قلق في مصر من صعود الإسلام السياسي في البرلمان المنتخب

الإخوان ينفون تحالفهم مع حزب النور السلفي.. والليبراليون يستعدون للعمل كمعارضة

متظاهرون مصريون يهتفون بهتافات يطالبون فيها بتسليم السلطة إلى المدنيين في ميدان التحرير بوسط القاهرة أمس (أ.ب)
TT

تستعد الأحزاب الإسلامية للاحتفال بالفوز بأغلبية المقاعد في أول برلمان يشكل بعد الإطاحة بنظام الرئيس المصري السابق حسني مبارك فيما يبدو اكتساحا يمكن أن يمثل الانتقال بمصر سياسيا نحو الاتجاه المحافظ. وطالما كانت جماعة الإخوان المسلمين، التي تمثل تيار الإسلام المعتدل، فصيلا سياسيا معارضا يتسم بالتنظيم ومن المتوقع أن يبلي الحزب المنبثق منها بلاء حسنا في الانتخابات التي بدأت خلال الأسبوع الحالي. مع ذلك كان من المفاجئ الظهور القوي لحزب النور السلفي الذي من الممكن أن يؤدي وجوده كلاعب أساسي إلى عواقب وخيمة على الساحة السياسية والحياة الثقافية المصرية. ورغم أن هذه ليست إلا نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات التي ستمتد حتى مارس (آذار)، يقول محللون إن هذا النجاح الذي حققه الإسلاميون على ما يبدو يعكس حملات انتخابية تقوم على الهوية. ويقول الهضيبي، المحلل والعضو السابق في جماعة الإخوان المسلمين في إشارة إلى الكتلة الليبرالية العلمانية الرئيسية والتي أكدت في دعايتها الانتخابية على أن الأحزاب الإسلامية تريد أن تحول مصر إلى «أفغانستان أخرى»: «ظهر صعود التيار السلفي كرد فعل مقابل للكتلة المصرية». ويضيف: «يتجمع هؤلاء الساسة حول الهوية لا السياسة. لقد سُئل المصريون سؤالا عن الهوية: هل تريد أن تكون هذه الدولة علمانية أم إسلامية. واختار الناس الإسلام». وتشير النتائج الأولية إلى فوز حزب الحرية والعدالة المنبثق عن جماعة الإخوان المسلمين بنحو 40 في المائة من الأصوات في المحافظات التي تم التصويت فيها الأسبوع الحالي ويليه حزب النور السلفي الذي من الممكن أن تتراوح نسبة مشاركته في المجلس بين 10 إلى 25 في المائة. ولم تُعلن النتائج الأولية الرسمية يوم الخميس كما كان مقررا بعد تأجيل الإعلان عنها مرتين. وتتركز التوقعات حاليا حول ما سيفعله حزب الحرية والعدالة في البرلمان القادم. ويتساءل المحللون عما إذا كان سيتعاون مع الوسط كما يُتوقع، أم أن أعضاءه سيُضطرون للتحالف مع السلفيين المتشددين الذين يتبنون نموذجا متزمتا للإسلام وهو ما يثير اعتراضا من جانب المصريين المتحررين؟

تقول مارينا أوتاواي، الخبيرة في الشؤون المصرية في معهد كارنيغي للسلام: «على الإخوان المسلمين إما تشكيل تحالف مع الحزب السلفي لبناء دولة ذات نظام إسلامي أو محاولة تشكيل ائتلاف مع عناصر ليبرالية».ودعا حزب الحرية والعدالة إلى تشكيل برلمان قوي يضم كافة القوى السياسية وسارع إلى توضيح أن ثلثي الشعب لم يصوتوا بعد، وكذلك لم يتم إجراء انتخابات مجلس الشورى. وأشار إلى تحالفه في الانتخابات مع أحزاب ليبرالية باعتباره دليلا على حسن النيات. ونفى الحزب في بيان على موقعه الإلكتروني يوم الخميس تحالفه مع حزب النور.

وقال عصام العريان، نائب رئيس حزب الحرية والعدالة: «نحن نسعى إلى التعاون لا الصراع. لن يكون هناك أغلبية مطلقة، وسيكون هناك 12 أو 13 حزبا في البرلمان». وقال الناخبون الذين يشعرون بالقلق من تشويه الأحزاب الإسلامية للقوى الليبرالية إن النتائج حثتهم على إعادة النظر في اختياراتهم. وتقول هداية عبد النبي، صحافية مصرية تعمل في الحملة الرئاسية لعمرو موسى، الأمين السابق لجامعة الدول العربية: «نعلم الآن ما ينتظرنا. وعلينا التعاون حتى لا نعود إلى العصر الحجري. هذه هي الديمقراطية وعلينا تقبل النتائج». وأضافت أنها كانت تعتزم التصويت لصالح قائمة تحالف الثورة مستمرة، لكنها قررت التصويت لصالح الكتلة المصرية الممثلة للتيارين اليساري والليبرالي.

وبدت الكآبة على المرشحين الليبراليين والعلمانيين واليساريين يوم الخميس، حيث اتهموا جماعة الإخوان المسلمين بالتأثير على توجهات واختيارات الناس الذين يفتقرون إلى الوعي السياسي اللازم خارج اللجان الانتخابية يوم التصويت. مع ذلك قال المرشحون إنهم يعيدون تقييم استراتيجياتهم ويفكرون في اتباع النموذج الدعائي للإسلاميين القائم على التواصل مع الناس. ويقول محمود سالم، ناشط سياسي ومدون رشح نفسه في هذه الانتخابات: «لست على يقين مما إذا كان على المرء أن ينخرط في الألاعيب السياسية القذرة مثل الإخوان المسلمين وتضليل الناخبين أم لا. لم يتح لأكثر الأحزاب الجديدة الوقت الكافي لتكوين قاعدة لهم من الناخبين. إنهم يحتاجون للعمل من خلال المتطوعين وتعلم الدروس والاجتهاد». ولم تتضح بعد الصلاحيات التي سيحظى بها البرلمان القادم، فقد قال المجلس العسكري، الحاكم المؤقت للبلاد، إنه لن يكون له حق تشكيل الحكومة المقبلة. وكذلك هناك وثيقة المبادئ الحاكمة للدستور والتي كانت مثارا للجدل والتي سيعمل البرلمان الجديد على صياغتها. ورفض حزب الحرية والعدالة الوثيقة باعتبارها لا تتوافق مع مبدأ الديمقراطية وتنزع الصلاحيات عن النواب المنتخبين. ويقول محمود الخضيري، مرشح مستقل في الإسكندرية ومدعوم من حزب الحرية والعدالة: «سيضم البرلمان الجديد كافة القوى السياسية. لا يمكن للمجلس العسكري التحكم في السلطة المدنية». وبدأ بعض الليبراليين بالفعل بعد انتهاء المرحلة الأولى في اعتبار أنفسهم منهزمين والتفكير في وضع استراتيجية كمعارضة للاستعداد للتنافس في الانتخابات المقبلة. ويقول هاني شكر الله، محلل ليبرالي ومحرر في صحيفة «الأهرام ويكلي» الصادرة باللغة الإنجليزية: «الإسلاميون هم أكثر قوة سياسية منظمة ولديها مصادر تمويل ضخمة. إنهم سيصلون إلى السلطة بطريقة أو بأخرى. سوف تشهد السنوات المقبلة تراجعهم. أعتقد أن هذا النجاح ما هو إلا اختبار لهم، حيث لن تكون المعركة أيدلوجية تتعلق بالهوية».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»

* شاركت إنجي حسيب في إعداد هذا التقرير