جمال أسعد: غياب القيادة فتت القوى السياسية لميدان التحرير

المفكر القبطي في حوار مع «الشرق الأوسط» : التيارات الإسلامية تصعد على أكتاف الديمقراطية ثم تغتالها في أول منعطف

جمال أسعد
TT

حذر المفكر القبطي، البرلماني السابق، جمال أسعد، من أن تغير الخريطة البرلمانية وجه الخريطة السياسية في مصر، وتحول دفتها من دولة مدنية إلى دولة دينية صرفة، خاصة مع تعزز فرص التيارات الإسلامية في الحصول على أغلبية في البرلمان، وأثر ذلك على تشكيل اللجنة التأسيسية المنوط بها وضع دستور جديد للبلاد. وانتقد الناشط القبطي، في حوار مع «الشرق الأوسط»، النظام الانتخابي الذي تجرى به حاليا الانتخابات البرلمانية في مصر، وأفرزت مؤشرات جولتها الأولى صدارة الإخوان المسلمين والتيار السلفي للمشهد، لافتا إلى أن الجمع بين النظامين الفردي والقائمة واتساع الدوائر وكثرة المرشحين وعدم معرفة المواطنين بهم.. ذلك كله يجعل عملية التصويت تتسم بالعشوائية، الأمر الذي يصعب معه الكلام عن أقلية قبطية سيكون لها تمثيل فيه.

وأكد الناشط القبطي المعارض أن الخريطة الانتخابية لم تتغير تماما؛ لأن الأمل كان في الثورة في أن تغير هذه الخريطة، إلا أنها إلى الآن ما زالت تسيطر عليها القبلية والعصبية والطائفية والدينية والأموال السياسية بنفس طريقة النظام السابق. وتحدث أسعد عن فرص شباب الثورة في هذا البرلمان، ودعاوى منع أعضاء الحزب الوطني المنحل من الترشح لهذه الانتخابات وغيرها من القضايا.. وفيما يلي نص الحوار..

* كيف ترى المشهد الانتخابي في مصر حاليا؟

- هذه الانتخابات يفترض أنها تمثل أهمية خاصة جدا لأنها تمثل ثورة «25 يناير» وتنبع تلك الأهمية من غياب التنظيم الثوري والقيادة الثورية التي كان من المفترض وجودها لقيادة الثورة، وكان منوطا بها إيصال الثورة لمرحلة الأمان، وبغياب هذه القيادة، خاصة بعد استفتاء 19 مارس (آذار) الماضي، تفتتت القوى السياسية التي كانت متوحدة في ميدان التحرير لإسقاط نظام مبارك بسبب السعي وراء مصالحها الشخصية والخاصة، مما أنهى الاتحاد الذي أسقط مبارك، ووجدنا أنفسنا في ساحة للصراع على مدار الساعة بين كل التيارات والقوى السياسية على من يفوز بأكبر نصيب من الكعكة غير الموجودة بالأساس، وتحول الميدان من رمز ثوري للمطالبة بمطالب شعبية موحدة تخدم الثورة إلى ساحة للتظاهر وإبراز العضلات والاستقواء على الآخر، وأصبح ميدان التحرير معبرا عن مصالح حزبية ضيقة، وفي ضوء هذا تظهر أهمية هذا البرلمان لخطورة هذه المرحلة الانتقالية، خاصة في تحديد مسار الثورة المصرية بين الديمقراطية والفوضى.

* وسط هذا كله، هل يمكن أن يلعب البرلمان دورا إيجابيا في تشكيل الدستور الجديد للبلاد؟

- المفترض أن ينتج عن الثورة المصرية دستور ثوري يعبر عن كل المواطنين المصريين ويعبر عن زخم الثورة ويدشن مبادئها في مواد دستورية، وإلا ستكون الثورة ضاعت، لكن مجلس الشعب نفسه أصبح الآن إشكالية بين القوى المدنية والقوى الإسلامية باعتبار أنها موجودة في الشارع واعتمادها على دغدغة عواطف المصريين الشعب المتدين بطبيعته، ويتصورون أنهم يمتلكون الشارع وأنهم سيحصلون على الأغلبية وسيضعون الدستور كما يريدون، وبينما الطرف الآخر الذي يمثل الأغلبية الصامتة من المصريين ويدعون لدستور مدني يعبر عن جميع المصريين، وبالتالي أصبحت أيضا الانتخابات ساحة للصراع، لكن الخريطة الانتخابية لم تتغير تماما؛ لأن الأمل كان في الثورة في أن تغير هذه الخريطة، إلا أنها إلى الآن ما زالت تسيطر عليها القبلية والعصبية والطائفية الدينية والأموال السياسية بنفس طريقة النظام السابق، لكن للآسف زاد عليها الانفلات الأمني، وهذا كله يمثل المخاطر الحقيقية التي تواجه الانتخابات.

* هناك مخاوف من سيطرة الإسلاميين على البرلمان، وأن ذلك سينعكس على عملية تشكيل الدستور، وأنه لن يحظى بتوافق وطني.. ما رأيك؟

- أعتقد أن التيار الإسلامي سيحوز الأغلبية العددية في البرلمان المقبل، وبالتالي السيطرة على الهيئة التأسيسية للدستور، وسيكون هناك دستور على رغبة طائفة أو فئة واحدة وليس دستورا وطنيا، وحتى يأتي دستور معبر عن الشعب يجب أن يكون هناك توافق وطني ومجتمعي وليس أغلبية تعبر عنها فئة أو تيار بعينه، فلا يجب أن يرتبط هذا الدستور بتيار سياسي معين؛ لأن التيار السياسي هذا قد يأتي للحكم وقد يذهب، لكن الدستور هو ما سيبقى، وبالتالي يجب أن يكون معبرا عن الجميع، وأعتقد أن التيارات الإسلامية هذه مخطئة، فإذا كانوا يملكون الشارع وأنهم سيحوزون السلطة بهذه الطريقة فإنهم يسيرون على خطى مبارك، ويجب أن يعلموا أن حاجز الخوف قد انكسر بعد 25 يناير (كانون الثاني) والمواطن سينزل الشارع وسيحدث ضدهم ما حدث منهم ضد مبارك، ويجب أن ندخل في تشاور مستمر بما يحقق التوافق حول دستور وطني يحقق تداول السلطة ولا نريد أن يأتي أحد باسم الديمقراطية ليغتال الديمقراطية.

* إلى أي مدى يمكن أن ينجح النظام الانتخابي الجديد في إضافة تركيبة متنوعة على مجلس الشعب المقبل؟

- في النظام الانتخابي السابق كان الناخب يعرف المرشحين ويستطيع الاختيار، لكن النظام الجديد مغاير دائما، سواء الفردي أو القائمة؛ فالنظام الفردي واتساع الدوائر سيجعلان التصويت عشوائيا، والناخب في الدائرة لا يعرف المرشحين بسبب هذا النظام الانتخابي؛ وذلك لكثرة عددهم الكبير في الفردي، ففي الدائرة الواحدة يصل المرشحون على مقعدي الفردي بالدائرة إلى مائة وخمسين مرشحا لشغل مقعدين فقط! مما يجعل من المستحيل الاختيار، أما نسبة الثلثين بالقائمة التي كانت أملا في ديمقراطية حقيقية بناء على تكريس الاختيار على أساس حزبي وبناء على برامج واضحة كان من الممكن أن يمثل الأقليات، لكن الذي يمنع ذلك أنه ليس هناك وجود حزبي حقيقي في الشارع، والأحزاب فاقدة للكوادر الحزبية والسياسية، مما جعل هذه الأحزاب تتسابق على اقتناص بعض الأسماء اللامعة من الفلول وغير الفلول ممن ليس لديهم أي خبرة سياسية أو حزبية، لكن لديهم فقط الاسم سعيا للكسب في الانتخابات.. أنا لا أعرف المرشحين في دائرتي وبالتالي أصبحت الانتخابات غير متوافقة في ظل ظروف سياسية غير مواتية.

* لكن، ما تقييمك لبرامج الأحزاب والقوى السياسية التي أعلنت ترشحها للانتخابات البرلمانية؟

- الأحزاب الكرتونية التي جاءت من نظام مبارك لم تتغير، والأحزاب الجديدة بعد الثورة، للأسف الشديد، الإسراع والتسرع في إنشائها جعلا البرامج متشابهة ولا يختلف برنامج عن الآخر، وكل هذه البرامج تفتقد الهوية الحزبية المميزة لكل منها، ومعظم هذه البرامج مجرد كلام إنشائي لا أساس له على أرض الواقع دون وجود إمكانات أو إرادة حقيقية لدى هذه الأحزاب لتطبيق ما تقول لأنها تقدم مجرد آراء نظرية لكسب تأييد الشعب غير الواعي، لكنها أيضا لا تعبر عن الثورة أو ما نادت به بالأساس، وفي المجمل هي تتحدث دون تحديد برامج حقيقية يمكن أن تكون قابلة للتطبيق.

* ما توقعاتك لشكل البرلمان المقبل؟

- أعتقد أن هناك تخوفات من التيارات الإسلامية، وهذه التخوفات ليس فقط من قبل الأقلية القبطية المسيحية، لكن أيضا من قبل المسلمين المعتدلين، خاصة بعد تصريحات البعض من قيادات ورموز التيار السلفي الذي لم تكن له أي علاقة بالسياسة لا من قريب أو من بعيد حول تطبيق الحدود، والمفارقة اللافتة أن هذا التيار الذي كان يعتبر الديمقراطية والانتخابات زندقة وكفرا، أصبح تحت اسم المصالح والاستفادة من الوضع الراهن يطالب بالانتخابات، وتستند هذه التيارات إلى الضمير الجمعي المصري سواء المسلم أو المسيحي المتدين بطبعه، بالإضافة إلى غياب الوعي السياسي لدى جميع المواطنين ليحصلوا على الأغلبية والاستقواء على باقي التيارات، لكن هذا التيار حتى إذا حازت الأغلبية فإنها لن تكون مطلقة ولن تحكم بشكل منفرد.

* هل تعتقد أن عمليات التزوير والبلطجة التي كانت من معالم العمليات الانتخابية المصرية طوال السنوات الماضية ستتكرر في هذه الانتخابات؟

- النظام السابق كان يستثمر نظام البلطجة الموجود والمتأصل عبر السنين في مصر، ولا توجد انتخابات في مصر تمت من دون بلطجة أو قتلى وجرحى؛ لأن هذه الظواهر هي ظواهر انتخابية مصرية وتراث مصري في فترات الانتخابات. وبعد الثورة ازدادت الفوضى، كما أن هناك تخوفا من عودة الانفلات الأمني في المرحلتين المقبلتين من الانتخابات، ومن الصعب أن نقيس هاتين المرحلتين على ما حدث في المرحلة الأولى، خاصة وسط ضغوط يتوقع أن تتسع وتشتد من قبل التيارات الإسلامية حتى يضمنوا الأغلبية التي يريدونها.

* هل أصبح تفكير الناخب المصري أكبر من مجرد الاهتمام بمشاكل دائرته الصغيرة وسيكون على النائب البرلماني المقبل الاستجابة لمطالب أكبر من مجرد الهموم الدائرية؟

- لا أحد يستطيع أن يتحدث عن نائب الخدمات، وهذه الظاهرة انتهت مع برلمان 2005 وحتى في ظل النظام السابق رفض الناخب المصري هذه الأشياء، ناهيك عن أن الناخب لا يمكنه حتى تقديم هذه الخدمات الصغيرة التي يعد الناخبين بها؛ لأنها في النهاية تعود إلى ميزانية الدولة وتجب موافقة الحكومة عليها، وبعد الثورة الناخب يبحث عن نائب واعٍ سياسيا ومهمته اختيار دستور للبلاد وللأسف عدد هؤلاء في البرلمان المقبل قد يكون قليلا.

* برأيك، ما فرص شباب الثورة في البرلمان الجديد؟

- لن يكون هناك وجود شبابي في البرلمان المقبل؛ لأن الشباب المصري وشباب الثورة تسرعوا في الانخراط في العملية السياسية من دون الإعداد الجيد لهذا المضمار، وللأسف صدق هؤلاء الشباب التهليل الإعلامي وتوهموا أنهم يستطيعون الفوز بالانتخابات، ومصدر هذا الوهم هو الإعلام الذي جعل الكثيرين من هؤلاء الشباب يتوهمون بأنهم ثوار وأنهم يستطيعون تسلم مقاليد الحكم فناضلوا من أجل الإعلام، لكنهم في الحقيقة لم يمارسوا السياسة على أرض الواقع أو ينزلوا للناس وليست لهم مصداقية في الشارع، وبهذه الصورة فإن الواقع يقول إنهم ليس لهم أي رصيد سياسي يمكن من خلاله الحكم بأنهم سوف يكون لهم نصيب من انتخابات البرلمان المقبل، على الرغم من أنهم هم من أشعل شرارة الثورة؛ لأن السياسة في النهاية نكران للذات والبذل من أجل الآخر، وهذا ما انتظره الشعب من شباب الثورة، لكن الإعلام حولهم إلى ظاهرة دعائية، على الرغم من أن لهم مصالح كغيرهم من القوى السياسية الموجودة على الساحة.

* هل تعتقد أن دعاوى منع أعضاء الحزب الوطني المنحل من الترشح تصب في مصلحة البرلمان الجديد؟

- هناك فرق كبير بين من أفسد الحياة السياسية في مصر، وهذا يجب أن تتم محاكمته بالقانون ومحاسبته على ما فعل في حق الشعب المصري، وبين أعضاء الحزب الوطني، فلا يمكن تطبيق حكم على أحد بشكل مطلق، لكن يجب الفصل بين المذنب والشخص العادي الذي لم يفسد الحياة السياسية في مصر، لكنه فقط كان تابعا للحزب الوطني، أنا معارض وما زلت معارضا لما يحدث ولا أوافق على كل ما يتم الآن في مصر.