الوثائق السرية البريطانية (الحلقة الثالثة): لقاء السادات مع مارغريت ثاتشر قبل شهرين من اغتياله

السادات: الانسحاب من سيناء لن يغير موقفنا من السلام الشامل * ثاتشر: أي تهديد لإمدادات البترول يعني أن اقتصاد الغرب ومفهوم الحرية سيواجهان خطرا حقيقيا

الرئيس المصري انور السادات مع رئيسة الوزراء مارغريت ثاتشر
TT

في حلقة اليوم تتناول الشرق الأوسط لقاء الرئيس المصري انور السادات برئيسة وزراء بريطانيا مارغريت ثاتشر، والذي يناقشا فيه عددا من المواضيع الشرق الأوسطية التي تهم الطرفين وتعتبر ركائز استراتيجية في تفكيرهما ومصالحهما، وانعكس ذلك من خلال مناقشة التغلعل السوفياتي والاستقرار في منطقة الخليج واستمرار تدفق البترول الى الاسواق العربية، الذي اعتبرته مارغريت ثاتشر اساسي وقالت ان «اي تهديد لامدادات البترول من منطقة الخليج، فان اقتصاد الغربي والحرية في الغرب سيواجهان خطرا حقيقيا». وحذر السادات من تغلغل الحزب الشيوعي الايراني (تودا) في المؤسسة الايرانية وهذا سيخلق محورا سوفيتيا في المنطقة ويقوي التواجد السوفييتي في افعانستان.

وجاء اللقاء قبل فترة قصيرة من رحلة السادات الى واشنطن للقاء الادارة الجمهورية الجديدة ورئيسها رونالد ريغان، خصوصا مع تعثر العلاقات الاسرائيلية المصرية والتي زادت من مشاكل السادات عربيا، بسبب التعنت الاسرائيلي واستمرار اسرائيل في اتخاذ خطوات احادية الجانب تتناقض مع التوجه المصري في السلام في الشرق الأوسط. كما ان هذه اللقاءات الدولية جاءت قبل شهرين من اغتياله. كان يحاول الرئيس المصري حشد الرأي العام الغربي من اجل وضع مناحيم بيغن امام المحك والتزاماته الدولية المعلنة، وهذا ما رأيناه امس في لقاء ثاتشر بنائب السادات حسني مبارك. وفي بداية القاء صرحت ثاتشر بانها مع فكرة الؤتمر الدولي للدول المعنية من اجل وضع اكبر قدر من الضغط الدولي على رئيس وزراء اسرائل للالتزام بالقرات الدولية ومعاهدة السلام الموقعة مع مصر، ولكن بدون تشراك الاتحاد السوفيتي. من الواضح من نقاشات مارغريت ثاتشر مع القادة العرب، وهذا ما عكسه امس لقاءها مع نائب الرئيس المصري حسني مبارك ولقائها حسب وثائق اليوم مع الرئيس انور السادات ومراسلاتها مع الراحل الملك حسين والتي تظهر جدية التفكير البريطاني في حل النزاع العربي الاسرائيلي بناء على القرارت الدولية والتي تطلب من اسرائيل الانسحاب الى حدود 1967 مع بعض التعديلات. ومن الواضح ايضا ايضا بريطانيا، وخصوصا، مارغريت ثاتشر، كانت تريد فقط من العرب الأعتراف بدولة اسرائيل ضمن حدود آمنة حتى تواجه اسرائيل وتقول لها انه يجب عليها قبول الارادة الدولية ولا داعي الخوف من العرب بعد اليوم. ومن هنا نرى تحمس مارغريت ثاتشر لمؤتمر دولي يضع رئيس وزراء اسرائل مناحيم بيعن على المحك. هذا التوجع تغير كثيرا في السنوات الاحقة مع التغييرات في المنطقة ولم ينعكس على سياسات خليفتها العمالي توني بلير. وبدات ثاتشر الحديث معلنة امتعاضها من حكومة بيغن واعتداء اسرائيل على بيروت واعتبرت ردة الفعل الاسرائيلية ضد لبنان مبالغ فيها مقارنة بما قامت به منظمة التحرير الفلسطينية. كما قالت للسادات بانها لا تعرف لحد الآن ما تفكر فيه الادارة الاميركية الجديدة بخصوص مفاوضات السلام وما هو موقف رونالد ريغان اتجاه هذه المسألة.

لكن تبين ايضا ان الأميركان تحت الادارة الجديدة بدأوا يظهرون انحيازا اكبر، وعلى عكس ادارة جيمي كارتر السابقة لوجهة النظر الاسرائيلية. ومن هنا مثلا، كان واضحا ان الأميركان لا يحبذون فكرة المؤتمر الدولي ارضاء لاسرائيل التي كانت ترفض بدورها الفكرة، وغضبت جدا من اقتراح عقد المؤتمر من قبل السادات كما اظهرت وثائق أمس.

وقال السادات في اللقاء «ان الاحداث متسارعة جدا في المنطقة، واي شيء قد يحدث، وان الوضع الايراني مليء بالمفاجآت وعدم اليقين، وهذا قد يزيد من عدم الآمان في منطقة الخليج. كما ان الوضع في لبنان شائك جدا ليس بسبب الصراع الاسرائيلي الفلسطيني هناك وانما لدخول سوريا في المعادلة، كما ان الوضع في ليبيا «يشكل مكونات لم تكن محسوبة»، كما يبدوا ان السوفييت مشغولين جدا في هذه الفترة.

ويقول السادات انه يعتقد ان هناك دور مهم جدا للسعودية في المرحلة القادمة من عملية السلام «لقد اظهروا من خلال وقف اطلاق النار في لبنان انه بامكانهم التعامل مع السوريين والفلسطينيين، ويمكنهم الضغط على الجهات المعنية من خلال قدراتهم المالية، وهذا ما تفتقد اليه مصر. ولهذا يريد السادات من الأميركان اقناع السعوديين في الاستمرار في بناء ما حققوه في لبنان.

* في ما يلي محضر اللقاء والنقاش الذي دار بين الرئيس المصري انور السادات مع رئيسة الوزراء مارغريت ثاتشر في مقر رئآسة الوزراء في داونينع ستريت، وذلك في 3 اغسطس (آب) 1981 . وحضر القاء الى جانب ثاتشر وزير الخارجية اللورد كارينغتون من الجانب البريطاني السفير البريطاني في القاهرة السير جون غرهام والسكرتير الخاص لرئيسة الوزراء ومن الجانب المصري الى جانب السادات اللواء كمال حسن علي والدكتور اسامة الباز ومنصور حسن والسفير المصري في لندن.

اللقاء تم قبل شهرين تقريبا من اغتيال السادات. لكن لا يوجد وثائق تتناول اغتياله بسبب ان الحدث كان قريبا من نهاية العام ولهذا قد تفرج الحكومة عن وثائق اخرى في بداية العام لانها قد تضمنها ملفات تحمل تاريخ 1982 بخصوص اعتيال السادات.

الدور السعودي واستياء الأمير سعود الفيصل والجيل الثاني من القيادة السعودية من الموقف الأميركي قال السادات وبالرغم من الغارات الاسرائيلية الأخيرة على بيروت وعلى بغداد، الا ان «وقف اطلاق النار بين الفلسطينيين واسرائيل شكل سابقة، وان هذا لم يحدث بين الطرفين منذ حرب 1984. السعوديون ينشطون حاليا في المنطقة. هذه فرصة يجب ان لا نضيعها. ورد وزير الخارجية اللورد كارينغتون قائلا ان وقف اطلاق النار يعطينا فرصة لتقوية الحكومة اللبنانية. وفي مداخلتها قالت رئيسة الوزراء مبدية تقديرها لما ابداه الرئيس السادات من لطف اتجاه مناحيم بيعن في شرم الشيخ، مضيفة، لكن انظر كيف رد لك بيغن الجميل. وقال السادات ان هناك خيارات عديدة متاحة على الصعيد الدولي، علينا فقط ان ننتظر حتى نهاية العام بعد ان يجتمع الرئيس الأميركي الجديد رونالد ريغان مع الملك حسين وعد القادة السعوديين. وقدم السادات خيارات عدة لتحريك عملية السلام منها ان يكون هناك مبادرة سعودية اتجاه العملية السلمية طالما ان لا يظهر هناك تناقض بين هذه المبادرة وبين اتفاقيات كامب ديفيد الموقعة بين اسرائيل ومصر. (في اجتماع الحكومة البريطانية في 12 نوفمبر (تشرين الثاني) 1981 قال وزير الخارجية البريطاني اللورد كارينغتون انه لمس خلال زيارته الأخيرة للسعودية توجها مشجعا وتقبل لحال الصراع العربي الاسرائيلي من خلال المفاوضات السلمية. وقال ان هذه الخطوة صرحت بها الحكومة السعودية علنا ولاول مرة، مما شجع الحكومات الخليجية الأخرى لاتخاذ مواقف مشابهة.) وقال الرئيس السادات ان الانسحاب الاسرائيلي من سينا لن يغيير موقف مصر اتجاه السلام الشامل في الشرق الأوسط، مضيفا ان «هذا موقف وطني اساسي في التفكير المصري وان مصر لن تغسل يديها من الموضوع وتتخلى عن المشكلة، مضيفا بشكل عابر «ان مصر مستعدة لمنح بريطانيا، مثل الولايات المتحدة امتيازات عسكرية في سينا اذا طلبت ذلك».

وقال وزير الخارجية اللورد كارينغتون انه تباحث مع وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل عندما التقاه في المكسيك. واضاف بان السعوديون يأخذون عمل لجنة المتابعة العربية ومسؤولياتها في لبنان بجدية، وان الأمير فهد (ولي العهد السعودي انذاك) قال له ان سلوك السوريين في لبنان اصبح مقبولا. واضاف ان الأمير سعود الفيصل اظهر استياء عميقا من السياسات الأميركية في المنطقة بسبب اللوبي الاسرائيلي.

ورد اللورد كارينغتون قائلا «حتى وزير الخارجية الأميركي اليكساندر هيغ الذي التقاه خلال عطلة نهاية الاسبوع بدا مهتزا جدا من مناحيم بيغن بسبب شن الغارات الجوية الاسرائيلية على بيروت». ولهاذا، قال السادات بانه من المهم جدا اقناع العرب الأخرين بالتغييرات السياسة الدولية، «ومن هذا فعلى بريطانيا ان تلعب دورا مها في ذلك خصوصا مع السعودية».

وقال اللورد كارينغتون بان اعلان البندقية الذي تبنته المجموعة الاوروبية اغضب اسرائيل بسبب التزامه اتجاه منظمة التحرير الفلسطينية. اننا نعمل الآن من اجل ان تسقط منظمة التحرير من ميثاقها الوطني بند تدمير اسرائيل، وهذا سيفتح المجال لاشراكها في المفاوضات مستقبلا. واضاف السير جون غراهام سفير بريطانيا في مصر بان منظمة التحرير اصبحت لا تعارض اتخاذ خطوات في هذا الاتجاه. وقال السادات ان على الاميركان اسقاط معارضتهم للتحدث لمنظمة التحرير الفلسطينية، «لانهم من فترة طويلة وهم يتحدثون مع الفلسطينيين من خلالي ومن خلال العاهل المغربي الملك الحسن الثاني. وردت ثاتشر قائلة بان الرئيس الاميركي رونالد ريغان لا يمانع التحدث مع الفلسطينيين ولكن مع منظمات فلسطينية اخرى وليس منظمة التحرير الفلسطينية، مضيفة انها ووزير الخارجية ناقشا الموضوع معه وقالا له «ان ما يقوم به الاسرائيليين قد خلق ظروفا من الصعب عليها تشجيع وجود منظمات اخرى فلسطينية غير منظمة التحرير الفلسطينية».

وقال الرئيس السادات انه بالرغم من استياء السعوديين من الموقف الأميركي الا انه بامكانهم الضغط على الأميركان، وقال انه لا يعتقد بان السعودييين قد نفضوا ايديهم من الموضوع «لانهم يعرفون جيدا ان عليهم العمل يدا بيد» مع الاميركان. وقال اللورد كارينغتون ان هذا صحيح ولكن ان استيائهم قائم بسبب قبضة اللوبي الاسرائيلي على السياسة الخارجية الاميركية. 15 ممثلا افريقيا يغادرون نيروبي والشيكات الليبية في جيوبهم

* سأل اللورد كارينعتون الرئيس السادات عن رايه في ليبيا. قال السادات ان العقيد القذافي وراء الاضطرابات الاخيرة في غامبيا، لكن وزير الخارجية النيجيري اخبره بان العقيد القذافي لم يكن وراء المشاكل الاخيرة في كانو. واضاف السادات ان «مصر اتفقت مع 15 دولة افريقية خلال مؤتمر منظمة الوحدة الافريقية في نيروبي ان تعقد القمة الافريقية القادمة في تاغو، لكن الشخثصية الرئيسية في هذه المفاوضات اختفت في اللحظات الأخيرة المهمة من المؤتمر، وبعدها غادر 15 ممثلا افريقيا المؤتمر وفي جيوبهم الشيكات الليبية. هذه هي افريقيا».

وتصف الوثيقة كيف ضحك السادات عندما قال اللورد كارينغتون بان اثنين من قادة افريقيا قالوا له بان هناك سلاما في تشاد، لكنه اضاف ان القذافي ما زال يثير المشاكل في شمال وغرب افريقيا، ولهذا يجب القيام ببعض النشاطات ضده. لقد وجهت مصر انذارا لليبيا حتى لا تتدخل في الشؤون السودانية. وقام الرئيس الروماني تشاوتشيسكو بنقل وجهة النظر المصرية للعقيد القذافي من اجل ان يحترم كل منهما نفوذ الآخر، اي مصر في السودان وليبا في تشاد. لكن ليبيا ما زالت تبني القواعد والمطارات في تشاد من اجل الانطلاق الى دول افريقية اخرى.

اما بخصوص الصومال قال السادات بان العلاقات الفرنسية الاثيوبية تبدو قوية وان الرئيس منغستو قد بعث له برسالة خاصة يطلب منه المساعدة لانه يريد فك العزلة الدولية من حوله. وقال ان وزير خارجية مصر ونظيره الاثيوبي عقدا لقاء سريا في الخرطوم لمناقشة ذلك، كما اضاف انه يجد العقيد منغيستو اسهل في التعامل من الصومال.

من قتل اية الله بيهيشتي؟

* سألت مارغريت ثاتشر من سيحل محل ايه الله خميني؟ مضيفة لحد الآن لم نكتشف من كان وراء قتل اية الله بيهيشتي. ورد السير جون غراهام انه من المؤكد ان تكون منظمة مجاهدين خلق وراء العملية. وقال السادات ان «سكارليت بيمبرنيل» (التعبير مآخوذ من الثورة الفرنسية) هو الذي رتب للعديد من الايرانيين الهروب من الثورة وكان على اتصال مع قرينة الشاه فرح ديبا التي دفعت من اجل هروب بني صدر من ايران. لقد قام الخميني بعمل احمق مثله مثل صديقه الرئيس الباكستاني بوتو الذي تسبب باهانة كبية للقوات المسلحة الايرانية، ولهذا من الطبيعي ان يكون هناك محاولة للثأر من قبلها. الوضع غير الواضح المعالم والى اين ستتجه الامور. لكنه اضاف بانه من الصعب جدا معرفة نتيجة الحرب العراقية الايرانية.

كما حذر السادات بان الاتحاد السوفيتي يتغلغل في المؤسسة الايرانية من خلال الحزب الشيوعي الايراني تودا الذي يعمل بالخفاء من خلال المؤسسة الدينية في ايران.

الاتحاد السوفيتي يريد الوصول الى مياه الخليج الدافئة

* قال الرئيس السادات بان «الرئيس السوفيتي برجنيف يريد من خلال النشاطات السوفيتية في المنطقة وصول مياه الخليج الدافئة.

هناك خطر حقيقي على دول الشرق الأوسط وحقول النفط في الخليج من ترسانة اسلحة الاتحاد السوفيتي. لقد تحولت ليبيا الى ترسانة اسلحة سوفياتية، لكن ليبيا بحد ذاتها لا تشكل خطرا على حدود مصر الغربية.

لكن الخطر الحقيقي هو وجود قوات مرتزفة من كوبا ويوغسلافيا والمانيا الشرقية وسوريا في ليبيا. يجب ان نبقى يقظين من هذا الخطر الحقيقي. لكن يجب ان يكون هناك حلا للنزاع العربي الاسرائيلي الذي يعطي الروس فرصة كبيرة للتدخل في المنطقة. بالنسبة للانسان العربي اسرائيل وليس الاتحاد السوفيتي الذي يبعد آلاف الاميال هو الخطر الحقيقي. وردت مارغريت ثاتشر «اقتصاد الغرب ومعه مفهوم الحرية يواجهان خطرا حقيقيا في حالة واجه تدفق النفط من الخليج تهديدا». وقال السادات بان مصر ستبدأ بانتاج 20 مليون طن من البترول سنويا خلال ثلاثة سنوات. وانه مهتم ان يكون هناك اتفاقا بين الدول المنتجة والدول المستهلكة للبترول ومن السهل التوصل الى صيغة تحفظ حق الطرفين. الغرب يريد البترول والدولة المنتجة تحتاج الى التكنلوجيا الغربية ولهذا من السهل التوصل الى صيغة تحفظ حق الطرفين. وقال انه غير راض عن سعر البرميل لان ارتفاعه يعني ارتفاع اسعار المنتوجات الاخرى، وهذا ما ناقشه مع الرئيس المكسيكي مؤخرا.