الكرملين يستعد لمواجهة أكبر مظاهرات احتجاجية اليوم

الجاليات الروسية في الخارج تعتزم التظاهر أيضا.. ودبلوماسيون إسرائيليون: «الربيع العربي» وصل روسيا

مؤيدون للحزب الشيوعي الروسي يتظاهرون في مدينة كراسنويارسك بسيبيريا ضد التزوير الانتخابي أمس (رويترز)
TT

في محاولة لاحتواء أكبر مظاهرات تشهدها موسكو وكبريات المدن الروسية اتخذت السلطات عددا من الإجراءات الرامية إلى الحد من وتيرة الاحتجاجات الشعبية التي أعلن رئيس الحكومة فلاديمير بوتين أنها وإلى حد كبير من تدبير الولايات المتحدة التي اتهمها بتمويل فصائل كثيرة من المجموعات المعارضة في روسيا.

وكانت أعداد كبيرة من الروس المقيمين في الخارج أعربوا عن استعدادهم للقيام بمظاهرات مماثلة في باريس ونيويورك واستوكهولم وفرانكفورت وبراغ وليون وروما وتورونتو ومونتريال وواشنطن وخاركوف وطوكيو وغيرها من مدن العالم التي تضم جاليات روسية، احتجاجا على نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة في روسيا. وفيما استدعت الأجهزة الأمنية قوات إضافية لدعم قوات مكافحة الشغب والقوات الخاصة ووحدات الشرطة التي احتشدت بأعداد كبيرة ليس فقط في الأماكن المتوقع أن تشهد تجمعا المتظاهرين بل وفي كل أرجاء المدينة، أعلنت السلطات المحلية عن إغلاق قلب العاصمة بحجة إجراء إصلاحات في ميدان «الثورة» المتاخم للكرملين والميدان الأحمر ورفضت الموافقة على مظاهرات المعارضة هناك، وإن وافقت على إقامة مظاهراتهم في ميدان «بولوتنايا» الكائن على الشاطئ الآخر من نهر موسكو غير بعيد عن الكرملين.

ويعزو مراقبون اختيار السلطة لهذا المكان إلى محاولات إثارة الارتباك في صفوف المتظاهرين بسبب تعقيدات الوصول إلى المكان وتوفير الظروف الملائمة للسيطرة الأمنية على الموقف نظرا للطبيعة الجغرافية للمكان الكائن بعيدا عن الكتلة السكانية بعيدا عن محطات المترو إلى جانب كونه مبررا لإثارة الفرقة بين زعماء المتظاهرين الذين اختلفوا في المواقف تجاه ما تطرحه سلطات العاصمة من بدائل.

ويتوقع مراقبون أن تشمل المظاهرات العاصمة موسكو وسان بطرسبورغ والمئات من كبريات المدن الروسية فيما من المتوقع أن يبلغ عدد المتظاهرين في موسكو وحدها ما يزيد على خمسين ألف متظاهر فيما أعلن عن نية الانضمام إليهم الكثير من النواب الفائزين في الانتخابات البرلمانية الأخيرة عن أحزاب المعارضة الثلاثة «الشيوعي» و«روسيا العادلة» و«الليبرالي الديمقراطي» لكن انطلاقا من وازع شخصي وليس بموجب الالتزام الحزبي.

وكان فلاديمير ريجكوف أحد زعماء المعارضة والنائب السابق في البرلمان الروسي أعلن أن الموقع المقترح للمظاهرات يتسع لما يقرب المليون. وتأتي مظاهرات اليوم السبت في توقيت مواكب لارتفاع حدة الملاسنات الكلامية بين رئيس الحكومة بوتين وعدد من القيادات الغربية التي تتهمه بخنق الديمقراطية وانتهاك حقوق الإنسان في الوقت الذي يدين فيه بوتين تدخل الدوائر الغربية وإمداد المتظاهرين بالأموال وهو ما يعيد إلى الأذهان قاموس الاتهامات المتبادلة إبان سنوات «الثورات الملونة» في عدد من بلدان الفضاء السوفياتي السابق.

لكن العديد من الشواهد تقول إن من السابق لأوانه التكهن باحتمالات تفاقم المواقف واحتدام الأوضاع على غرار ما سبق وشهدته بلدان ربيع الثورات العربية وإن كانت الواقع يشير إلى وجود أوجه شبه كثيرة. ورغم الحظر الذي أعلنته السلطات في موسكو على التجمع في ميدان «الثورة» في قلب العاصمة قالت مصادر المعارضة إن هناك من المتظاهرين من يتمسك بمواقفه وهو ما دفع السلطات الرسمية إلى إصدار تحذيراتها حول أن الأجهزة الأمنية ستتصدى لأي محاولة للقيام بمسيرات في شوارع المدينة سواء بالنسبة لمتظاهري ميدان «الثورة» أو غيره من الأماكن المسموح بها بعد الانتهاء من الموعد المقرر لتفرق المتظاهرين في الرابعة من بعد ظهر اليوم بتوقيت موسكو.

وفي إطار ردود الفعل الخارجية على الأحداث، صرح السفير الإسرائيلي الأسبق لدى روسيا وأوكرانيا، تسفي مجين، أن ما يجري في روسيا من مظاهرات ضد رئيس الوزراء، بوتين، وحزبه والطريقة إلى يتم فيها قمع هذه المظاهرات، يوحي بأن «الربيع العربي» قد وصل إلى بلاد الكرملين. وقال مجين إن المظاهرات الحالية في روسيا هي الأضخم منذ سقوط النظام الشيوعي في الاتحاد السوفياتي في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي. وأضاف: «الشعب يشعر أن الحزب الحاكم سرق منه الانتخابات. والشعارات التي ترفع تطالب بإسقاط الفساد. والعديد من المظاهر تبدو شبيهة بما شاهدناه في ميدان التحرير في القاهرة وغيرهما من عواصم العالم العربي. والولايات المتحدة تتدخل بشكل علني في تحريض المواطنين ضد القيادة الروسية. وهناك من يدعو في روسيا نفسها (يقصد الرئيس الأسبق، ميخائيل غورباتشوف) إلى إعادة الانتخابات».

وأعرب مجين عن قناعته بأن النظام الحالي في روسيا سيسقط، «لأن الشرخ الأول في بنيان النظام الصارم الذي أقامه بوتين قد فتح». لكنه توقع أن يحتاج الأمر إلى عدة سنوات قليلة، «حيث إن النظام ما زال قويا جدا وغنيا جدا ويستطيع إخراس المعارضة لبعض الوقت، إلى حين يتم تنظيم معارضة قوية ضده». وأضاف: «اليوم تتألف المعارضة من الشيوعيين بالأساس، وهم لا يشاركون في مظاهرات منافسيهم الليبراليين. وتليهم من حيث القوة أوساط ليبرالية. ثم الروس المنتشرون في الخارج، الذين يحظون بالدعم المباشر من الغرب».

يشار إلى أنه وفي الوقت الذي انتقدت فيه وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، الانتخابات الروسية واتهمتها بالتزوير، أشاد وزير الخارجية إسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، بهذه الانتخابات ووصفها بالنزيهة. وقال خلال لقائه مع رئيس الوزراء الروسي، بوتين، في الكرملين، أول من أمس، إنه التقى مع أربعة مراقبين إسرائيليين لهذه الانتخابات، واستقى معلوماته عن نزاهتها منهم. ورأت مصادر سياسية في إسرائيل أن هذا التصريح جاء في إطار النكاية والمشاكسة بالوزيرة الأميركية كلينتون، التي رفضت الاجتماع به قبل أسبوعين خلال مؤتمر دولي. لكن ليبرمان عموما معروف بميله إلى «إقامة شبكة علاقات متوازنة لإسرائيل مع الدول العظمى وتقوية العلاقات الإسرائيلية مع روسيا بشكل خاص»، علما بأن ليبرمان هاجر إلى إسرائيل من الاتحاد السوفياتي ويترأس حزبا معظم مؤيديه من القادمين من دول الاتحاد السوفياتي سابقا. وقد اجتمع ليبرمان مع بوتين وأكد له رغبته في تحسين العلاقات.

ووجه له بعض اللوم على سياسة روسيا في الشرق الأوسط، ودعمها لإيران وبيعها الأسلحة المتطورة إلى سوريا ووقوفها إلى جانب السلطة الفلسطينية في محاولتها تحصيل عضوية الأمم المتحدة. ورد عليه بوتين أن بلاده معنية بعلاقات جيدة مع جميع دول المنطقة، بما فيها إسرائيل، وأنها لن تبيع أسلحة جديدة إلى سوريا إلا تلك التي تم التوقيع على صفقات بشأنها في الماضي. وقال إن بلاده تعارض حصول إيران على السلاح النووي. وفي نهاية اللقاء وجه ليبرمان دعوة رسمية باسم رئيس وزرائه، بنيامين نتنياهو، إلى بوتين لزيارة إسرائيل. فرحب بوتين بالدعوة.