سلفيون و«إخوان» يثيرون مخاوف الصراع الديني بينهما في البرلمان المصري

أبرزها يدور حول تفسير الدولة المدنية والارتداد عن تحريم الانتخابات والصور

TT

يتخوف مراقبون من حدوث صراع ديني - ديني تحت قبة البرلمان المصري بين النواب الإسلاميين، بعد أن تصدّر كل من التيار السلفي والتيار الإخواني المشهد السياسي في البلاد عقب فوزهما بنحو 65 في المائة من مقاعد البرلمان. وبدأ التيار السلفي في الهجوم على دعاة الدولة المدنية مطالبا بدولة «ذات مرجعية إسلامية كاملة»، في وقت هاجم فيه قيادي بجماعة الإخوان، تفسيرات السلفيين، واتهمهم بالارتداد عن مبادئهم التي انشقوا بها عن جماعة الإخوان منذ نحو 33 عاما، ومنها تحريم الغناء والانتخابات والصور.

ويوجد خلاف أصلا حول مدى دور البرلمان في وضع دستور جديد للبلاد في الفترة المقبلة، وصلاحياته في محاسبة الحكومة وعلاقته برئيس الدولة القادم، في وقت تخشى فيه قوى سياسية وبرلمانيون مستقلون من إرباك التيارات الدينية للحياة السياسية، بالمنافسة على رئاسة البرلمان ورئاسة الدولة والضغط على الحكومة أيضا من خلال طرح قضايا ذات طبيعة دينية في معترك العمل النيابي.

وأثار تصريح جديد لقيادي بحزب النور السلفي في مصر جدلا سياسيا بعد أن تحدث فيه عن «أن ما أشيع بأن السلفيين يقبلون بدولة مدنية، هو أمر معاكس للحقيقة بشكل كامل»، وقوله إن الصحيح هو أن التيار السلفي يرفض بشكل كامل مصطلح الدولة المدنية، وإن «الدولة التي نريدها هي دولة ذات مرجعية إسلامية كاملة في الأحكام والمبادئ والأهداف».

ويرى مراقبون أن التيار السلفي الذي حصل على 20 في المائة من مقاعد المرحلتين الأولى والثانية من الانتخابات البرلمانية، يسعى لخوض معركة الدستور مبكرا. وفي بيان له أمس، قال الدكتور محمد نور المتحدث الإعلامي لحزب النور: «إننا نرى أن تفسير المادة الثانية من الدستور التي تنص على أن دين الدولة الرسمي هو الإسلام، يقتضي تلقائيا أن يكون رئيس الدولة مسلما». وأضاف نور أن «الحزب سيسعى إلى أن ينص الدستور القادم على ذلك صراحة»، لافتا إلى أن دساتير كثير من الدول الأوروبية العريقة في الديمقراطية نصت على ديانة رئيس الدولة ومذهبه»، وضرب أمثلة باليونان وإسبانيا ودول من الاتحاد الأوروبي». وقال نور أيضا إن «المجتمع المصري لا يقبل برئاسة المسيحي». وزادت مخاوف الإسلاميين المعتدلين (الأزهر) والمسيحيين والعلمانيين واليساريين بعد حصول التيار الديني المتشدد على أغلبية البرلمان، وهي مخاوف بدأت منذ ظهور محاولات لإصباغ الطابع الديني على الدولة المصرية، بعد سقوط نظام الرئيس السابق حسني مبارك، ما اضطر الأزهر (المؤسسة الدينية الرسمية في البلاد) إلى إطلاق وثيقة لمستقبل مصر في يونيو (حزيران) الماضي، تدعو لدعم تأسيس الدولة المدنية والابتعاد عن الدولة الدينية مع التأكيد على أن الإسلام مصدر التشريع الذي يضمن للمسيحيين الاحتكام إلى شرائعهم الدينية في قضايا الأحوال الشخصية. وجاءت تصريحات التيار السلفي بشأن شكل الدستور والحكم في البلاد مستقبلا، بينما تتحسس جماعة الإخوان المسلمين موضع قدمها وهي على بُعد خطوة من الهيمنة على الأغلبية في البرلمان مع التيار السلفي، قبل انطلاق المرحلة الثالثة من الانتخابات البرلمانية يوم غد (الثلاثاء).

لكن جماعة الإخوان أبدت ترحيبها بـ«الدولة المدنية»، وهو ما أكد عليه صبحي صالح عضو لجنة التعديلات الدستورية القيادي في جماعة الإخوان، بقوله: «رسائل الإمام حسن البنا (مؤسس جماعة الإخوان) في الأربعينات من القرن الماضي، تحدثت عن نظرية العقد الاجتماعي والفصل بين السلطات، واحترام إرادة الأمة، الذي يمكن أن نطلق عليه اليوم الدولة المدنية».

وقال صالح إن «أزمة السلفيين في عدم التفريق بين مصطلح الدولة الدينية والمدنية». واعتبر أن «مصطلح الدولة المدنية والدينية غير واضح بالنسبة للتيار السلفي»، مشيرا إلى أن الدولة الدينية مصطلح ثيوقراطي لا يقبل به أحد، لافتا إلى أن التيار السلفي حتى الآن ليس له مشروع سياسي محدد، وأن الفرق بين «الإخوان» والسلفيين، أن الجماعة تعرف ماذا تريد منذ البداية.

وأضاف صالح لـ«الشرق الأوسط» أن «مشكلة السلفيين، أنهم بدءوا خطأ.. هم انشقوا عن (الإخوان) عام 1979، لأنهم قالوا بتحريم الصور والأناشيد.. ولكنهم، الآن يصورون وينشدون.. وكانوا يعيبون على (الإخوان) العمل بالسياسة، وهم أسسوا حتى الآن ثلاثة أحزاب، وكانوا يقولون الانتخابات حرام.. والآن زاحموا الجماعة فيها، وكانوا يقولون إن مجلس الشعب شرك.. وهم يسارعون إليه قبلنا».

وقال الدكتور عصام العريان النائب الأول لحزب «الحرية والعدالة» الإخواني لـ«الشرق الأوسط» إن «البلاد تمر (الآن) بمرحلة لا يصح فيها أن يحتكر فصيل اتخاذ القرارات.. نحن ثابتون على موقفنا الأول، وهو أننا لن نقدم مرشحا للرئاسة ولن ندعم مرشحا محسوبا علينا». وتابع العريان الذي طرح اسمه بقوة لرئاسة البرلمان المقبل بقوله إن حزب «الإخوان» لن يحسم هذا الملف قبل التشاور مع القوى السياسية.. «والبرلمان ليس رئيسا فقط هناك لجان برلمانية». ومن المقرر أن تنعقد الجلسة الأولى للبرلمان القادم قبل نهاية هذا الشهر. ويرى مراقبون أن حزب «الإخوان» قد يفضل اختيار رئيس توافقي للبرلمان، في مقابل سيطرة قيادات الحزب على رئاسة اللجان النوعية الرئيسية في البرلمان، والتي تعد أساس العمل التشريعي والرقابي في البرلمان. وفيما يتعلق بمصير رئاسة الحكومة، أكد العريان أن حكومة الدكتور كمال الجنزوري سوف تحظى بدعم حزب «الإخوان» ورقابته الشديدة لتحقيق تقدم على صعيد ملفي الأمن والاقتصاد، خلال الأشهر الستة المقبلة التي تسبق تسليم السلطة لرئيس منتخب في مطلع يوليو (تموز) المقبل.