منشقان عن الاستخبارات العراقية يرويان تفاصيل تدريبات على عمليات إرهابية تضمنت اختطاف الطائرات في معسكر قرب بغداد

مسؤولون أميركيون استجوبوا أحدهما واستبعدوا أن تكون لتلك التمارين علاقة بهجمات نيويورك وواشنطن

TT

قال منشقان عراقيان سبق لهما العمل في الاستخبارات العراقية انهما عملا لسنوات عديدة في موقع عراقي حكومي سري قرب بغداد جرت فيه عمليات تدريب ارهابيين اصوليين في دورات كانت تستمر ما بين خمسة أوستة أشهر منذ عام .1995 وأضافا في لقاء صحافي نظمته احدى جماعات المعارضة العراقية التي تأمل في اطاحة نظام الرئيس صدام حسين، ان عمليات التدريب في المعسكر الذي يقع جنوب بغداد كانت تستهدف القيام بهجمات ضد الدول المجاورة وربما ضد أوروبا والولايات المتحدة.

ولم يتمكن المنشقان، اللذان كان أحدهما ضابط يحمل رتبة فريق والآخر وصف بأنه كان من كبار ضباط جهاز المخابرات العراقي، من تأكيد ما اذا كان الاصوليون الذين تلقوا التدريب في المعسكر، الواقع في منطقة سلمان بك، على علاقة بأسامة بن لادن. وفيما نفى المنشقان علمهما بما اذا كان اولئك المتدربون قد نفذوا هجمات معينة فانهما أصرا على ان الذين تدربوا حتى العام الماضي كانوا اصوليين متطرفين ينتمون لدول عديدة في منطقة الشرق الأوسط. وتحدثا عن موقع يحظى بحراسة مشددة داخل المعسكر قالوا ان علماء عراقيين انتجوا فيه تحت اشراف عالم ألماني عناصر بيولوجية.

وقال الضابط برتبة فريق الذي اشترط عدم ذكر اسمه «هناك الكثير مما لا نعرفه، وكان محظورا علينا الحديث عن أنشطتنا في ما بيننا حتى لو كنا خارج ساعات العمل، لكن مع مرور الوقت يتاح لك أن ترى وتسمع أشياء عديدة. وأولئك الاصوليون كانوا غير مرتبين وبحاجة الى الكثير من التدريب، خاصة التمارين البدنية، لكن وبعد التحدث اليهم اتضح انهم قدموا من بلدان مختلفة، بما فيها السعودية واليمن والجزائر ومصر والمغرب. كنا نقوم بتدريبهم على مهاجمة المنشآت المهمة بالنسبة للولايات المتحدة. فحرب الخليج لم تنته أبدا بالنسبة لصدام حسين وهو في حالة حرب مع الولايات المتحدة وكانوا يرددون ذلك على مسامعنا».

ويتفق ما طرحه هذان المنشقان مع تصريحات أدلى بها صباح خليفة خديدا، الضابط السابق برتبة نقيب في الجيش الذي لجأ الى اميركا واستقر في تكساس في مايو (ايار) الماضي بعدما عمل ثماني سنوات مدربا في معسكر سلمان بك. وكان مفتشو الأسلحة التابعون للأمم المتحدة قد اشتبهوا في وجود مثل هذه الأنشطة، بما فيها تجارب اختطاف طائرات من طراز بوينغ 707، داخل معسكر سلمان بك، قبل أن يطردوا من العراق عام .1998 لكن الرواية الأخيرة تعد الأولى من نوعها حول ما يجري داخل المعسكر وعلى لسان أشخاص شاركوا في ادارته. من جهته كان الدكتور ريتشارد سبيرزل، الرئيس السابق لفريق مفتشي الأسلحة البيولوجية في العراق التابعين لللأمم المتحدة، قد قال ان العراقيين طالما أخبروا المفتشين بأن سلمان بك كان معسكر تدريب للقوات العراقية الخاصة بمكافحة الارهاب. وأضاف «لكن كانت لنا شكوكنا ولم يتوفر لدينا شيء محدد كدليل ومع ذلك كنا في ما بيننا نشير الى المعسكر على أنه معسكر لتدريب الارهابيين».

وكان الضابط السابق برتبة فريق في الجيش العراقي الذي اعترف بتورطه في بعض أسوأ ممارسات حكومة صدام حسين، بما فيها تورطه المباشر في عمليات اعدام الآلاف عقب الانتفاضة التي شهدها العراق مع نهاية حرب الخليج عام 1991، قد أمضى ثلاثة أيام في العاصمة التركية أنقرة حيث تم استجوابه من قبل وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية (سي آي ايه) ومكتب المباحث الفيدرالي (اف بي آي). وقال ان قرار «سي آي ايه» باشراك مسؤولي الاستخبارات التركية خلال عملية الاستجواب دفعته للخوف على حياته وانه قرر بعدها الفرار من تركيا التي كان قد طلب اللجوء اليها وتمت مقابلته في بلد شرق ـ أوسطي آخر.

وقد ساعد المؤتمر الوطني العراقي المعارض، الذي يتزعمه أحمد الجلبي من لندن، على لقاء المنشقين واجراء المقابلة الصحافية معهما . كما أنه يؤيد وجهة نظر واشنطن المتعلقة بهذه القضية . وكان هذا التجمع قد اشترك في محاولة، تقرر فيما بعد وضع حد لها، لـ«سي آي ايه» استهدفت تكوين تحالف للمعارضة في شمال العراق من أجل اطاحة صدام حسين. وقد أدى انهيار تلك المحاولة الى تأزم العلاقات بين المؤتمر الوطني العراقي وبعض كبار المسؤولين في وزارة الخارجية الأميركية وفي «سي آي ايه».

من جانبهم، أكد مسؤولون أميركيون أنهم التقوا بالضابط العراقي المنشق في تركيا وأنهم لم يستفيدوا كثيرا مما سمعوه منه. وأضافوا انه من المستبعد أن يكون لتجارب الاختطاف التي تمت في المعسكر علاقة بهجمات 11 سبتمبر (ايلول) الماضي في الولايات المتحدة. يذكر ان المعسكر يخضع لاشراف أعلى سلطات الاستخبارات العراقية، ويتم توفير السكن لأولئك الذين يعملون فيه ضمن أجزاء متباعدة من المعسكر. وكما يقول المنشقان العراقيان، فانه يتم تدريب الشبان العراقيين، أعضاء جماعة فدائيي صدام، في جانب من المعسكر على أعمال التجسس وتقنيات الاغتيال و أعمال التخريب. أما في الجانب الآخر من المعسكر، الذي تفصله بحيرة صغيرة وأشجار وأسلاك شائكة، فتتم عمليات تدريب المسلحين الاصوليين الذين يقضون أوقاتا طويلة في التدريب ويقسمون الى مجموعات تضم خمسة أو ستة مسلحين، يقومون بتجارب اختطاف طائرة البوينغ 707 . وكان من النادر أن يتواجد في المعسكر خلال فترة زمنية واحدة أكثر من 40 الى 50 متطرفا. وقال عريف سابق في جهاز الاستخبارات العراقي، أمضى قرابة خمسة أعوام في المعسكر، «كان بامكاننا مشاهدتهم وهم يتدربون في أنحاء جسم الطائرة.. كان بامكاننا مشاهدتهم وهم يتدربون على كيفية السيطرة على الطائرة».

أما الضابط الاسبق برتبة فريق الذي كان يرتدي بدلة سوداء وخاتما من ذهب في كلتا سبابتيه، فقد قال ان الارهابيين كانوا يتلقون التدريب على كيفية السيطرة على أية طائرة بدون استخدام أسلحة. وأضاف انه بالرغم من المساعي الحذره للفصل بين المسلحين الاصوليين والوحدات العراقية الا أن اتصالات عشوائية تمت بينهما. وأوضح قائلا «ذات يوم وبعد انتهائي من العمل تعطلت عربتي اثناء مغادرتي للمعسكر، ومرت خلفي عربة محملة بهؤلاء الاصوليين وقد لاحظني سائق العربة الذي يعرفني وقرر الوقوف ومساعدتي في دفع عربتي الى الأمام. كان بين ركاب تلك العربة مواطنون من جنسيات مختلفة، بمن فيهم مصري كان بخلاف الآخرين حليق الوجه. نزل ستة منهم من العربة للمساعدة. وأخيرا كان لابد من سحب عربتي الى أقرب محطة للبنزين».

بعد توقفه عن الحديث ابتسم الضابط قبل ان يجيب على سؤال متوقع قائلا «كلا، لم يكن ـ ذلك المصري ـ محمد عطا» الذي يعتقد انه قاد منفذي تفجيرات نيويورك وواشنطن. وأضاف الضابط انه عندما سأل ذات يوم الفريق جاسم رشيد الدليمي، الذي قال انه كان يشرف على تدريب الارهابيين، عن الألماني الذي عمل في وحدة الأسلحة البيولوجية، اجابه الدليمي ان الالماني «كان سبب جميع مشاكلنا خلال عام 1991». وكما قال المنشق فان القسم الذي كان ينتج مكونات بيولوجية في المعسكر قصفته طائرات التحالف في حرب الخليج. المعلومات المتعلقة بوجود علاقات بين العراق واصوليين متطرفين جاءت في أعقاب تصريحات أدلى بها وزير الداخلية التشيكي ستانيسلاف غروس قال فيها ان عطا التقى أحمد خليل ابراهيم سميرالعاني، وهو ديبلوماسي عراقي تقول عنه السلطات التشيكية انه ضابط استخبارات، خلال ابريل (نيسان) الماضي. ويبدو ان هناك فجوات زمنية غير واضحة أو مبررة، بعضها يصل الى 15 شهرا، متعلق باقامة عطا في هامبورغ بألمانيا مما يعني احتمال ان يكون قد تلقى تدريبات خارج المانيا. والعديد من المدربين في معسكر سلمان بك معروفون بكونهم مقاتلين شرسين فالاسم الحركي لكبير المدربين هو «الشبح»، وقد ارتبط اسمه بالعديد من عمليات الاغتيال التي نفذت خارج العراق، كما هو حال الفريق الدليمي، الذي ورد اسمه في حادث اغتيال زعيم المعارضة العراقية الشيخ طالب السهيل في بيروت عام .1994 وقال الضابط المنشق السابق، الذي أوضح أنه لا يمضي أكثر من ليلة واحدة في نفس المكان خشية انتقام العملاء العراقيين، ان الدليمي أيد عمليات الاغتيال، بما فيها عملية لبنان . وأضاف: «انه يرأس وحدة اغتيالات خاصة تدعى مدرسة عرين الأسد ويفترض انها مخصصة فقط لأولئك الذين يملكون قلوب الأسود .. انه رجل متعدد المواهب وشجاع للغاية، والنظام يثق به بشدة».

* خدمة «نيويورك تايمز» خاص بـ«الشرق الأوسط»