الأحياء الشعبية تنتصر أمنيا على الأحياء الراقية في القاهرة

دفؤها الاجتماعي يكسر حياة العزلة وحواجز الخوف من البلطجية

صبي مصري يقف في أحد الأحياء الشعبية بجوار ملصق جداري ولافتة كتب عليها «يسقط حكم العسكر» (أ.ب)
TT

بعد فترة من الهدنة والتقاط الأنفاس، عززتها استعادة الشرطة جزءا من دورها الذي تراجع خلال أحداث ثورة «25 يناير»، عاد الهاجس الأمني ليقض مضاجع المصريين، لكن هذه العودة فجرت مفارقة طريفة؛ فقد ضيق الدفء الاجتماعي في المناطق الشعبية من الهوة الطبقية الشاسعة بينها وبين المناطق الراقية التي لا يزال يؤرقها الهاجس الأمني والشعور بعدم الأمان؛ نظرا لنمط الحياة الفردي الذي يسيطر عليها.

اللافت أن حوادث الاختطاف التي تكررت لم تستثنِ أحدا، بل طالت السياسيين والفنانين وحتى الرياضيون؛ فمحمد البلتاجي، القيادي بحزب «الحرية والعدالة»، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، تعرض لهجوم مسلحين على سيارته أثناء سيره بأطراف القاهرة، وكذلك عمرو حمزاوي، النائب الجديد لدائرة مصر الجديدة، والفنانة بسمة، اللذين تعرضا لهجوم من مسلحين استولوا خلاله على سيارة بسمة واختطفوها لمدة نصف ساعة قبل أن يتركوها، وكان آخر تلك الحوادث اختطاف شقيق لاعب كرة القدم بالنادي الأهلي محمد شوقي للمطالبة بفدية مليون جنيه.

وعلى الرغم من تعدد تلك الحوادث، فإن الملاحَظ أن أغلبها يقع في المناطق الراقية، خاصة تلك التي تقع على أطراف القاهرة؛ حيث يعيش سكانها في مساحات شاسعة، وقد لا يعرف بعضهم من يسكن بجواره، بينما تعيش المناطق الشعبية والمتوسطة في حالة أمنية جيدة بسبب دفء طابع الحياة بها نتيجة كثرة عدد سكانها، وطبيعتهم التي تستند للأعراف والتقاليد الاجتماعية وتكاتفهم لنجدة جيرانهم إذا تعرضوا لأي مكروه.

عمرو حمدي، مهندس في الثانية والخمسين من عمره، يقطن في أحد المنتجعات السكنية الراقية بضاحية القاهرة الجديدة شمال، قال لـ«الشرق الأوسط»: «خلال ثورة (25 يناير) تعرض المنتجع الذي أسكن به لهجوم من البلطجية، إلا أن وجود عدد من ضباط الشرطة ضمن ساكني المنتجع حال دون اقتحام البلطجية بيوتنا؛ حيث استخدموا أسلحتهم لطرد المعتدين». ويضيف: «اضطررت لترخيص مسدس للدفاع عن بيتي وزوجتي وأولادي، إلا أنني لا أحمله بصفة دائمة».

ويتابع عمرو: «منذ أسبوعين عادت مظاهر الانفلات الأمني مرة أخرى للظهور في المنطقة؛ إذ تعرض أحد جيراني لقطع الطريق ليلا وهو عائد من عمله وسرق البلطجية سيارته، بعد أن أصابوه إصابات بالغة، وهو ما جعلني أحمل المسدس في تحركاتي». أما سعيد يوسف، وهو رجل أعمال يمتلك مكتبا للاستيراد والتصدير في ضاحية مصر الجديدة، فيقول: «فوجئت قبل نحو 10 أيام بـ3 أشخاص يقتحمون المكتب ويطلبون مني دفع 10 آلاف جنيه (1700 دولار) إتاوة». وأضاف: «لولا وجود عدد كبير من العاملين في المكتب في ذلك التوقيت لقبض رواتبهم ما استطعت الإمساك بهم وتسليمهم للشرطة».

نورهان توفيق، وهي طالبة تقطن في مجمع سكني راقٍ بضاحية الشيخ زايد غرب القاهرة، تقول: «قبل نحو شهر، وخلال عودتي لمنزلي، فوجئت بمجموعة أشخاص يقطعون الطريق باستخدام الحجارة الضخمة، ويريدون توقيفي، إلا أنني أسرعت بالسيارة وصدمت أحدهم لأتمكن من الفرار». وتضيف: «عندما أبلغت الشرطة عن الحادث قالوا لي إنهم لصوص سيارات وكانوا يريدون سرقة سياراتي وليس اختطافي.. كانوا يحاولون طمأنتي على ما يبدو».

على الجانب الآخر، لا تعاني المناطق الشعبية المشاكل الأمنية؛ فكما يقول خالد رشاد، موظف بأحد الفنادق ويقيم في حي عابدين: «طبيعة الأحياء الشعبية تجعل سكانها ساهرين حتى ساعات متأخرة من الليل، الأمر الذي يشعر معه السكان بالاطمئنان، كما أن ترابط سكانها جعلهم يعرفون بعضهم جيدا، وبالتالي أي وجه غريب يظهر بينهم سيكون سهلا اكتشافه».