المجلس العسكري يحكم سيطرته على السلطة في مصر رغم التنازلات

سياسيون قالوا إنه استحدث «الاستشاري» للهيمنة على البرلمان والحكومة

متظاهر مصري يطلق شعارات ضد المجلس العسكري في ميدان التحرير (أ.ب)
TT

نجح المجلس العسكري الحاكم في مصر في تجاوز الموجة الثانية من الثورة التي تفجرت عقب مقتل عشرات المتظاهرين الشهر الماضي، وبعد أن كاد يفقد إحكامه على خيوط اللعبة السياسية، تنازل المجلس عن جزء من صلاحياته لرئيس حكومة الإنقاذ الوطني، لكنه أخرج من جعبته، كما يرى مراقبون، مجلسا استشاريا «كمناورة لاستعادة زمام الأمور، والسيطرة على السلطة التنفيذية الممثلة في الحكومة من جانب، وبرلمان ما زال يتشكل، لكن نتائجه الأولية تمنح شرعية شعبية لقوى الإسلام السياسي».

ويرى سياسيون أن جماعة الإخوان المسلمين فطنت لهذا الأمر فانسحبت من تشكيل المجلس الاستشاري، لكن قيادات بالمجلس العسكري استطاعت فك الارتباط السياسي بين السلفيين وجماعة الإخوان، وقالت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» إن عماد الدين عبد الغفور، رئيس حزب النور السلفي الذي حاز 31 مقعدا في المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية، اجتمع، الخميس الماضي، بقيادات من المجلس العسكري قبل ساعات من إعلان تشكيل المجلس الاستشاري، الذي ضم عبد الغفور نفسه بالإضافة لـ29 شخصية عامة أخرى.

وفي بلد تميز نظام حكمه بـ«تراتبية صارمة»، يرى مراقبون أن «المشهد الراهن شديد التعقيد، وربما يشرف على فوضى، مع إصرار الأغلبية البرلمانية، التي بدأت تتشكل، على الاحتفاظ بحقوقها في مواد دستورية أسهمت في سقوطها بسقوط الدستور الذي كان معمولا به أيام الرئيس السابق حسني مبارك».

كان المجلس العسكري قد أصدر في مارس (آذار) الماضي إعلانا دستوريا، قلص فيه سلطات البرلمان، الذي اقتصرت صلاحياته على اختيار جمعية تأسيسية لوضع دستور جديد للبلاد، ومراقبة أداء الحكومة دون الحق في تشكيلها أو سحب الثقة منها. وعلى الرغم من انسحاب ممثلي جماعة الإخوان المسلمين من عضوية المجلس الاستشاري احتجاجا على مزاحمته سلطات البرلمان، بعد أن صرح عضو بالمجلس العسكري قائلا: «إن المجلس الاستشاري سيكون له دور في مراجعة اختيارات البرلمان لأعضاء الجمعية التأسيسية»، لا تزال قيادات الجماعة تبدي تحفظا تجاه التصعيد، ويقول نائب المرشد العام للإخوان الدكتور محمود عزت لـ«الشرق الأوسط»: «الأمر حتى هذه اللحظة يبدو غامضا.. لا نعرف بالضبط ما هي صلاحيات المجلس الاستشاري.. هل هو إعادة إنتاج لوثيقة السلمي (وهي وثيقة نائب رئيس الوزراء السابق التي حاولت وضع ضوابط لاختيار لجنة صياغة الدستور)، في هذه الحالة نرفض هذا المجلس».

وتابع عزت، الذي أحرزت جماعته نتائج مرضية في جولة الانتخابات الأولى: «مواقفنا تتحدد ليس على مجرد إصدار قرارات وإنما يعنينا في المقام الأول الممارسات، وسنرى في الأيام المقبلة ما هي اختصاصات المجلس الاستشاري بالضبط».

يجيب عن تساؤلات نائب المرشد وزير الثقافة والإعلام الأسبق منصور حسن، وهو عضو المجلس الاستشاري الذي صدر قانون بإنشائه الخميس الماضي، ويعقد أولى جلساته اليوم؛ حيث يقول حسن لـ«الشرق الأوسط»: «هناك كثير من الخلط وعدم الوضوح في أذهان الناس حول طبيعة واختصاصات المجلس. أنا عضو بالمجلس وأقول إنه لا يملك (المجلس الاستشاري) سلطات تنفيذية أو تشريعية، دورنا ينحصر في تقديم النصح والاستشارات للمجلس العسكري وكل ما يقال عدا ذلك يخالف واقع الحال». لكن تطمينات حسن لا تبدد مخاوف حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، خاصة بعد تصريحات اللواء مختار الملا، عضو المجلس العسكري، التي قال فيها إن «البرلمان (الجاري انتخابه) لا يعبر عن الشعب»، وإن المجلس الاستشاري سيكون له دور في اختيار أعضاء الجمعية التأسيسية لوضع الدستور.

واعتذرت قيادات سياسية عن عدم عضوية المجلس، من بين هذه الشخصيات أحمد بهاء شعبان، وكيل مؤسسي حزب الاشتراكي المصري، ويبرر شعبان موقفه بقوله: «إن دور المجلس الاستشاري غير ملزم، ودوره لن يعدو دور المحلل للمجلس العسكري، سيلفظه الشعب وتدينه الثورة».

ويتابع شعبان، الذي ينضوي حزبه ضمن تحالف «الثورة مستمرة» قائلا إنه «سبق أن التقى المجلس العسكري عشرات السياسيين والمفكرين، واستمع إلى آلاف الاستشارات، ثم نفذ ما يحلو له ويحقق أغراضه».

وأضاف عضو بالمجلس الاستشاري لـ«الشرق الأوسط»: إن دور المجلس «أن يهمس في أذن المجلس العسكري، كلما كان هناك ضرورة لذلك، سواء فيما يتعلق بأداء الحكومة أو خيارات البرلمان». ويسعى المجلس العسكري للانتهاء من صياغة دستور البلاد الجديد قبل موعد مغادرته السلطة، وتسليمها لرئيس منتخب في منتصف العام المقبل، وهو ما يفسره المراقبون بأنه رغبة أكيدة للمجلس العسكري في أن يتم وضع الدستور الجديد تحت إشرافه. وعلى الرغم من ثقة المجلس العسكري في حكومة الدكتور كمال الجنزوري، الذي مُنح صلاحيات رئيس الجمهورية باستثناء ما يتعلق بالسلطة القضائية، ووضع المؤسسة العسكرية، لا يزال بإمكان المجلس الاستشاري، الذي يضم اثنين من المرشحين المحتملين للرئاسة، إسداء النصح للمجلس العسكري بشأن الخطط التي يضعها رئيس الحكومة الذي لا يزال يواجه رفضا من بعض القطاعات المصرية.