ناحية أخرى، تعتبر حقيقة أن الحل الوحيد الممكن في حال امرأة لديها ابن غير شرعي، هو الزواج بوالد الطفل - حتى لو كان هو مرتكب جريمة الاغتصاب - دليلا على الاعتقاد الراسخ بأن المرأة لا تحظى بالاحترام ما لم تكن منتمية إلى أسرة. وقالت مالباس إن غولناز قد حدثتها عن سبب اضطرارها لقبول الزواج بمغتصبها، على الرغم من عدم رغبتها في ذلك، متذرعة بأنها لن تصبح وحدها المنبوذة إذا رفضت ذلك، بل ستكون ابنتها كذلك أيضا، وأنها ستجلب العار لأسرتها. وقالت مالباس: «حدثتني غولناز قائلة: لقد دمر مستقبلي. لن يرضى أحد بالزواج بي بعد ما فعله بي. لذلك، يجب أن أتزوجه لأجل ابنتي. لا أرغب في أن يعتبرها الناس ابنة غير شرعية ويسيئوا إلى إخوتي. لن يتمتع إخوتي بشرفهم في المجتمع إلا إن تزوجني».

لكن، مدفوعة بوعيها بمجتمعها، قالت غولناز أيضا إنها إذا وافقت على الزواج بمغتصبها، فستطلب منه أن يزوج إحدى أخواته أحد أخوتها، حسب ما ذكرت المحامية موتلي. ويعتبر هذا واحدا من الأساليب القبلية المتبعة لتسوية النزاعات. لكن في هذه الحالة، ستكون هناك سياسة تأمين لغولناز نظرا لأن مغتصبها سيتردد قبل أن يفكر في إيذائها لأنه يعلم أن أخته ستكون تحت رحمة أخيها.

وأشارت كل من مالباس وموتلي إلى أنه تم إيجاد مركز إيواء لغولناز، وأنهما تأملان في أن تذهب إليه. لكن لم يتضح بعد ما إذا كان مثل هذا الخيار الغربي يمكنه أن ينتصر على العادات الأفغانية، وما إذا كانت غولناز ستختاره أم لا.

* أسهم في إعداد التقرير سانغار رحيمي ورود نوردلاند.

* خدمة «نيويورك تايمز»