يوم بغداد الأخير بين وداع جنود الاحتلال واستقبال سنة أخرى حبلى بالأزمات

رئيس الوزراء يهنئ العراقيين برسائل نصية

TT

لا أحد في العراق لا يريد أن «ينتصر».. لكن حتى مفردة نصر ما زال لها تداعيات وآثار سلبية في عقول العراقيين وضمائرهم ونفوسهم منذ أيام «انتصارات» أم المعارك وأم الحواسم مثلما كان يحلو للرئيس العراقي الراحل صدام حسين تسمية ما كان يعد بحكم الدمار والخراب للعراق. التاريخ يعيد نفسه بل تبدو الإعادة هنا مأساة تتكرر بين كل جيل وجيل في عراق بلاد ما بين النهرين. أمس كان اليوم الأخير في العراق ليس على صعيد نهاية عام واستقبال آخر بل على صعيد آخر مختلف تماما.. يوم يعدل عقدا كاملا تقريبا من السنوات. في عام 2003 دخل الجيش الأميركي لا لغزو العراق واحتلاله طبقا للخطاب السياسي لقوى المعارضة العراقية التي تسلمت فيما بعد زمام السلطة «بل لمساعدة العراقيين في التخلص من حكم الديكتاتور». وبالفعل سقط الديكتاتور بدءا من تمثاله في ساحة الفردوس عصر التاسع من أبريل (نيسان) عام 2003 وحتى العثور عليه في حفرة شمال بغداد في شهر ديسمبر من العام ذاته. اليوم وبعد نحو ثمانية أعوام من الوجود العسكري الأميركي في العراق وحيث تسلمت المعارضة العراقية السابقة الحكم فإنها انقسمت على نفسها حتى وصل هذا الانقسام حد الاتهام بالتخوين والتجريم وفتح ملفات القضاء وانقسمت حيال الأميركيين بين مرحب بوجودهم ورافض له أو حتى متنكر لما قاموا به من أجل معارضة كانت في الشتات لا تتمكن حتى من بلوغ أي منفذ حدودي في العراق، وإذا بها - بفضل المحتلين - تجلس على قمة السلطة في المنطقة التي سميت «المنطقة الخضراء» واختار العديد من زعاماتها قصور صدام السابقة للسكن أو للعمل.

يوم بغداد الأخير عام 2011 بدا مختلفا في كل شيء.. الحكومة تصر على الاحتفال بيوم الجلاء في الأماكن والميادين العامة في بغداد والمحافظات والمطر الذي هطل منذ ساعات الصباح الأولى بعد أكثر من شهرين من آخر زخة مطر استقبله العراقيون بمزيد من الفرح الممزوج بالحذر بسبب تراكم الأزمات السياسية وتدويرها من عام إلى آخر.

ومع أن آخر الأزمات التي يعيشها العراق اليوم والمتمثلة باتهام رموز السنة ومنهم نائب الرئيس طارق الهاشمي بالإرهاب هي الأخطر منذ الوجود الأميركي وحتى رحيل آخر جندي تبدو هي الأخطر على مستقبل العراق برمته فإن رئيس الوزراء نوري المالكي حرص على بعث رسائل نصية تحمل تهانيه للعراقيين بـ«يوم العراق».. نص رسالة المالكي يقول: «كلنا للعراق.. المجد والعز للشعب.. أهنئكم وشعبنا العراقي الأبي بهذا اليوم التاريخي العظيم.. مع احترامي ومحبتي لكم وللعائلة الكريمة.. أخوكم نوري المالكي». بعكس شركائه وخصومه السياسيين معا بدا المالكي وكأنه يتقن حملة العلاقات العامة لدعم موقفه حيال قضية الانسحاب الأميركي والتي يريد أن يجعل منها إنجازا له وليس لشركائه الصدريين الذين يرون أن الانسحاب تم بفعل ضربات «المقاومة المسلحة» الممثلة بلواء «اليوم الموعود» بينما يرى خصوم الصدريين حاليا وشركاؤهم في الماضي عصائب أهل الحق أن الانسحاب تم بفضل ضرباتهم هم. وعلى الطرف السني هناك من يرى أن الأصل في الانسحاب إنما هي المقاومة السنية في المحافظات الغربية التي كان لها الثقل الأكبر في المواجهة لا سيما في الفلوجة وهو ما اعترف به الأميركيون أنفسهم.

وبين هذا وذاك يظل مفهوم «النصر» وطعمه مختلفا عليه بين العراقيين؛ فمنهم من يرى أن الانسحاب مجرد لعبة وانه لا يريد أن يذهب «مجبرا» إلى أي من الميادين التي تجري فيها الحكومة وأحزابها احتفالات النصر. ومنهم من يرى أنه قد لا يتمكن من الاحتفال كما يشاء برأس السنة لا سيما المسيحيين بسبب تزامن ذلك مع طقوس عاشوراء الشيعية. وهناك من يرى أن زخات المطر هي العائق أمامه لإتمام فرحته المؤجلة بين سنة مضت وسنة حلت محلها.. بينما يتهيأ سياسيو العراق إلى أزمة جديدة اسمها المؤتمر الوطني وملف ساخن اسمه ملف طارق الهاشمي.. وكل ذلك بانتظار حلول السنة الجديدة.. الحبلى بالأزمات المدورة.