«التربية والتعليم» و«الدفاع المدني» يدرسان ملف حرائق مدارس البنات «الجنائية»

«الدفاع المدني» في جدة باشرت 50 حادثا في مدارس بنات على مدار 50 يوما مضت

حريق مجمع «براعم الوطن» التعليمي أول الحرائق التي تسببت فيها مجموعة من الفتيات
TT

دفعت الحوادث المتكررة التي شهدتها مؤخرا مدارس البنات في السعودية جهات حكومية ذات علاقة إلى التوقف لبحث الأمر ودراسته بشكل جدي، ومعرفة الأسباب التي أدت إلى تكرار الحرائق في مدارس البنات في الفترة الأخيرة.

وفي حين فجر مسؤول في الدفاع المدني في جدة قنبلة بإعلانه أن قطاعه باشر 50 بلاغا في مدارس البنات خلال الفترة الأخيرة، منذ حريق مدارس براعم الوطن التي أدت إلى مقتل 3 معلمات وإصابة نحو 40 طالبة، وتبين فيما بعد أن السبب خلف الحريق جنائي وخلفه 5 طالبات متورطات.

إلى ذلك أوضح لـ«الشرق الأوسط» مسؤول في وزارة التربية طلب عدم الإشارة إلى اسمه بقوله: «إن هناك دراسة تقوم بها الجهات المعنية بعد تكرار بلاغات الحرائق في مدارس الفتيات، ويتم الآن حصر تلك البلاغات والحرائق الفعلية».

وفي هذا الصدد، وحول موضوع تكرار الحوادث، يقول محمد الدخيني المتحدث الرسمي لوزارة التربية والتعليم لـ«الشرق الأوسط»: إن تلك التصرفات تعد فردية ولا يمكن تعميمها، وهناك خطة من قبل الوزارة لنشر الوعي داخل المدارس وتأهيل القائمين على تلك المهمة ومراجعتها.

وأضاف أنه «بناء على توجيهات وزير التربية والتعليم تجري الآن مراجعة شاملة لكل إجراءات الأمن والسلامة في المدارس والمواقع التابعة لوزارة التربية والتعليم، بما فيها تقييم لكل المباني المدرسية وفق توجيهات الدفاع المدني».

وواصل حديثه موضحا أنه «في هذا الصدد إلى اجتماع عقد قبل نحو شهر بين مدير عام الدفاع المدني السعودي ووزير التربية والتعليم تمخض عنه عدد من التوصيات، كان من أبرزها القيام بحملات إعلامية مكثفة ومنظمة لشرح متطلبات السلامة، والمخاطر الموجودة بالمنشآت التعليمية، وسبل تلافيها، وتوضيح الأساليب المثلى للتعامل مع الحوادث في اللحظات الأولى لوقوعها، ورفع معدلات الوعي الوقائي».

وبالحديث عن حوادث المدارس، شكك المهندس عدنان بن زكي العباسي الهاشمي، خبير الأمن والسلامة والمحقق في عدد من الحوادث في المملكة، الذي عمل في مجال الدفاع المدني على مدى 27 عاما، في نواتج التحقيقات التي تشير إلى تورط الفتيات في معظم حرائق المدارس الأخيرة، ويتساءل عن وصول المشعل في أيدي الصغار وغياب الرقابة من قبل المدارس وغياب الدوافع لمثل هذه الحرائق، وقال: «من غير المعقول محاسبة الطفل».

وذهب الهاشمي إلى ضرورة تطبيق إجراءات السلامة بشكل صحيح وآمن في المدرسة، وقال: «من المسؤولية في مثل هذا الحوادث التحقيق الذي يشمل كافة المسؤولين وذوي العلاقة بالمداس وترخيصها والمالك والاستشاري المصمم وشركة الصيانة والإدارة وغيرهم، وتتحدد نسب المسؤولية من خلال التحقيق الدقيق والمفصل».

واعتبر أن التحقيق في مثل تلك الحوادث وإشراك الخبراء المستقلين من خارج الأجهزة الحكومية المعنية يثري الموضوع، وخاصة في تطوير نظم المكافحة والإنذار والسلامة، من خلال الدروس المستفادة، ووضعها في الأكواد المعتمدة.

وطالب بتفعيل دور المرأة في هذا الاختصاص، وتدريبها على أعمال المكافحة والسلامة والإنقاذ والإخلاء والإسعافات لحماية نفسها وأسرتها ومن حولها، والشواهد لفقداننا كثيرا من بناتنا ونسائنا أبرزها حادث قصر الأفراح في جازان الذي قضى فيه 30 مدعوة غير الإصابات، وحادث حريق مدرسة مكة المكرمة الذي قضى فيه 31 طالبة غير الإصابات، وآخرها مدارس براعم الوطن، وهناك الكثير والكثير.

ودعا الدكتور الهاشمي وناشد المسؤولين في وزارة التربية والتعليم ضرورة تكليف كل المدارس الحكومية والخاصة بالتأمين الشامل على الطلاب والمدارس، ويربط ذلك رسميا بترخيص المدرسة، وكذلك من خلال اختيار شركات التأمين الأمينة التي لا تؤمن على المنشأة إلا بعد توافر وسائل ونظم السلامة الصحيحة، وذلك يتم بتقرير فني من استشاري متخصص في مجال الأمن والسلامة لتحمل كل المسؤوليات في حالة وقوع أي حادث (لا سمح الله).

وفي السياق نفسه، أكد العميد عبد الله الجداوي، مدير الدفاع المدني لـ«الشرق الأوسط»، مباشرة فرق الدفاع المدني نحو خمسين حالة منذ حريق براعم الوطن. مستدركا بالقول: «إن معظم تلك الحالات كانت بسيطة، عبارة عن التماسات كهربائية واشتباه بروائح دخان أو قرع جرس الإنذار بسبب خلل فني في أنظمة السلامة».

وعن تكرار الحوادث، وحول تسبب الفتيات فيها قال العميد الجداوي: «لا يجب التعميم، بأن معظم الحوادث مقصودة، وإشعال الصغار للحرائق قد يكون بدافع العبث أو حب الاستطلاع والفضول، وليست بدافع الجريمة». مشيرا إلى أنه يجب عدم إغفال جوانب المتابعة والسلامة في المدارس.

وحول التشكيك في مصداقية التحقيقات، استنكر مدير إدارة الدفاع المدني التشكيك فيها قائلا: «كثرت شائعات حول ذلك الأمر، غير أن التحقيق في الحادثة تم من قبل لجنة كاملة، إضافة إلى أن تلك اللجنة لم تتبع أي أساليب في الضغط على الطالبات أثناء لقائهن، خصوصا أن عملها لم يتعد أخذ إفاداتهن بحضور أولياء أمورهن»، مؤكدا وجود أكثر من جهة تتابع أعمال اللجنة، في ظل صعوبة جمع المعلومات على مدى 4 أيام متتالية.

وأضاف مدير الدفاع المدني بجدة: «إن جرائم الأحداث ليست مقتصرة على المملكة فقط. في كل بلاد العالم هناك جنايات أحداث ويودعون دور التربية للتهذيب والإصلاح».

وفي ما يتعلق بمدى محاسبة هؤلاء الفتيات قانونيا، أوضح العميد عبد الله الجداوي أن ذلك الأمر لدى الحاكم الإداري، وهو من يحدد إحالتهن إلى المحكمة من عدمها، ولكنه استدرك قائلا: «ثمة دور للمؤسسات التي تعمل على التهذيب والإصلاح، خصوصا أن الكثير من القاصرين يرتكبون الجرائم بدافع العبث أو التسلية أو لفت الانتباه وليس من منطلق إجرامي».

وبعد تكرر حرائق مدارس البنات برزت الاتهامات والحديث عن الجانب النفسي، وهو ما يتحدث عنه الدكتور سهيل خان، استشاري الطب النفسي ومدير مستشفى الصحة النفسية بجدة ومدير إدارة الصحة النفسية والاجتماعية بجدة لـ«الشرق الأوسط»، بقوله: «لا شك أن فترة الطفولة المراهقة مليئة بالفضول وحب التجربة والإثارة، وهي تعرض الطفل لتجارب خطيرة، وقد تكون للمتعة التجريبية والفضول، بحسب ما يغلب الظن النفسي، وغالبا لا يكون الحدث هنا مباليا بالنتائج، نتيجة سلوكه الاندفاعي دون الترصد».

وعن تكرر الحرائق في مدارس البنات وغياب ذلك في الجانب الرجالي، يوضح استشاري الطب النفسي ومدير مستشفى الصحة النفسية بجدة: «بسبب حب الطالبات أكثر للتقليد والمحاكاة، فالأنثى بطبيعتها تميل إلى التقليد ومحاكاة الآخرين بطبعها، والذكور لديهم الميل للخروج من السرب والانتقالية المحاكاة الناتجة للإثارة والتسلية وتكرار الحوادث المشابهة، باعتبار إثارة الإعلام والسلوكيات تظهر بشكل كبير على المراهق. وتكون ردة فعل الصدمات عند الأنثى أكبر.

وحول الأمراض النفسية التي تعرض لها الأطفال في حريق براعم الوطن، قال الدكتور سهيل خان: «تم تشكيل ثلاث فرق لزيارة الطالبات في المستشفى ومن ثم متابعة الحالات في المدارس البديلة بعد عودتهم، وغالب الحالات المسجلة حالت خوف واضطراب، وفيما يبدو فإن الصدمات والكوارث التي تعرضت لها جدة خلال السنوات الماضية أسهمت في تخفيف الضرر، وأصبح لدى سكان جدة حصانة حول الكوارث».

وحول كيفية تلافي مثل تلك الحوادث وانجراف المراهق معها، أكد الاختصاصي النفسي أنه «يفترض أن يكون من ضمن البرامج المنهجية تعريف الطالبات والطلاب بالنمو السيكولوجي الطبيعي، الذي يكونون عليه بعيدا عن التجربة والفضول، وتدريبيهم على جوانب السلامة وإضافة جوانب السلامة، والتعامل مع الحالات الطارئة والحوادث».

وفي ذات الصدد يؤكد اللواء علي السعدي، مدير شرطة جدة، في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «معظم حوادث الأحداث، وبحسب التحقيقات، تكون بدوافع نفسية أو عبثا وتحديا دون الإدراك لنتائج ومعرفة العواقب، وهي تعود لجانب السلوك الاجتماعي والتربية».

ويقول الملازم نواف البوق، الناطق الإعلامي المكلف بشرطة جدة: «إن معظم حوادث الأحداث تكون عبثيه، دون الإدراك للنتائج المترتبة عليها، مشيرا إلى أن الحدث، بحسب الأنظمة، من يكون عمره أقل من 17 عاما، وأن النظام لا يفرق بين شاب أو فتاة في هذا الجانب».

وبالعودة إلى الجانب النفسي مرة أخرى، تقول نعيمة العوفي، الاختصاصية الاجتماعية بمركز التأهيل الشامل للإناث بالطائف: «إن سلوك إشعال الحرائق لدى الأطفال والمراهقين له دوافع مختلفة، من أبرزها العدوانية الكامنة, الفضول الذي يصل لدرجة الهوس المرضي, وقد يكون بسبب ردة فعل لجذب الانتباه بسبب مشكلة عاطفية أو اجتماعية, وقد يتخذ الدافع شكل انتقام من المدرسة أو من السلطة».

وتضيف العوفي: «لا بد أن تتم معالجة هذا السلوك مبكرا، فكلما تدخلنا مبكرا كانت النتائج إيجابية، فإهمالنا في المعالجة قد يتخذ مستقبلا شكل أفعال إجرامية، ومن المفيد أن تتكاتف الجهود بين الاختصاصيين النفسيين والاجتماعيين؛ فقد يعاني المتسبب بالحرائق من اضطرابات نفسية، وخاصة إذا ظهر أنه يحمل شخصية معادية للمجتمع».

وتستطرد: «تلعب الأسرة دورا كبيرا في البرامج العلاجية بالتوجيه والإرشاد، مع ضرورة الاحتواء بالحب والتقدير فالحرمان العاطفي يجعل المراهق يحاول الاحتجاج على ظروف القهر والألم، وعلى ذلك فقد يشعر المراهق بالارتياح جراء إلحاقه الأذى بالآخرين والاستمتاع بمشاهدة الآلام بادية عليهم».

وتواصل العوفي حديثها مشددة على عدم إغفال جماعة الرفاق، فتأثيرها السلبي يساعد على التغلب على المخاوف وتفادي مشاعر الذنب الناتجة عن مخالفة القانون. كما يأخذ الشاب من جماعة رفاقه الشجاعة للمرور للفعل، وتساعد جماعة الرفاق على تبرير السلوكيات المنحرفة، كما تموه الشعور بالذنب، لأن المسؤولية جماعية وليست فردية، ولا ننسى تأثير وسائل الإعلام من خلال عرض الدراما، التي تشتمل على مشاهد عنف وجرائم وحرائق تؤدي إلى الميل لقبولها كأمر واقع، والتسامح معها.

وبالحديث عن ملف حرائق المدارس، الذي تحولت أغلب قضاياها إلى جنائية تورطت فيها طالبات صغيرات، تجدر العودة إلى دراسة علمية تحدثت عن تأثير الإعلام وما تبثه وسائل الإعلام من مسلسلات وأفلام إضافة إلى برامج الكومبيوتر، محذرة من الأخطار التي تحملها وسائل الإعلام وألعاب الأطفال الإلكترونية التي تمتاز بالتفاعلية والعوالم الافتراضية، منبهة إلى إمكانية تطبيق مجريات الجرائم العنيفة التي تحملها ألعاب «بلاي ستيشن» على وجه الخصوص. وأكدت الدراسة أن هذه المحاور السلبية تضع المجتمع أمام قضية كبيرة وخطيرة تفوق في خطورتها مشاهد العنف في السينما والتلفزيون، مبينة أن مصدر الخطر، يكمن في أنها وسيلة تفاعلية، تدمج الطفل ضمن آلياتها وتضعه دائما في موقف الشرير الذي ينتصر ويحصد نقاط الفوز على جانب الخير.

وحول التعامل مع المتسببين في تلك الحوادث قضائيا يبين الشيخ منصور القفاري، المتحدث الرسمي لوزارة العدل، أنه «فيما يخص القضايا الجنائية بشكل عام فإن الجهة المختصة بمباشرة الادعاء فيها أمام المحاكم للمطالبة بالحق العام هي هيئة التحقيق والادعاء العام، أما فيما يتعلق بالحق الخاص فيباشر الادعاء فيه أمام القضاء المتضرر من الجناية أو ورثته من بعده، وذلك حسب ما يقضي به نظام الإجراءات الجزائية الذي ينظم إجراءات سير الدعاوى الجنائية، والقضاء يحكم فيها وفق الأحكام الشرعية».

وفيما يخص قضايا الأحداث، بين الشيخ منصور القفاري أن «هناك قضاء خاصا بالأحداث، حيث تتم محاكمتهم داخل دور الملاحظة، وكذلك الفتيات تتم محاكمتهن داخل دور رعاية الفتيات، وذلك حسب ما تقضي به لوائح دور الملاحظة ودور رعاية الفتيات الصادرة بقرارات من مجلس الوزراء، ويتم التعامل معهم بما يتفق وفئتهم العمرية، مع الأخذ بالاعتبار عند المحاكمة رأي الاختصاصيين الاجتماعيين في حالة الحدث أو الفتاة حيث يقدم للقاضي عند المحاكمة تقرير اجتماعي مفصل عن حالة الحدث، يبين فيه الظروف الاجتماعية والاقتصادية والبيئية والعوامل التي يرجح أن تكون السبب في انحراف الحدث أو الفتاة، وخطة العلاج والتدابير المقترحة لتقويمه.

وأضاف أن «الهدف من محاكمة الأحداث هو الإصلاح وليس العقوبة، فبعض الأحداث قد يكون غير مسؤول عن أفعاله من الناحية الجنائية»، مشيرا إلى وجوب اختيار قضاة متخصصين لقضايا الأحداث.

ومن جهته، يقول الدكتور ماجد قاروب، رئيس اللجنة الوطنية للمحامين في مجلس الغرف السعودية، حول المسؤولية في مثل تلك الحوادث والدوافع لها: «إن المسؤولية الجنائية على البالغ في الجرائم تختلف عن الأحداث الذين يكون التركيز في قضاياهم بحسب أعمارهم، وغالبا ما يحكم فيها بالديات ومراقبة الأحداث وإعادة تأهيلهم بدور الرعاية».

وأضاف أن «فعل الطفل في الغالب يكون انعكاسا لثقافته داخل منزله، وهو الأمر الذي ينعكس عليه داخل المدرسة، وقد يكون الانعكاس بالسلب أو الإيجاب، فهناك اختلاف في الجينات والسلوكيات لدى الأطفال من بين الخمول والسكينة أو زيادة الحركة كل حالة على تختلف عن الأخرى، ويجب التعامل معها على حدة».

ولم يغفل رئيس اللجنة الوطنية للمحامين في مجلس الغرف السعودية عن تأثير وسائل الإعلام في بعض الأحداث، كبرامج الكرتون والمسلسلات التي تدعو إلى العنف.

وحول تركز معظم الحوادث على مدارس الفتيات قال الدكتور قاروب: «إن هذا مؤشر خطير ويجب دراسته والخروج بالنتائج، مع الأخذ مراجعة تعليمات الدفاع المدني ووزارة التربية والتعليم ومدى الالتزام بها. وما تحتويه التعليمات من تعارض في الجانبين قد يعطل أو يعرقل تلك التعليمات».

وعن تكرار الحوادث يبين قاروب: «لا يمكن الحكم بذلك فهي ليست جرائم منظمة وقد تكون مصادفة، وقد يكون الإعلام مسلطا بشكل كبير، وقد يكون البعض يقوم بذلك للحصول على إجازة مثلا، بسبب براءة طفولة أو جهل أو غباء منه، ويجب الاستفادة من درس الحريق وبجوانب التوعية والثقافة ودراسة وتسليط الضوء».

وكانت جدة شهدت في العشرين من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي حريقا لمدرسة «براعم الوطن» الأهلية توفيت فيه 3 معلمات وأصيب أكثر من 41 طالبة في مدرسة أهلية في جدة، نتيجة اندلاع حريق في بدروم المدرسة، وتراوحت الإصابات ما بين حروق بمختلف درجاتها، واختناقات وكسور نتيجة سقوط بعض الطالبات من الأدوار العلوية في محاولة للهروب من نيران اللهب وتصاعد الدخان، وكشفت نتائج التحقيق في حريق «براعم الوطن» تسبب نحو 5 فتيات في اندلاعه، بعد أن كن يعبثن، بهدف معرفة مدى فاعلية أجهزة الإنذار الموجودة في المدرسة».

وهنا واجه المسؤول الأول عن التعليم في السعودية، وهو الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد، وزير التربية والتعليم، الأمر، في حديث صحافي، بكل شفافية وقوة، بقوله: «إن ظهور النتائج الأولية للتحقيق في حريق مدرسة براعم الوطن الأهلية في جدة، بأن أسباب الحريق مفتعلة من عدد من الطالبات صغيرات السن لا يخلي مسؤولية المعنيين بالأمن والسلامة».

ووجه حينها الإدارة القانونية والإدارة العامة للمتابعة بالتنسيق مع إدارة التربية والتعليم في محافظة جدة، للبناء على نتيجة التحقيق الصادرة عن إدارة الدفاع المدني بمحافظة جدة، وتقرير اللجنة المشكلة برئاسة النائبة لتعليم البنات عن الأسباب التي أدت إلى تفاقم الحادث، واتخاذ الإجراءات الصارمة تجاه المقصرين في أداء أدوارهم، وفق الأنظمة التي تنص عليها لوائح العمل في المدارس، مع نشر كل التوصيات والإجراءات التي ستتخذ للرأي العام، أيا كانت النتائج.

ووجه وزير التربية والتعليم بمراجعة شاملة لكل الأنظمة والتعليمات الخاصة بتوفر أساسيات الأمن والسلامة في المدارس والمواقع التابعة لوزارة التربية والتعليم، بما فيها جهاز الوزارة وإدارات التربية والتعليم ومكاتب التربية والتعليم وكل المستودعات التابعة لها، إضافة إلى تقييم لكل المباني المدرسية الحكومية والأهلية، وخاصة المستأجرة، وعرض التقارير والتوصيات النهائية على الوكالات والإدارات ذات العلاقة في الوزارة، مشددا على أهمية إنهاء كل هذه الأعمال خلال شهرين، مع أهمية توفير السبل الكفيلة بإنجاز هذا الدراسات المسحية الشاملة ومعالجة أشكال القصور إن وجدت.

وقال وزير التربية والتعليم: «إن ما تم تفويضه من صلاحيات لمديري المدارس وإدارات التربية والتعليم يجعلهم جميعا يتحملون المسؤولية تجاه توفير أسباب الأمن والسلامة داخل مدارسهم، وإن أي قصور في تأدية دورهم أو أي تقصير من قبل الجهات الأعلى في منحهم ما يحتاجونه في مدارسهم ستعرض المعنيين للمساءلة القانونية والإدارية أمام الوزارة وتحمل عواقبها».

واستطرد أن «الوزارة لن تتهاون أمام أي تقصير من المسؤولين الذين تحملوا مسؤولية القيام بدور محدد داخل المدرسة أو خارجها، أو توفير احتياجات المدارس.

كما وجه بمراجعة وتطوير البرامج والمشاريع الخاصة بالتوعية تجاه إجراءات ومتطلبات الأمن والسلامة في جميع المدارس الحكومية والأهلية، بالتنسيق مع المديرية العامة للدفاع المدني في كل منطقة ومحافظة، بناء على الشراكة القائمة بين القطاعين الهادفة إلى نشر ثقافة الوعي بوسائل السلامة وأساسيات التعامل مع الحوادث الخطرة، كالحرائق والسيول وخلافها التي تشمل الطلاب والطالبات ومنسوبي المدارس، واستخدام الوسائط الإعلامية لتعزيز الجوانب التوعوية والإرشادية، وأن تكون ضمن برنامج زمني يبدأ تطبيقه».

وفي السياق ذاته كشف مصدر مطلع بالإدارة العامة للتربية والتعليم بمحافظة جدة (غرب السعودية) لـ«الشرق الأوسط» عن تشكيل لجنة حكومية تضم في عضويتها ثلاث جهات رسمية، وهي: الإدارة العامة للتربية والتعليم بمحافظة جدة، وشرطة المحافظة، وإدارة الدفاع المدني بالمحافظة، لعمل مسح شامل لكل مدارس التعليم العام بالمحافظة للوقوف على مدى توافر الاشتراطات المتعلقة بالسلامة داخل كل تلك المدارس (بنين وبنات).

وأكد المصدر، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، أن تلك التوجيهات جاءت بناء على توجيه من أمير منطقة مكة المكرمة، مشددا على أن التوجيهات تؤكد على ضرورة تصنيف المدارس إلى ثلاثة تصنيفات رئيسية من حيث توافر السلامة بالمبنى المدرسي.

وأوضح المصدر أن تلك التصنيفات تقسم وضع مدارس التعليم العام إلى مستوى «جيدة جدا» وهي تلك المدارس التي تتوافر فيها كل الاشتراطات المتعلقة بتوافر مخارج الطوارئ ومعدات الأمن والسلامة في مواجهة الكوارث والحرائق، والتصنيف الثاني «جيدة»، للمدارس التي يتوافر فيها الحد الأدنى من اشتراطات السلامة، بينما خصصت الفئة الأخيرة من التصنيف الثلاثي للمدارس التي لا يتوافر فيها الحد الأدنى من تلك الاشتراطات الخاصة بالسلامة.

وتأتي تلك العملية المسحية، التي أمرت بها توجيهات أمير منطقة مكة المكرمة، على خلفية الحريق الذي طال مدارس «براعم الوطن» مؤخرا، وما نتج عنه من فتح ملفات السلامة والأمان بمدارس التعليم العام بالبلاد، التي يشكو الكثير منها من عدم توافر تلك الاشتراطات.

وبحسب المصادر المطلعة بالإدارة العامة للتعليم بمحافظة جدة، فإن الكثير من الإدارات التابعة للإدارة العامة كلفت رسميا بعمل المسوحات الميدانية والوقوف على وضع المدارس للتحقق من توافر الاشتراطات، والرفع بتقارير مفصلة وبشكل عاجل، حيث تم تكليف عدد من المشرفين والمشرفات التربويين بتولي القيام بتلك العملية المسحية، وتعبئة نماذج أعدت خصيصا لتقييم وضع اشتراطات السلامة بمدارس البنين والبنات.

وتقرر أن ترفع تلك التقارير بعد تعبئتها بشكل كامل عبر رابط لبريد إلكتروني، تم تحديده سلفا ليكون مرجعا لكل تلك التقارير الميدانية.

وبالعودة إلى الدفاع المدني، فإنها تتابع ملف المدارس بحذر هذه الأيام، ويتوقع مسؤول في الدفاع المدني في جدة أن «يصل عدد البلاغات للفترة المقبلة من العام الحالي إلى ما يزيد على 100 بلاغ من قبل المدارس، إثر حالة من الخوف والهلع (الفوبيا) التي انتابت الكثير من أفراد المجتمع المحلي على خلفية حريق مدرسة (براعم الوطن) الأهلية بجدة، الذي تسبب في وفاة هيئتين من هيئات المدرسة، وإصابة ما يقارب 47 طالبة جراء ذلك الحريق».

وفي سجل رصد حوادث مدارس وأقسام البنات، تشير المعلومات إلى أنه في 13 من ديسمبر (كانون الأول) سجلت المضابط الصحية 29 حالة اختناق، إلى جانب إصابات طفيفة جاءت نتيجة تدافع طالبات في كلية التربية للبنات، العلمية، في حي القابل بمنطقة عسير، إثر حريق شب في أحد المستودعات.

وهنا يوضح سعيد النقير، مدير العلاقات العامة بصحة عسير، أن عدد الحالات التي وصلت إلى مستشفيات المنطقة 29 حالة توزعت منها 9 حالات على مستشفى أبها الخاص، و8 حالات في مستشفى أبها العام، و6 حالات في مستشفى عسير المركزي، وكلها حالات إغماء وإصابات طفيفة نتيجة لتدافع الطالبات.

يشار إلى أن السعودية سجلت جملة من الحرائق التي تبين أنها جنائية في عدد من مدارس البنات، ومنها حريق «براعم الوطن»، وفي الثالث عشر من ديسمبر أعلنت الإدارة العامة للدفاع المدني عن حريق آخر، في العاصمة المقدسة، وأن شبهة جنائية خلف الحريق الذي نشب في المدرسة السابعة عشرة المتوسطة للبنات، مؤكدة خلو المدرسة من أي وفيات أو حالات اختناق.

وأوضحت حينها الإدارة على لسان العقيد علي المنتشري، نشوب حادثة قد تكون شبيهة بحريق مدارس «براعم الوطن»، وتمكنت فرق الدفاع المدني من إخماد حريق بإحدى دورات المياه لمدرسة بنات في العاصمة المقدسة، لينقذوا بعد فضل الله أرواح أكثر من 450 طالبة ومعلمة، حيث أكدت التحريات أن هناك شبهة جنائية وراء الحريق.

كما سجلت العاصمة الرياض حادث حريق في المدرسة 143 نتج عن عبث بجرس الإنذار، وتسبب في إصابة 9 طالبات نتيجة التدافع، وأعلنت إحدى الكليات القبض على طالبتين حاولتا العبث بجرس الإنذار، إضافة إلى حريق في الأحساء.

وأمرت في ذات الشهر دائرة المدرسة المتوسطة والثانوية للبنات في بلدة الشط، 25 كيلومترا جنوبي بيشة، كل طالباتها بإخلاء المبنى فورا عقب انطلاق صافرات الإنذار إثر تصرف عابث من طالبة حطمت زجاج جهاز الإنذار وأطلقت الصافرة، وقال المتحدث الرسمي في مديرية الدفاع المدني في منطقة عسير، العقيد محمد عبد الرحيم العاصمي، إنه يجري استكمال الإجراءات اللازمة في الحدث الطارئ، بعد إخلاء 206 طالبات من المبنى.

وأصيبت أم وطالبة في المدرسة 75 الابتدائية للبنات في جدة بحالة هلع، فيما تعرضت طالبة أخرى للصرع نتيجة بلاغ كاذب عن وجود ماس في جرس الإنذار في المدرسة، وتمت معالجة الخلل بشكل فوري دون حدوث اشتعال.