طهران تنأى بنفسها عن الهجوم على السفارة البريطانية.. ومرجع بارز: تم دون علم خامنئي

طهران تعتقل 12 متورطا.. والمعارضة: الخطة الأولية احتلال السفارة عدة أيام والمرشد تراجع عنها

نساء في الباسيج يرفعن صور الخميني وخامنئي لدى استقبال الدبلوماسيين الإيرانيين المطرودين من بريطانيا، في مطار مهراباد بطهران، أمس (أ.ب)
TT

وصل الدبلوماسيون الإيرانيون في وقت مبكر من صباح أمس إلى طهران، بعد أن طردتهم السلطات البريطانية من أراضيها، على خلفية هجوم عشرات من عناصر ميليشيا الباسيج التابعة للحرس الثوري الإيراني على السفارة البريطانية في طهران الأسبوع الماضي. ورغم وعود الحرس الثوري باستقبالهم «استقبال الأبطال»، فإن الحكومة حرصت على عدم إيلاء الحدث صخبا إعلاميا، حيث غادر الدبلوماسيون مطار مهراباد على عجلة ومن الباب الخلفي دون أن يلتقيهم حشد عناصر الباسيج الذين كانوا بانتظارهم. ومما يظهر المأزق الذي أوقعت طهران نفسها فيه وخوفها من عزلة دولية أكبر من تلك التي تعيشها الآن، سعت السلطات إلى النأي بنفسها عن الحادث، فبعد أن منعت وسائل الإعلام من تغطية المظاهرات «المعادية» للمملكة المتحدة، جددت أمس نبأ اعتقال مجموعة من المتورطين في الهجوم، في محاولة لامتصاص غضب الغرب. ولم يتوقف الأمر عند هذا، بل إن مرجعا دينيا إيرانيا بارزا أكد أمس أن المرشد الأعلى في الجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي لم يكن يعلم بأمر الهجوم، وأن إيران ربما ستدفع «ثمنا باهظا» جراءه. غير أن معلومات حصلت «الشرق الأوسط» عليها، أفادت بأن خامنئي كان على علم بالهجوم لحظة بلحظة وأنه ما كان ليتم لولا أوامر صدرت عنه شخصيا.

ووصل الدبلوماسيون الإيرانيون إلى مطار مهراباد في طهران، غير أنه لم يسمح للصحافة بمتابعة وصولهم. وقال مصور لوكالة الصحافة الفرنسية إن نحو 150 من الطلاب المتشددين هتفوا «الموت لبريطانيا!»، رافعين لافتات «أغلقت سفارة الجواسيس إلى الأبد»، حاملين أكاليل الزهور وصور خامنئي وسلفه الخميني لاستقبال الدبلوماسيين العائدين. غير أنه لم يسمح حتى لهؤلاء برؤية الدبلوماسيين الذين غادروا من الباب الخلفي. وكما يبدو، فإن الحكومة الإيرانية عارضت إقامة استقبال عريضا لهم، في محاولة لتجنب إثارة الغرب أو مواجهة عواقب أسوأ، بعد قطع العلاقات الدبلوماسية بين طهران ولندن وقرار عدد من الدول الأوروبية بسحب سفرائهم.

وكانت الحكومة البريطانية قد طردت الدبلوماسيين من لندن أول من أمس ردا على اقتحام سفارتها ومجمع دبلوماسي بريطاني آخر الثلاثاء من جانب المئات من المتظاهرين المؤيدين للنظام. وقالت إن اقتحام وتخريب السفارة ما كان ليحدث لولا الموافقة الضمنية من جانب قادة الجمهورية الإسلامية. ولم تمنع الشرطة التي كانت منتشرة في المكان هذا الهجوم الذي نقله التلفزيون الرسمي الإيراني مباشرة ولم تتدخل إلا بشكل متأخر بعد تخريب المقار لإخلاء المتظاهرين الذين قالوا إنهم من أتباع المرشد الأعلى.

وفي مطار مهراباد حضر المتحدث باسم الخارجية الإيرانية رامين مهمان باراست لاستقبال الدبلوماسيين دون أي مسؤول إيراني آخر بارز. ونقلت وكالة «فارس» الإيرانية للأنباء عن مهمان باراست قوله «الآن، تحاول الحكومة البريطانية توريط بلدان أوروبية أخرى في المسألة الثنائية بيننا. غير أننا أبلغنا الأوروبيين بضرورة عدم تعكير العلاقات مع إيران بسبب بريطانيا». وجاء ذلك بعد أن استدعت كل من فرنسا وألمانيا وهولندا وإيطاليا سفراءها من طهران للتشاور معهم، إعرابا منها عن التضامن مع لندن، مما شدد الاتحاد الأوروبي عقوباته على الجمهورية الإسلامية، وحذر في الوقت ذاته من اتخاذ إجراءات أخرى لاحقة تستهدف القطاعين المالي والنفطي لإيران.

وفي تطور مواز، قررت فرنسا أمس خفض عدد موظفي سفارتها في طهران «مؤقتا كإجراء احتياطي»، كما أفاد مصدر دبلوماسي بأن هذا الإجراء يشمل قسما من الموظفين الدبلوماسيين وكذلك عائلات كل الموظفين الرسميين الفرنسيين العاملين في طهران الذين سيطلب منهم مغادرة إيران في الأيام المقبلة، مؤكدا أنه لا يشمل في المقابل أفراد الجالية الفرنسية.

ووسط تقارير عن انقسام بين الحكومة الإيرانية، التي لم تعلن تأييدها لاقتحام السفارة البريطانية حتى إن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد لم يعلق على الحادث، بل إن حكومته اعتذرت ولو «بأضعف الإيمان» عن طريق وزارة الخارجية الإيرانية، وبين نخبة الملالي التي أعطت إشارات متناقضة بين تأييد الحادث والنأي عنه، جدد قائد قوى الأمن الداخلي العميد إسماعيل أحمدي مقدم نبأ اعتقال قواته 12 شخصا شاركوا في الاقتحام.

ونقلت وكالة أنباء «مهر» الإيرانية شبه الرسمية، أمس، عن العميد مقدم أنه «قام عدد من الطلبة الجامعيين، في تصرف تلقائي، بالدخول إلى السفارة البريطانية، وقد تصرفت قوات الشرطة على الفور وأخرجتهم من السفارة»، مضيفا أنه «تم إلقاء القبض على ما يتراوح من 10 إلى 12 شخصا في حديقة قلهك (مبنى تابع للسفارة البريطانية)، وتمت إحالتهم إلى الجهات القضائية». غير أن هناك تقارير غير مؤكدة عن إخلاء سبيل البعض منهم.

وفي غضون ذلك، أصدر آية الله العظمى ناصر مكارم شيرازي، أحد أبرز مراجع الدين في إيران، بيانا انتقد من خلاله عملية الاقتحام، معتبرا أن الهجوم لم يتم بموافقة خامنئي. ويشير بيان شيرازي، وهو أول بيان انتقادي للحادث من داخل إيران، إلى أنه بدأ تدريجيا إدراك التداعيات السياسية لاقتحام السفارة البريطانية.

وجاء في البيان الذي نقلته وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إرنا) أنه «ما من شك في أن بريطانيا هي أحد أقدم أعداء إيران (..)، لكن لا ينبغي للثوار الشباب أن يتجاوزوا القانون». وأضاف شيرازي المقرب من التيار المحافظ المتشدد المهيمن على النظام «أحيانا يمكن أن تؤدي أفعال غير قانونية يقوم بها شبان تحت تأثير العاطفة، إلى توفير ذريعة للعدو (لرد الفعل) الذي يجعلنا لاحقا ندفع ثمنا غاليا».

وتابع «أطلب منهم عدم انتهاك القانون وعدم التحرك من دون إذن المرشد الأعلى» آية الله علي خامنئي.

غير أن معلومات حصلت «الشرق الأوسط» عليها أفادت بأن خامنئي كان على علم بالهجوم لحظة بلحظة وأنه أشرف عليه شخصيا، وما كان ليتم لولا أوامر صدرت عنه. وأفاد تقرير وزعته أمانة المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، مقرها باريس، وحصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، بأن خامنئي «حضر شخصيا اجتماعا بحضور عدد من قادة قوات الحرس والمتنكرين بالزي المدني، وأصدر أوامره بالهجوم على مبنى السفارة البريطانية»، معللا أن «تقدير خامنئي وبطانته أنه بهذا الابتزاز سيدفعون الدول الغربية، وخاصة الأوروبية منها، إلى التخلي عن سياساتهم الصارمة وفرضهم العقوبات على النظام».

وذكر التقرير أن الخطة تم تنفيذها بالتنسيق مع قوات الحرس وقوى الأمن الداخلي والسلطة القضائية وأن قرارا نهائيا اتخذ بشأنها قبل الهجوم بيومين في اجتماع لقادة النظام حضره وزيرا الخارجية والداخلية.

وأضاف أن قائد قوى الأمن في طهران الكبرى «كان موجودا في الميدان خلال الهجوم وكان على ارتباط عن طريق لاسلكي مع بيت خامنئي الذي كان شخصيا يطلع عبره في كل لحظة على مجريات أحداث الهجوم».

وزعم التقرير أنه «حسب الخطة الأولية، كان من المقرر أن يستغرق احتلال مبنى السفارة لعدة أيام، إلا أن خامنئي أمر بعد ساعتين من بدء الهجوم بوقف العملية جراء رد الفعل السريع من قبل المجتمع الدولي على هذه العملية». وأضاف أن المهاجمين كانوا من «أفراد الحرس والمتنكرين بالزي المدني الذين يعملون كمرتزقة باسم الطلبة»، وأن قادة كبارا من الباسيج دخلوا شخصيا مبنى السفارة وشاركوا «في تخريب ممتلكات السفارة والعبث بها».