أبرز الأحداث على الساحة اليمنية، على الإطلاق، في 2011، هو تنحي الرئيس اليمني عن السلطة ونقله لصلاحياته إلى نائبه الفريق عبد ربه منصور هادي، بعد 10 أشهر من الضغوط الشعبية والاحتجاجات التي اجتاحت المدن اليمنية منذ مطلع فبراير (شباط)، في سياق ما بات يعرف بـ «ثورات الربيع العربي»، فبعد أن اندلعت الاحتجاجات بدأ صالح، الذي ظل في الحكم 33 عاما، بتقديم التنازلات للمعارضة وأعلن أنه لن يورث الحكم لنجله العميد الركن أحمد علي عبد الله صالح، قائد الحرس الجمهوري والقوات الخاصة وأنه لن يرشح نفسه لفترة رئاسية جديدة ولن «يُصّفر العداد»، حسب المصطلح الدارج في الشارع اليمني، حينها.
ومن أهم الأحداث التي شهدتها اليمن في 2011، محاولة الاغتيال التي تعرض لها الرئيس علي عبد الله صالح في الـ3 من يونيو (حزيران)، ورغم أن الاتهام لم يوجه رسميا لجهة معينة، فإن صالح والمسؤولين الموالين له أشاروا بأصابع الاتهام إلى خصومه في الجيش المنشق ورجال القبائل الذين كانوا متحالفين معه خلال العقود الماضية.
وأصيب صالح، في محاولة الاغتيال بإصابات خطيرة، فقد وقعت عملية تفجير داخل مسجد دار الرئاسة بحي السبعين بجنوب صنعاء وقتل في العملية نحو 11 من حراس صالح الشخصيين، إضافة إلى وكيل وزارة الأوقاف، محمد الفسيل، وفي وقت لاحق توفي، في رمضان الماضي، متأثرا بجراحه، رئيس مجلس الشورى، عبد العزيز عبد الغني، الذي كان يعد أحد أهم المقربين لصالح وكاتمي أسراره، وقامت المملكة العربية السعودية بعلاج صالح وكبار مسؤولي الدولة الذين أصيبوا في تفجير «جامع النهدين»، وبينهم رئيس مجلس الوزراء الدكتور علي محمد مجور، ورئيس مجلس النواب، يحيى الراعي وآخرون.
ويمكن القول إن عام 2011، كان عام التغيرات الفعلية في اليمن، منذ حرب صيف عام 1994م، بين شركاء الوحدة في الشمال والجنوب، فقد وقع صالح في الـ23 من نوفمبر (تشرين الثاني) في العاصمة السعودية الرياض، على المبادرة الخليجية التي تنص على أن ينقل صلاحياته إلى نائبه وأن يبقى رئيسا (فخريا)، ونصت تلك المبادرة على أن يعطى حصانة من الملاحقة القانونية والقضائية هو وعدد من أركان نظامه، وهو الأمر الذي رفضته ساحات الاعتصام التي تطالب برحيل نظامه.
ومع اندلاع الاحتجاجات المطالبة برحيل الرئيس علي عبد الله صالح التي شاركت فيها أحزاب المعارضة المنضوية في إطار تكتل «اللقاء المشترك»، خرجت مسيرات ومظاهرات غاضبة في أكثر من 17 محافظة يمنية، وقد تعاملت قوات الأمن وقوات الحرس الجمهوري بعنف مع تلك المظاهرات ويرجح أن أكثر من 500 متظاهر ومتظاهرة سقطوا قتلى في ذلك القمع، إضافة إلى آلاف الجرحى الذين أصيب معظمهم بعاهات وإعاقات دائمة.
وقد كان أكثر المراقبين يراهنون في مستهل قيام الثورة اليمنية على إمكانية استمرار نهجها السلمي، وعلى قدرة هذا الشعب على كظم غيظه، ومن ثم الانجرار باتجاه استخدام السلاح الذي يقع في متناول يده، وربما الدخول في أتون حرب أهلية دامية، لكن اليمنيين خيبوا كل تلك الظنون عندما استطاعوا أن يقودوا ثورتهم طوال كل هذه الأشهر، وحتى الآن على الأقل، بأقل قدر من الخسائر، وصولا إلى الاتفاق على نقل السلطة من خلال المبادرة الخليجية التي وقعت مؤخرا في الرياض.
صحيح سالت هنالك دماء شوهت بعض ملامح هذه الثورة، لكنها ورغم مأسويتها تبقى في حسابات الواقع دون مستوى ما كان يعتقد أن يحدث في اليمن، وهو الواقع الذي ناهز حد اليأس.. وجعل من اعتلاء سدة السلطة في اليمن أمرا موازيا لامتطاء الليث، كما كان يقول الشاعر اليمني أحمد منصور:
قالوا أتطمع في حكم البلاد غدا فقلت لا أبتغي صنعا ولا عدَنا فأتعس الناس في الدنيا وأنكدهم من يمتطي الليث أو من يحكم اليمَنا ومن أبرز مفاجآت 2011، انفراط عقد التحالف الذي كان يربط الرئيس صالح برفيق دربه وسلاحه، اللواء الركن علي محسن صالح الأحمر، قائد الفرقة الأولى مدرع، الذي كان يعد الذراع اليمنى لصالح في الجيش ولدى معظم القبائل، فبعد أن قتل أكثر من 50 شابا على يد قوات صالح في ما عرفت بـ«جمعة الكرامة»، أعلن اللواء الأحمر انضمامه لـ«ثورة الشباب» وحمايتها سلميا ومعه انضمت معظم الألوية العسكرية في الجيش ولم يتبق مع صالح سوى الأمن المركزي الذي يقوده ابن شقيقه العميد الركن يحيى محمد عبد الله صالح والحرس الجمهوري الذي يقوده نجله المشار إليه آنفا، إضافة إلى بعض الألوية العسكرية المتواضعة.
لقد شهد عام 2011، انفراطا آخر لعقد تحالف قديم بين آل الأحمر وعلي عبد الله صالح، تمثل في انضمام زعيم قبيلة حاشد، كبرى القبائل اليمنية من حيث النفوذ والتي ينتمي إليها صالح نفسه، إلى الثورة وتأييدها، ولم يسر الأمر مرور الكرام، فقد شهدت منطقة الحصبة في صنعاء أسوأ المواجهات المسلحة بين القوات الموالية لصالح والمسلحين القبليين من أنصار الأحمر، وخلفت تلك المواجهات، عشرات القتلى والجرحى في صفوف الطرفين، إضافة إلى دمار هائل في مناطق القتال أدى إلى نزوح آلاف الأسر من منازلها، كما أن المواجهات تطورت لتشمل القوات العسكرية الموالية والأخرى المنشقة.
غير أن أبرز ما ميز الاحتجاجات في اليمن 2011م، هو «الانقلاب الجوهري»، إن جاز الوصف، لمحافظة تعز ضد نظام الرئيس علي عبد الله صالح وهي المحافظة التي انطلق منها الرائد صالح، حينها عندما كان قائدا للواء محافظة تعز، نحو العاصمة صنعاء ليمسك بمقاليد الحكم رئيسا أواخر عام 1978م، فقد تحولت هذه المحافظة إلى «أيقونة» للثورة المناهضة لصالح بعد تأييد مطلق لعدة عقود، وباتت هذه المحافظة هي الأكثر في الحضور الشعبي المناهض لصالح.
وقد تميز عام 2011، بدور إقليمي مميز لمجلس التعاون الخليجي في حلحلة الأزمة اليمنية، فأولى مهام أمين عام مجلس التعاون الخليجي، الدكتور عبد اللطيف الزياني، كانت الملف اليمني، وتقدمت دول التعاون بمبادرة لحل الأزمة اليمنية، ظلت قيد التداول والنقاش منذ منتصف أبريل (نيسان) وحتى أواخر نوفمبر حين وقعها صالح بعد وضع آلية تنفيذية للمبادرة، بعد مرات عدة وهو يرفض التوقيع على المبادرة، ولعل أبرز وأنجح دور لمجلس التعاون تمثل في التوصل لتسوية للأزمة اليمنية، بمساعدة وضغوط من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة التي بذل مبعوث أمينها العام، جمال بن عمر جهودا مرضية من أجل إيصال الأطراف اليمنية إلى صيغة اتفاق مرضية، إضافة إلى الدور الذي قام به سفراء دول مجلس التعاون الخليجي لتقريب وجهات النظر.
ومن أبرز أحداث العام الماضي أنه يرحل في أيامه الأخيرة وقد شكلت حكومة الوفاق الوطني، ويقول علي العمراني، وزير الإعلام في الحكومة الجديدة إن عام 2011، كان عاما مميزا في تاريخ العرب واليمن خصوصا، وأنه كان عام نفاد صبر العرب والشباب على وجه الخصوص على الفساد والاستبداد والظلم. وأضاف في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن العام المنقضي في اليمن «كان عام الانتفاضة والثورة والتمرد على الاستكانة والخنوع، وعام الصمود والتضحيات الجسيمة»، وأنه كان، أيضا «عام اكتشاف اليمن من جديد من قبل اليمنيين أنفسهم ومن قبل العالم القريب والبعيد»، ويصف الوزير العمراني عام 2011، بأنه كان «عام ثورة اليمنيين رجالا ونساء وعام انبهار العالم بهذا الشعب العريق وعام السلام والوئام بجائزة نوبل للسلام التي منحت لأول سيدة عربية هي من اليمن، وهي توكل عبد السلام كرمان».
ويردف الوزير العمراني أن عام 2011 يرحل «ونحمد الله أن الحكمة اليمانية تعود إلى نصابها، حيث عادت أيادي سبأ المتفرقة إلى التجمع وعاد اليمنيون إلى الائتلاف من جديد، فقد بدأ العام بثورة ومواجهات وصراع اليم، وها هو العام ينتهي بوفاق على التغيير والعمل من أجل اليمن الجديد ومن أجل رئيس جديد بعد أسابيع معدودة».
من جانبه، يرى الكاتب اليمني الدكتور محمد المنصوب أن الأحداث التي مرت بها اليمن في 2011، تمثل «نقطة التحول المصيرية الثالثة بعد ثورتي الشمال والجنوب ونيل استقلالهما، وإعادة تحقيق الوحدة اليمنية، حيث أدت عوامل سياسية واقتصادية واجتماعية إلى تحول وضع الشارع اليمني من الصمت إلى الغليان، وعلى الرغم من الدماء التي سالت فإن ما حصل يعتبر شيئا هينا مقارنة مع انتشار الأسلحة وغياب القانون وهيبة الدولة في السنوات الأخيرة في اليمن».
ويعتقد المنصوب، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أن أحداث العام المنقضي أدت إلى نتائج سلبية وأخرى إيجابية وأن «السلبية منها تدهور الوضع الاقتصادي والأمني، أما الإيجابية فكانت سياسية حيث قضت الأحداث على هيمنة مراكز وقوى أسرية واجتماعية كانت تظن أنه لن يصلها شي من المساءلة أو التحجيم»، ويردف أنه «وبسبب الرغبة الدولية والإقليمية فإن الأوضاع وصلت إلى شيء من الاستقرار مع وجود المبادرة الخليجية التي حظيت بدعم إقليمي ودولي وفي حالة ما تم تنفيذها دونما أي التفاف أو تراجع فإن المستقبل سيكون مبشرا».
وعلى الرغم من التفاؤل الكبير لدى قطاع واسع من اليمنيين بأن الأحداث المؤسفة التي شهدتها البلاد في 2011، لن تتكرر العام المقبل، فإن المخاوف ما زالت قائمة من فشل حكومة الوفاق الوطني بسبب خلافات بين شريكي الحكم حاليا، المؤتمر الشعبي العام الحاكم سابقا منفردا وشركائه في الحكم حاليا، أحزاب «اللقاء المشترك» المعارضة سابقا، فكثير ممن استطلعت «الشرق الأوسط» آراءهم بشأن مستقبل البلاد، ينظرون بحذر شديد إلى ما يجري، خاصة أن البلاد مقبلة على انتخابات رئاسية مبكرة في الـ21 من فبراير المقبل، فالعام الحالي الموشك على الانقضاء، يسدل فيه الستار على حقبة سياسية مهمة من تاريخه وهي فترة حكم الرئيس علي عبد الله صالح التي امتدت لأكثر من 33 عاما.