روسيا تنتخب برلمانها اليوم و7 أحزاب تتنافس على كسر حاجز 7 في المائة

مخاوف من تدني نسبة المشاركة.. والحزب الحاكم يطمح لأغلبية تفيد بوتين في الاستحقاق الرئاسي

رجل يعبر جسرا تزينه الإعلانات الانتخابية الخاصة بالحزب الحاكم، عشية الاقتراع، في موسكو، أمس (أ.ب)
TT

الإعلان المبكر حول تبادل المواقع بين الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف ورئيس حكومته فلاديمير بوتين قبيل الانتخابات الرئاسية المرتقبة في مارس (آذار) من العام المقبل، حدد بدرجة كبيرة ملامح الانتخابات البرلمانية التي تجري اليوم في روسيا. وكانت استطلاعات الرأي التي أجريت قبل هذه الانتخابات كشفت عن تراجع مواقع الحزب الحاكم وقياداته وتزايد احتمالات عدم إقبال الكثيرين من الناخبين على مراكز الاقتراع.

وأشار ميخائيل دميتريف رئيس مركز الأبحاث الاستراتيجية في تصريحات لصحيفة «كوميرسانت» إلى أن «الفترة الأخيرة كشفت عن ظهور أوضاع جديدة في كل كبريات المدن الروسية، تقول إن أصحاب الرؤى السلبية تجاه السلطة في تزايد مستمر بما يشكلون معه الأغلبية التي يمكن أن تكون قاطرة للآخرين من ذوي التوجهات النمطية ممن لم يشكلوا بعد رأيهم الخاص، وبما يمكن أن يستسهلوا معه الانقياد وراء رأي الأغلبي، في توقيت يشهد تصاعد سخرية الأوساط الشعبية من ظاهرة (الثنائي الحاكم) واحتكار هذا الثنائي لزمام القيادة». وينطلق كثيرون في تبنيهم لهذه التوجهات من خيبة الأمل التي أصابت الكثيرين بعد إعلان الرئيس ميدفيديف عن تراجعه عن طموحاته تجاه مواصلة البقاء في منصبه لفترة ولاية ثانية، وهو الذي كان يعني الأمل والرجاء بالنسبة لممثلي الطبقة الوسطى وأصحاب التوجهات اليمينية الليبرالية في الوقت الذي كان ولا يزال فلاديمير بوتين يعكس فيه مصالح ممثلي مؤسسات القوة (الأمن والمخابرات والمؤسسة العسكرية) والتوجهات القومية المتشددة.

وكانت قيادات الحزب الحاكم أعلنت أنها تنشد تحقيق نسبة 60-65 في المائة بما يقترب من النسبة التي فاز بها الحزب في الانتخابات الماضية التي يطمح بوتين في الحصول عليها في الانتخابات الرئاسية المرتقبة. ويتوقع مراقبون، ومنهم إيغور بونين مدير مركز التكنولوجيا السياسية، أن تجنح قيادات الحزب الحاكم نحو غض الطرف عن ممارسات المحافظين والقيادات الإقليمية ممن تعودوا التدخل من خلال سطوتهم الإدارية وهيمنتهم والضغط على الأجهزة الإعلامية، إن لم يكن من خلال التدخل المباشر في العملية الانتخابية وهو ما يتوقعه الكثير من المراقبين والناخبين وكذلك المرشحين من مختلف الأحزاب على حد سواء. وكانت وكالة أنباء «إنترفاكس» نشرت في أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي تقريرا يقول إن الغالبية الساحقة من المواطنين، أي 82 في المائة من الناخبين، ليست مهتمة بالمشاركة في الحياة السياسية في البلاد بسبب التأكد من عجزها عن التأثير على ما يجري من عمليات وأحداث سياسية في روسيا. وكان مركز «ليفادا» لاستطلاعات الرأي نشر نتائجه التي كشفت عن انحسار مواقع زعيمي الساحة السياسية بوتين وميدفيديف وأشارت إلى تراجع عدد مؤيدي بوتين إلى 61 في المائة بدلا من 80 في المائة في العام الماضي، في حين انخفض عدد مناصري ميدفيديف من 77 في المائة إلى 57 في المائة خلال الفترة نفسها.

غير أن نسبة القوى المعارضة التي أعربت عن استعدادها للخروج إلى الشارع للتعبير عن احتجاجها ضد الأوضاع الراهنة، لم تتعد 18 في المائة من نسبة المشاركين في استطلاع الرأي، مما يعكس حالة اللامبالاة التي تعيشها الأغلبية الساحقة ممن أعربوا عن عدم اكتراثهم بالمشاركة في الحياة السياسية وبالتالي في الانتخابات المرتقبة. وكانت نتائج الاستطلاع كشفت تحديدا عن أن نسبة 22-35 في المائة فقط هي التي أعربت عن ثقة بإمكانية أن تغير المشاركة في الانتخابات شكل السلطة في البلاد، وهو ما يعكس خيبة الأمل في وجود الأحزاب التي تستطيع منافسة الحزب الحاكم، وظهور الأحزاب المعارضة كديكور تستخدمه السلطة في محاولاتها الإيحاء بوجود حياة سياسية سليمة.

ومن المعروف أن مجلس الدوما كان يضم في دورته الأخيرة أربعة أحزاب: «حزب الوحدة الروسية» الحاكم (315 مقعدا من 450) و«الحزب الشيوعي الروسي» (57 مقعدا)، و«الحزب الليبرالي الديمقراطي» أو «حزب جيرينوفسكي» (40 مقعدا)، وحزب «العدالة الروسية» (38 مقعدا).

ومن المقرر أن يظل الحد الأدنى اللازم لدخول البرلمان عند حاجز 7 في المائة، بعد أن أعلن الرئيس ميدفيديف إرجاء تخفيض هذه النسبة إلى 5 في المائة إلى ما بعد الانتخابات المقبلة، أي في عام 2016، على أن يسمح للحزب الفائز بـ6-7 في المائة بالحصول على مقعدين، بينما يمنح الحزب الذي يحصل على 5-6 في المائة على مقعد واحد على سبيل «التشجيع» أو تعويضا للانتظار حتى الدورة المقبلة بعد خمس سنوات هي مدة الدورة الجديدة بموجب التعديلات الدستورية التي أجراها ميدفيديف في أعقاب توليه السلطة في عام 2008. ومن هذا المنظور، تحتدم المنافسة بين الأحزاب السبعة المسجلة رسميا في وزارة العدل الروسية، التي قبلت أوراقها اللجنة العليا للانتخابات اعترافا بحقها في خوض الانتخابات التشريعية الحالية، وهي نفس الأحزاب الأربعة الممثلة اليوم في مجلس الدوما، إضافة إلى أحزاب «يابلوكو» اليميني، و«القضية العادلة» (يسار الوسط)، وحزب «وطنيو روسيا» (اليسار). وكانت الأحزاب الثلاثة الأخيرة تمكنت من جمع التوقيعات اللازمة لتأكيد أحقيتها في خوض الانتخابات، وهي 150 ألف توقيع لكل منها. أما الأحزاب الأربعة الأخرى، فتم إعفاؤها من هذا الشرط نظرا لتمثيلها الحالي في الدورة الأخيرة.

ونظرة سريعة إلى الأحزاب التي تخوض انتخابات اليوم، تشير إلى أن الحزب الحاكم «الوحدة الروسية» يظل في الصدارة متقدما عن منافسيه بعد ائتلافه في يوليو (تموز) الماضي مع 173 منظمة فيدرالية و1941 منظمة إقليمية انضمت إليه في إطار «الجبهة الشعبية» التي أعلن بوتين عن تشكيلها. أما الحزب الشيوعي الروسي الذي يظل الأكثر تعدادا بين أحزاب المعارضة، فمن المنتظر أن يشغل المرتبة الثانية، وهو الذي سبق أن تمكن في الانتخابات التي جرت في عام 1995 من الحصول على أغلبية مقاعد مجلس الدوما بـ157 مقعدا، لكنه فقد مواقعه في الانتخابات التالية ليتراجع عدد أعضائه حتى 57 مقعدا في انتخابات 2007 وإن ظل في كل الدورات التالية الكتلة الثانية في المجلس بعد الحزب الحاكم، وهو ما يتنبأ به المراقبون لذلك الحزب الذي تأسس في فبراير (شباط) 1993 كوريث للحزب الشيوعي الروسي - السوفياتي.

ويتوقع المراقبون أن يشغل المركز الثالث الحزب الليبرالي الديمقراطي أو حزب جيرينوفسكي القومي المتشدد الذي يعتبر أقدم الأحزاب السياسية الموجودة في الساحة الروسية. وكان الحزب تأسس في 12 أبريل (نيسان) 1991 معتمدا على شخصية زعيمه بما جعله دائما «حزب الرجل الواحد». وكان جيرينوفسكي فرض ابنه زعيما لكتلة الحزب في مجلس الدوما، واعتمد عددا من حراسه الشخصيين ومعارفه في صدارة القائمة الحزبية التي تتجدد بنسبة تقترب من 70-80 في المائة كل دورة لأسباب قالت الصحافة الروسية إنها تعود إلى أن عضوية مجلس الدوما عن هذا الحزب «تباع وتشترى» وأن جيرينوفسكي يتبنى الدفاع عن أية قضايا داخلية أو خارجية مقابل المال.

ويبقى حزب «العدالة الروسية» بزعامة سيرغي ميرونوف رئيس مجلس الاتحاد السابق الذي يقولون إنه قد يتبادل المواقع مع حزب جيرينوفسكي بنسبة أصوات تتراوح بين 7-11 في المائة، بينما يقول آخرون إنه قد لا يستطيع الحصول على نسبة 7 في المائة الحد الأدنى اللازم للفوز بعضوية الدوما، بعد أن أعلن ابتعاده عن المواقف المؤيدة لبوتين وحزبه الحاكم، مما سبق أن أسفر عن طرده من رئاسة مجلس الاتحاد. وكان الكرملين وقف في الانتخابات السابقة وراء تشكيل حزب «روسيا العادلة» في 28 أكتوبر (تشرين الأول) 2006 لخوض انتخابات 2007 رغبة من السلطة في تقويض مواقع الحزب الشيوعي، في إطار تحالف أحزاب «الحياة» و«الوطن» و«المتقاعدين» إلى جانب حزبي «الخضر» و«الاشتراكي الموحد» اللذين انضما إليه في ما بعد. وقد شغل الحزب في الانتخابات الماضية المركز الرابع وفاز بـ38 مقعدا.