العيساوي.. القيادي السني التوافقي المعتدل قد يصبح الهدف الثاني للمالكي بعد الهاشمي

تلميحات في الصحافة الحزبية عن «تورط» وزير المالية والقيادي في القائمة العراقية بـ«الإرهاب»

رافع العيساوي يتحدث في مكتبه ببغداد («نيويورك تايمز»)
TT

رافع العيساوي هو رجل مسؤول عن أموال العراق وهو طبيب سني معتدل يحيي ضيوفه ويدين أعداءه باللغة الإنجليزية. وربما يكون هو الزعيم الذي سيُخلع من منصبه في ظل استهداف رئيس الوزراء الشيعي خصومه، ويعد مصيره بمثابة اختبار صعب لدولة تمر بأزمة. وعلى عكس السياسيين السنة الآخرين الذين تعرضوا لهجوم من الحكومة التي يرأسها الشيعة، يُعرف العيساوي باعتباره شخصية توافقية تميل إلى الوفاق، حيث اهتم ببناء الجسور بين الأكراد والشيعة والغربيين. ويمكن أن يؤدي اتخاذ رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي إجراء ضده، إلى المزيد من الانقسامات في دولة ممزقة طائفيا بالفعل ويرسل إشارة سلبية حول إمكانية إقامة حكومة عراقية تضم كافة الأطراف بعد رحيل القوات الأميركية. الجدير بالذكر أن المالكي قد حاول بالفعل تجريد العيساوي من مهامه الوظيفية.

وقدم العيساوي في مكتبه قراءة قاتمة حول وضعه في الأزمة السياسية التي دفعت حكومة الوحدة الوطنية إلى حافة الهاوية وأثارت الشكوك في تأكيد إدارة أوباما أن العراق بات مستقرا ويمكنه الاعتماد على ذاته. الحل الوحيد، بحسب العيساوي، هو قيادة جديدة، حيث قال: «يريد المالكي حاليا التخلص من شركائه وتأسيس دولة ديكتاتورية. إنه يرغب في توطيد حكمه أكثر. وينبغي أن يتم اختيار رئيس وزراء آخر».

ويرى المؤيدون العيساوي، البالغ من العمر 45 عاما، سياسيا قديرا يرتبط جيدا بقلب سنة العراق، في حين يراه منتقدوه رمزا سياسيا يحاول أن يسقط الحكومة من الداخل. ويلقي مصيره غير المؤكد، وهو عمله داخل حكومة يعارضها، الضوء على عالم سياسي غريب متناقض في لحظة غضب شعبي هائل. ويعد العيساوي واحدا من عدد كبير من السياسيين السنة الذين ينتمون إلى القائمة العراقية التي قررت مقاطعة اجتماعات الحكومة وجلسات البرلمان احتجاجا على رفض المالكي تقاسم السلطة، على حد قولهم. ورفض أربعة أعضاء من المجموعة المشاركة في المقاطعة، ويقول محللون سياسيون عراقيون إن المالكي سوف يستغل التفكك داخل الائتلاف ويحاول استقطاب أحد الفصائل إلى جانبه. مع ذلك، يظل وزير المالية هو المسؤول عن ميزانية قدرها 100 مليار دولار ودفع ملايين الدولارات كرواتب ومعاشات. لم يتحدث العيساوي مع المالكي منذ أسبوعين وهاجمه ووصفه بأنه ديكتاتور العراق الجديد. وقدم المالكي يوم الثلاثاء نوعا من التفنيد، فخلال اجتماع معتاد لحكومته، طلب أن يتم اعتبار العيساوي «مريضا وغائبا»، وقال إنه ينبغي تكليف علي شكري، وزير التخطيط والسياسي المتحالف مع رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، وظيفته وهي إعداد الميزانية.

وبرر علي الموسوي، كبير مستشاريي رئيس الوزراء، ذلك بكون أن المالكي يريد العثور على حل مؤقت للتعامل مع ميزانية العراق في غياب العيساوي، مؤكدا أن الأخير سوف يحتفظ بمنصبه كوزير للمالية. على أي حال، رفضت الحكومة وشكري ذلك، بينما رأى العيساوي هذه الخطوة تصعيدا في معركة المالكي مع القائمة العراقية، وكشف عن تلقيه مكالمة هاتفية من شكري تضمنت اعتذاره. وربما تعد هذه المكالمة مؤشرا على إمكانية التغلب على الخلافات الطائفية في العراق الجديد.

ويتسم بعض النقد الموجه للعيساوي بالنبرة اللاذعة، فقد أعاد بعض المسؤولين العراقيين استخدام بعض الاتهامات القديمة بدعم العيساوي لتنظيم «القاعدة في بلاد الرافدين». ومن هؤلاء عبد الحسين حميد، مستشار المالكي، الذي صرح لوكالة «أنباء كردستان» بوجود قضية تتضمن اتهام وزير المالية بدعم اغتيالات لشخصيات سياسية في الفلوجة. وقال حسن السنيد، الحليف المقرب لرئيس الوزراء، إن الحكومة لا تحقق مع العيساوي. وانتشرت تلميحات مماثلة في الصحافة الحزبية قبل أيام من إعلان إصدار مذكرة توقيف بحق نائب الرئيس طارق الهاشمي على خلفية اتهامات بقيادته لفرقة اغتيالات. ويوجد الهاشمي حاليا في إقليم كردستان بشمال العراق تجنبا للقبض عليه، مؤكدا أنه لن يحظى بمحاكمة عادلة في بغداد.

وقال العيساوي إن التهم الموجهة ضده ما هي إلا محض أكاذيب معلبة تستخدم ضد المعارضين. العام الماضي عندما كان العيساوي نائبا للمالكي، أخبر المالكي الجيش الأميركي بأنه يشعر بالقلق من احتمال وجود علاقة بينه وبين إرهابيين. وفي أغسطس (آب) عام 2010، اتخذ راي أوديرنو، الذي كان يتولى حينها منصب قائد القوات الأميركية في العراق، خطوة استثنائية حين أرسل خطابا إلى المالكي باللغة العربية يؤكد له إجراء المحللين في أجهزة الاستخبارات الأميركية تدقيقا للتهم ووجدوا أن لا أساس لها من الصحة. وكتب أوديرنو في الخطاب: «لا يوجد دليل على وجود أي علاقة بين رافع العيساوي وتنظيم القاعدة»، وحصلت صحيفة «نيويورك تايمز» على نسخة من ذلك الخطاب. وقال دبلوماسي غربي رفض ذكر اسمه لتفادي غضب الحكومة العراقية: «إن سجله هو الأكثر نظافة بين السياسيين في العراق. لم نعثر على أي شيء ضده إذا كان به عيب، فسيكون احتمال عدم قدرته على البقاء في ظل السياسة القذرة في العراق».

وتوضح التهم خلفية العيساوي كعربي سني من الفلوجة والتي أصبحت معقل أفراد تنظيم القاعدة والمتمردين بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003. وكان العيساوي، الذي تلقى تدريبه كجراح عظام في بغداد والبصرة، يتولى إدارة مستشفى في الفلوجة، حيث شاهد مقتل المدنيين خلال الحرب. ويقول عبد الستار خدوم، وهو طبيب كان من زملاء العيساوي خلال فترة الدراسة: «لقد كانت له مواقف شجاعة مع الناس في معركة الفلوجة». وفي الوقت الذي هرب فيه العراقيون المتعلمون خلال فترة حكم صدام حسين أو التطهير الطائفي، بقي العيساوي داخل البلاد رغم أن أبناءه اليوم خارج العراق يتعلمون في مدارس في الأردن وكردستان العراق.

وينتمي العيساوي إلى محافظة الأنبار، وكان قادرا على التحرك بين التيارات المختلفة للقبائل العراقية والسياسة المحلية وأصبح شخصية عامة في ائتلاف القائمة العراقية، الذي يضم عدة أحزاب تحظى بدعم الكثير من السنة. وساعد في إعادة بناء وزارة الصحة العراقية، التي كان يستخدمها أتباع مقتدى الصدر في تنفيذ عمليات قتل على أساس طائفي. وكذلك توسط في خلافات ونزاعات بين العرب والأكراد على الحدود الداخلية الفاصلة في شمال العراق.

إنه رجل متدين، يقرأ عن العقيدة، ويثير إعجاب أصدقائه بالطريقة التي يتحدث بها عن القرآن وعن الدين خلال حفلات الزفاف. مع ذلك، فإنه يرى العراق دون طائفية. وهي رؤية تتلاقى مع آمال بعض الغربيين عن العراق، لكنها قد تكون غير رائجة هذه الأيام.

ولا تستطيع الفصائل المتنازعة الجلوس معا على طاولة حوار واحدة، حيث يشعر كل منها بالقلق من أن يُنظر إلى قبول دعوة مقدمة من الطرف الآخر باعتبارها دليلا على الضعف. وخطط الرئيس العراقي جلال طالباني بدعم من الولايات المتحدة لعقد اجتماعات بين الفصائل المختلفة خلال الأسبوع المقبل. وفي ظل وقوف السيارات المدرعة والدبابات الآن على مقربة من مكاتبه في المنطقة الخضراء في بغداد، أعرب العيساوي عن شعوره بالقلق من انتقال الأزمة الحالية إلى مرحلة أكثر خطورة. وقال العيساوي: «الديمقراطية مهددة في العراق. أخشى أن يفقد الشارع الثقة بقادتهم مما يضطرهم إلى اتخاذ قراراتهم بأنفسهم، وهذه خطوة في غاية السوء».

* خدمة: «نيويورك تايمز»