جوبيه ردا على استهداف دورية فرنسية جنوب لبنان: مصممون على الاستمرار.. والعملية لن ترهبنا

تفجير دورية فرنسية تابعة لقوات اليونيفيل وإصابة عناصرها الخمسة بجروح

جنديان فرنسيان أصيبا بجروح بعد تعرض دوريتهما لانفجار في صور أمس (رويترز)
TT

تلقت الكتيبة الفرنسية العاملة في إطار قوات الطوارئ الدولية (اليونيفيل) في جنوب لبنان، رسالة أمنية جديدة بالغة الدقة في التوقيت والمضمون، وتمثلت في تفجير عبوة ناسفة استهدفت دورية فرنسية قرب مخيم الرشيدية للاجئين الفلسطينيين في منطقة صور. وأدى الانفجار إلى إصابة خمسة جرحى فرنسيين وصفت إصابة أحدهم بأنها دقيقة، كما أصيب مدنيان لبنانيان صادف مرورهما في المكان. ولم تتبن أي جهة المسؤولية عن هذا الحادث. ونددت فرنسا بقوة بالاعتداء الذي استهدف دورية تابعة لوحدتها العاملة في إطار قوة اليونيفيل الدولية قريبا من مدينة صور الساحلية. وسارعت باريس إلى تأكيد أن الاعتداء الجديد الذي أوقع خمسة جرحى أربعة منهم جروحه بسيطة وفق ما أذاعته قيادة أركان القوات الفرنسية، لن يدفعها إلى التخلي عن مشاركتها في اليونيفيل وسحب قوتها من جنوب لبنان.

وهذا الاعتداء هو الثاني من نوعه الذي يستهدف الوحدة الفرنسية التي تعرضت دورية لها لاعتداء مماثل في 26 يوليو (تموز) الماضي أوقع ستة جرحى بين صفوفها. كما أن الوحدة الإيطالية وهي ثاني الوحدات من حيث الكثير «بعد فرنسا» العاملة في اليونيفيل، استهدفت في المكان نفسه وبالطريقة عينها في شهر مايو (أيار) الماضي. وتتميز الوحدة الفرنسية عن غيرها بأنها لم تعد لها منطقة انتشار محددة تقع تحت مسؤوليتها، بل إن دورها يقوم على توفير المساندة والدعم للوحدات الأخرى. وإذا كان الغرض من العملية دفع باريس إلى التخلي عن دورها في إطار القوة الدولية، فإنه لن يتحقق كما أكد وزير الخارجية آلان جوبيه الذي سارع إلى الإعلان في بيان رسمي وزعته وزارة الخارجية ظهر أمس أن فرنسا «مصممة على مواصلة التزامها في قوات اليونيفيل»، مضيفا أن مثل هذه الأعمال الإرهابية «لن يرهبنها».

وأدان الوزير الفرنسي الاعتداء بـ«أشد العبارات»، واصفا إياه بـ«الجبان»، ومهددا بأن فرنسا «لن تسمح بأن يمس أمن العسكريين المنتشرين (في الجنوب) في إطار عملية حفظ السلام العائدة للأمم المتحدة تطبيقا للقرارين الدوليين رقم 1701 و1937 وبناء على طلب من السلطات اللبنانية». ورغم أن جوبيه أعرب عن امتنانه لـ«تضامن» لبنان الرسمي ممثلا برئيسي الجمهورية والوزراء، فإنه وجه رسالتين متلازمتين للسلطات اللبنانية: أولاها، مباشرة، وتقوم على المطالبة بإجراء تحقيق جدي حول الاعتداء «يوضح ملابساته بشكل كامل» وعلى بذل «كل الجهود من أجل محاكمة المسؤولين عنه». أما الرسالة الثانية فهي تذكيره بضرورة «ضمان سلامة وحرية حركة جنود اليونيفيل»، وهي مسؤولية الجيش اللبناني. وطالب جوبيه بـ«اتخاذ كل الإجراءات الكفيلة بتفادي هذا النوع من الاعتداءات». واستطرادا، ذكر الوزير الفرنسي رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي بالتزامه «اتخاذ إجراءات فورية» لتحقيق هذا الغرض. وسبق لباريس أن طلبت تحقيقا مماثلا الصيف الماضي. لكن لم يفصح لا في حينه ولا لاحقا عن النتائج التي أفضى إليها.

غير أن الجملة المفتاح في بيان الوزير الفرنسي هي في تأكيده أن فرنسا «العازمة على مواصلة التزامها في قوات اليونيفيل لن ترهبها أعمال جبانة مثل التي حصلت»، باعتبار أن القوات الدولية «تساهم مساهمة أساسية في توفير الأمن والاستقرار في لبنان (الموجود) في بيئة إقليمية غير مستقرة». وختم جوبيه بجملة «تقليدية» تعكس تمسك فرنسا والتزامها بأمن لبنان واستقراره وسيادته. وسيكون موضوع اليونيفيل على جدول أعمال المحادثات التي سيجريها ميقاتي الشهر الماضي بمناسبة الزيارة التي سيقوم بها إلى فرنسا. وسبق لأكثر من مسؤول فرنسي أن أعرب عن تخوفه من أن تتحول اليونيفيل إلى «صندوق بريد» لإيصال الرسائل للغربيين ولفرنسا على وجه التحديد نظرا لموقفها المتشدد من أزمتين تشغلان المنطقة وهما: الملف النووي الإيراني وخصوصا التطورات الحاصلة في سوريا. ومن بين الدول الغربية الأربع التي تلتزم سياسة بالغة التشدد إزاء النظام السوري وهي الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وألمانيا وفرنسا، وحدها الأخيرة لها قوات منتشرة في الجنوب اللبناني.

وليس سرا أن باريس لوحت رسميا وفي رسالة أرسلها الرئيس نيكولا ساركوزي إلى نظيره اللبناني ميشال سليمان بسحب قواتها إذا تواصلت الاعتداءات عليها وإذا لم يقم الجيش اللبناني بما يتوجب عليه بحماية اليونيفيل وتعزيز انتشاره بين الليطاني والخط الأزرق. وتعتبر فرنسا أن اليونيفيل «لعبت دورها وقامت بمهمتها» منذ الحرب الإسرائيلية على لبنان صيف عام 2006، حيث لم تشهد الجبهة سوى أحداث محدودة تم تطويقها بسرعة بعد أن انتفى التماس بين حزب الله والقوات الإسرائيلية وبسبب دور «العازل» الذي تقوم به اليونيفيل.

وبأي حال، تنتظر باريس ما ستسفر عنه عملية «التقويم الاستراتيجي» التي تقوم بها الأمم المتحدة وتحديدا قسم حفظ السلام فيها لوضعية اليونيفيل ولانتشارها ودورها وقواعد الاشتباك التي تعمل بها. وفي تفاصيل الحادث، أنه عند الساعة والنصف من صباح أمس، وبينما كانت دورية فرنسية من قوات اليونيفيل تسلك طريق فرعية في بلدة الساقية ما بين بلدتي البرج الشمالي والحوش (شرق مدينة صور) ولدى وصولها إلى بين البساتين، انفجرت عبوة ناسفة كانت موضوعة داخل حاوية للنفايات على جانب الطريق، مما أدى إلى إصابة الدورية المستهدفة والتي هي عبارة عن سيارة «جيب شيروكي» رباعية الدفع، وجرح العناصر الفرنسيين الخمسة الذين كانوا بداخلها، بينهم ضابطة أنثى، كما أصيب المدنيان علي صافي ومحمود خليل لدى مرورهما في موقع الانفجار. وعلى أثر دوي الانفجار هرعت قوى من الجيش اللبناني التي ضربت طوقا أمنيا حول مكان الانفجار، كما حضر عدد من الخبراء العسكريين للكشف عليه، ثم حضرت سيارات تابعة للصليب الأحمر عملت على نقل المصابين إلى المستشفى الإيطالي القريب من المكان لمعالجتهم، وقد وصفت حالة أحدهم بالـ«دقيقة»، أما الآخرون فكانت جروحهم بين الطفيفة والمتوسطة. كما تقاطرت إلى موقع الحادث دوريات وخبراء متفجرات من قوات اليونيفيل، حيث بدأ هؤلاء الخبراء معاينة مكان العبوة بالتعاون مع خبراء متفجرات لبنانيين. كما قام الجيش اللبناني بتمشيط المنطقة وقد بوشرت التحقيقات الأمنية بالحادث.

وفيما وضع مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر يده على التحقيق بالحادث، أوفد معاونه القاضي داني الزعني إلى صور لمعاينة الانفجار وإجراء التحقيق، وأعلنت مصادر قضائية لـ«الشرق الأوسط»، أن «المعلومات الأولية تشير العبوة فجرت لا سلكيا عن بعد بواسطة جهاز تحكم (ريموت كونترول) وأن التقديرات تشير إلى أن زنة العبوة نحو الثلاثة كيلوغرامات من مادة الـ(تي إن تي) الشديدة الانفجار». ورأى المصدر أن «المعطيات ترجح أن يكون المنفذون راقبوا تحركات هذه الدورية مسبقا وتيقنوا من سلوكها هذه الطريق الذي اختير مكانا لتنفيذ هذا العمل الأمني. وأبدى مصدر أمني في اتصال مع «الشرق الأوسط» اعتقاده أن الحادث في يندرج سياق الرسالة الأمنية الموجهة إلى فرنسا. إلى ذلك، أوضح الناطق باسم اليونيفيل في لبنان أندريا تيننتي، أن القوات الدولية تركز جهودها لمعرفة ما جرى بالنسبة إلى انفجار صور عبر التحقيق الذي نجريه. وقال: «لقد أرسلنا وفدا من المحققين إلى مكان الانفجار، والأولوية الآن هي معرفة ظروف ما جرى وبالتالي سنقول بعد الانتهاء من التحقيق ما جرى.