حول العالم في فيلم واحد.. المستقبل العالمي لتمويل الأفلام

ممولون من 4 دول.. و3 مخرجين.. و6 عصور في عمل فني واحد

TT

لقد كان العمال الألمان في «مسرح 15» باستوديو ببلسبرغ يعملون بجد واجتهاد في إحدى الأمسيات الماضية لبناء ديكور لحي شعبي كوري، وكان صوت صرير مسدس المسامير والأتربة المتطايرة من المناشير تملأ الهواء. إلى جوارهم كان أندي ولانا واكوسكي، الفريق الأميركي المولد، الذي كان وراء أفلام «ماتريكس»، يصور الميليشيات النازية التي ترتدي الأسود من المستقبل المتخيل في إطار فيلم «سحابة الأطلس».

ويعد الفيلم بدءا من منتجيه المتعددين، إلى القصة التي تدور حول الزمن، التي يرويها ثلاثة من المخرجين بمعاونة طاقمي إنتاج مختلفين، غريبا حقا. كما أن الراوي، الذي يبدأ من نيوزيلندا ثم يجوب باقي أنحاء العالم، يتسم بالإرباك، بالإضافة إلى أنه يعالج عصورا ستة قد يكون المشترك بينها هو هجرة الروح عبر الزمن. كما أن الرعاة الأساسيين للمشروع من الصين وكوريا وسنغافورة.

وبخلاف ذلك الارتباك المحيط بفيلم «سحابة الأطلس»، فإنه يعد بشيرا بمستقبل صناعة الفيلم. فقد بدأ كبار صناع الأفلام، على نحو متزايد، الذين كانوا من قبل يعتمدون على الاستوديوهات الأميركية، ينتقلون إلى نظم التمويل العالمية المستقلة لمشروعاتهم عالية التكاليف، حيث يعد فيلم «سحابة الأطلس» بموازنته التي تبلغ 100 مليون دولار، وطاقم العمل البارع، بما في ذلك الحائزون على الجوائز الأكاديمية مثل توم هانكس، وهالي بيري، فيلما ملحميا مستقلا، معقدا للغاية، مكلفا للغاية، وربما كان إنتاجه يمثل مغامرة بالنسبة لأي استوديو تقليدي.

ومن جهة أخرى تجاوز الفيلم الحدود الوطنية، فقد ساهم مستثمرون من الصين وكوريا وسنغافورة وغيرها بما يقارب 35 مليون دولار أميركي، وهو المبلغ الذي من دونه ربما لم يكن ذلك الفيلم ليرى النور. وتمثل المساهمة الألمانية نحو 18 مليون دولار إضافية. ومن المحتمل أن يبدأ توزيع فيلم «سحابة الأطلس» في الولايات المتحدة خلال الخريف القادم عن طريق شركة «وارنر براذرز» التي لم تقدم سوى مساهمة محدودة حتى الآن. فمن الكثير من الجهات قدم المنتجون دليلا على عصر جديد لتدويل صناعة الفيلم.

يقول غرانت هيل، أحد منتجي فيلم «سحابة الأطلس»: «كنا فقط نبحث عن وسيلة لإنتاج الفيلم. ولكنني أعتقد أننا وضعنا الأساس لنموذج جديد». ووصف هيل تلك الطريقة الجديدة في التمويل بأنها «مزيج مثير» من الصفقات، مضيفا: «كان مستحيلا أن تقوم شركة واحدة بإنتاج الفيلم».

لقد كانت هناك إرهاصات للتغير منذ عدة سنوات، ففي 2010 ارتفعت القائمة الدولية للأفلام الأكثر مبيعا بنسبة 30 في المائة خلال خمس سنوات، أي ضعف النمو في المبيعات المحلية. وأصبحت المبيعات الأجنبية تمثل نحو 70 في المائة من إجمالي العائدات، سواء بالنسبة للصناعة بشكل عام، أو بالنسبة لعدد من أكبر عمليات إنتاج الاستوديوهات الأميركية مثل «أفاتار».

وفي الوقت نفسه ذهبت جائزة الأوسكار لأفضل فيلم، لثلاثة أعوام متتالية، لأفلام: «المليونير المتشرد»، و«خزانة الألم»، و«خطاب الملك»، اعتمدت على شبكات التمويل العالمية لتقديم قصص تستهدف الجماهير العالمية. وسوف تمر مثل تلك الأفلام على قاعات العرض الأميركية باعتبارها مجرد محطة في إطار جولاتها حول العالم.

وإذا ما ألقينا نظرة خاطفة على الديكورات الخارجية لفيلم «سحابة الأطلس»، فسوف نجد شواهد على الحاجة إلى ميزانية تتجاوز مصطلح «شركة الإنتاج المستقلة». فبخلاف حاويات الشحن الصفراء التي تعد جزءا من الديكور الكوري المستقبلي، هناك غرفة معيشة راقية من القرن التاسع عشر، تطل على حديقة مزينة بالورود. كما تشترك الديكورات الداخلية لإحدى السفن العملاقة العتيقة في منصة واحدة مع طائرات الهليكوبتر من عصر السفن الفضائية (الفترة ما بعد 1957) والصخور الضخمة المصنوعة من المواد الرغوية.

وفي الوقت نفسه ينتقل الممثلون بين أدوار مختلفة، فتقول هالي بيري في حديث هاتفي معها: «كان التغير الأكبر بالنسبة لي كممثلة هو أن يكون علي التنقل يوميا بين وحدتين مختلفتين لإنتاج الفيلم وطاقمي عمل مختلفين أيضا».

وقد وصفت بيري دورها في ذلك الفيلم قائلة: «أمثل امرأة يهودية في الثلاثينات من القرن الماضي بالنسبة للمخرج الثالث، توم تيكور، ثم أصبح امرأة قبلية عجوزا بالنسبة للأخوين واكوسكي في اليوم التالي، وأفقد قدرتي على التعرف على طاقم العمل وسط طبقات الماكياج وملابس التمثيل». وتضيف بيري: «في بعض الأيام أدخل القاطرة وأتدرب على حوار، ولا أعرف أن ذلك الحوار سوف يكون مع هيو غرانت إلا قبل خمس دقائق من التصوير».

تعد عملية إنتاج «سحابة الأطلس» قصة عاصفة حول الأسواق الناشئة والإصرار الذي نفث الحياة في المشروع الذي كان مستبعدا، والذي إذا ما نجح فسوف يؤدي إلى تغيرات كبرى في صناعة الفيلم.

في عام 2005، وأثناء تصوير فيلم «في فور فنديتا»، أعطت الممثلة ناتالي بورتمان نسخة من «سحابة الأطلس» للانا واكوسكي (لاري سابقا)، التي وقعت في غرام القصص الست لتلك الرواية. بعد ذلك بعام، كانت لانا وأخوها أندي يبحثان عن كاتب سيناريو. وقد شارك تيكور - صديق لآل واكوسكي - في كتابة المسودات الكثيرة للنص، مع مؤلف الرواية ديفيد ميتشل.

يقول السيد هيل: «بعد عامين من العمل الدؤوب كان ما زال ينقصنا نحو 30 في المائة من التمويل الضروري. في تلك الحالة يصبح عليك العودة إلى منزلك، إلا إذا ابتكرت حلا جديدا بعيدا عن النماذج التقليدية».

وبدلا من التخلي عن المشروع قام المنتجون بترجمة النص إلى أكثر من ست لغات آسيوية، واكتشفوا أن معالجة الفيلم تروق للمستثمرين المحتملين في الشرق. فتقول ميتشل بارك، الرئيسة التنفيذية لشركة «بلومبرغ»، الشركة الكورية لتوزيع الأفلام: «يعتمد الفيلم على التقمص، وهي فكرة تأتي مباشرة من البوذية». وقد وصفت «بلومبرغ» مشاركة شركتها الاستثمارية في ذلك العمل بأنها «مرتفعة للغاية» بالمعايير الكورية.

وتأتي المساهمات المالية في الفيلم من شركة حاويات السفن السنغافورية «توني تيو»، وشركة توزيع الأفلام من هونغ كونغ «المجموعة الآسيوية للإعلام»، التي قامت بما وصفه الرئيس التنفيذي، جون شونغ، بأنه «أكبر الاستثمارات على الإطلاق في الإنتاج الغربي»، وشركة الأفلام من بكين «أحلام التنين»، التي لم تستثمر من قبل في إنتاج فيلم كبير، التي قال أحد ملاكها، ويلسون كيو، في رسالة إلكترونية إنه بُهِر بالمادة الأصلية للفيلم.

ويفتخر البعض بملكيته للفيلم، فتقول كريستين بيرغ، مديرة المشروعات بـ«صندوق الأفلام الفيدرالية الألمانية»: «من وجهة نظرنا فإن فيلم (سحابة الأطلس) هو فيلم ألماني. ليس فقط لأن المساهمة الألمانية في الفيلم تعد أساسية ولكن لأن تيكور، الذي اشتهر بفيلم (اجري يا لولا اجري) هو المسؤول عن الفريق الثاني».

ومن جهته يقول بيتر جي ديكوم، المحامي المخضرم بالإنتاج، إن إحدى مزايا تعدد مصادر التمويل هو أنها تعطي مصنعي الفيلم حرية إبداعية أكبر. فيقول: «كلما زاد عدد المستثمرين قلّت السيطرة التي تشعر بها إذا ما كان هناك مستثمر واحد».

وجاءت فكرة التصوير عبر مسارين مختلفين، يخرج المسار الأول آل واكوسكي، بينما يخرج المسار الثاني السيد تيكور، عبر إدراك أن النجوم قد يبذلون أقصى جهودهم إذا ما علموا أن التصوير سوف يستغرق نصف الوقت. كما أن الممثلين يلعبون أدوارا مختلفة في فترات تاريخية مختلفة، وبالتالي فإن انشغالهم طوال الوقت يحولهم من نجوم إلى نجوم متميزين.

تقول بيري: «إنه نوع من الصناعة الثورية للأفلام. فعلى الرغم من أنه يبدو وكأن هناك الكثير من المال، فإن الأمر ليس كذلك. فكل المال ذهب لإنتاج الفيلم».

ولكن مثل ذلك المشروع الاستثنائي يثير إشكالات تتعلق بصعوبة الاستحواذ على إعجاب الجماهير، فعلى الرغم من أن الأخوين واكوسكي تمكنا من تحقيق أرباح تصل إلى 1.5 مليار دولار عبر قائمة أعلى الأفلام مبيعا، لصالح شركة «وارنر براذرز» من خلال سلسلة أفلام «ماتريكس»، فإن فيلم «سرعة المتسابق»، من إنتاج «وارنر» أيضا، والذي كان من الأفلام عالية الميزانية، أخفق في 2008. هذه المرة وافقت «وارنر» على توزيع الفيلم في الولايات المتحدة ولكنها لم تكن من كبار المساهمين في ميزانية إنتاجه.

فيقول جيف روبينوف، كبير التنفيذيين بالفيلم: «أن نقوم بإنتاج الفيلم بأكمله، أخذا في الاعتبار تكلفته المرتفعة، كان سيمثل مخاطرة كبيرة بالنسبة لنا». ولكن بشأن إذا ما كانت المشاركة مع آخرين في الإنتاج تمثل خطوة ذكية يقول روبينوف: «لا أستطيع أن أخبرك حتى نشهد المزيد».

وعلى الرغم من أن الأخوين واكوسكي يشتهران بالتكتم الشديد، فإنهما عرضا ست دقائق ترويجية في سوق الفيلم الترويجية بسانتا مونيكا خلال الشهر الماضي.

فيقول فيكتور لوي، الموزع المخضرم للأفلام العالمية، الذي قرر المشاركة في حقوق توزيع «المملكة المتحدة» قبل أن يرى مقطعا من الفيلم: «يبدو خياليا، فهو لا يشبه أي شيء آخر رأيته طوال عملي الذي امتد لأربعين عاما في ذلك المجال».

* شارك في هذا التقرير كل من: نيكولاس كوليش من بوتسدام، ومايكل سيبلي من لوس أنجليس.