خبراء عسكريون: دول الخليج قد تجبر على حرب لا تريدها

مصادر لـ «الشرق الأوسط»: حكومات خليجية قد تبرم صفقات تسلح إضافية خلال العام الحالي

TT

تجد دول الخليج نفسها مضطرة للاستعداد لاحتمال اندلاع حرب لا تريدها، في ظل التصعيد المستمر بين إيران والولايات المتحدة، فهي تعزز قدراتها الدفاعية الرادعة، على الرغم من أنها لا ترى مصلحة في نزاع ستكون المتضرر الأكبر منه، كما يرى محللون، يأتي ذلك في وقت جرى فيه الإعلان عن صفقتي سلاح ضخمتين لصالح كل من السعودية وإيران، ليتزامن ذلك مع تصاعد التهديدات الإيرانية بإغلاق مضيق هرمز الحيوي، بينما يعكس ذلك وبوضوح سباق تسلح محموما إن لم يكن رادعا، في حرب بات كثيرون يجزمون بحتمية وقوعها، فهو على الأقل يخلق توازن رعب في المنطقة يحول دون وقوع تلك الحرب، بينما تعتبر مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» أنه من المتوقع أن تبرم حكومات خليجية صفقات أسلحة إضافية، خلال العام الحالي.

لكن هذا الخوف من الحرب التي إن اندلعت فإنها ستكون مفتوحة على كل الاحتمالات، يقابله في نفس الوقت رغبة خليجية في لجم طموحات إيران الإقليمية، ويرى المحلل العسكري رياض قهوجي، رئيس مؤسسة «الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري» (انيغما) أنه «لا أحد في دول الخليج يريد الحرب، والجميع يستعد لاحتمال وقوعها.. هذا هو الجو»، مضيفا أن دول الخليج ستدخل الحرب مع إيران إذا ما ضربت هذه الأخيرة أهدافا على أراضيها، ردا على ضربة أميركية أو إسرائيلية، لا سيما القواعد الأميركية في البحرين والكويت وقطر والإمارات.

وتصاعدت المخاوف من اندلاع نزاع في الخليج، مع اقتناع الغرب بأن إيران باتت على وشك امتلاك القدرة على تصنيع أسلحة نووية، وصعدت إيران لهجتها وهددت مرارا بإغلاق مضيق هرمز الذي تسيطر على ضفته الشمالية، وهو مضيق يمر من خلاله 35 في المائة من النفط المنقول بحرا في العالم.

وأبرمت السعودية قبيل نهاية 2011 عقدا تبلغ قيمته 29.4 مليار دولار لشراء 84 طائرة من صنع «بوينغ» من طراز «إف - 15 إس إيه»، وتحديث سبعين طائرة أخرى موجودة لديها، وبعيد الإعلان عن الصفقة مع السعودية، أعلنت الولايات المتحدة صفقة بقيمة 3.48 مليار دولار لبيع الإمارات نظاما دفاعيا صاروخيا متطورا، هو نظام «ثاد»، المتخصص في رصد واستهداف صواريخ على ارتفاعات شاهقة.

وكانت الولايات المتحدة والسعودية كشفتا عن اتفاق بقيمة 1.7 مليار دولار في وقت سابق من 2011، لتعزيز بطاريات صواريخ «باتريوت» السعودية، واشترت الكويت 209 صواريخ من طراز «جيم - تي» بقيمة 900 مليون دولار.

ويرى رياض قهوجي أن صفقات التسلح تهدف للاستعداد، وأيضا للردع وتجنب الحرب التي ستضر بشدة اقتصادات دول الخليج المنفتحة والقائمة على النفط، إضافة إلى السياحة والخدمات والمصارف والنقل.

وتملك الولايات المتحدة قواعد في أفغانستان وتركيا والكويت والبحرين، حيث مقر الأسطول الأميركي الخامس، وقطر، حيث مقر القيادة الأميركية الوسطى، إضافة إلى وجود عسكري في الإمارات والعراق، وبحسب الموقع، فإن الصواريخ الإيرانية «تستطيع الوصول» إلى جميع هذه القواعد.

وفي موازين القوى التقنية البحتة، يجمع الخبراء على امتلاك دول مجلس التعاون الخليجي تفوقا نوعيا على إيران، بينما تملك الأخيرة تفوقا عدديا، إضافة إلى قدرتها المفترضة على تحريك مجموعات مرتبطة بها داخل دول الخليج. ودعا رئيس الوزراء القطري، الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، دول الخليج إلى المساهمة في حل الأزمة بين إيران والغرب. ولطالما سعت قطر في السابق إلى التقارب الخليجي - الإيراني، إلا أن تباعدهما بات كبيرا، بسبب الأزمة السورية.

وقال الشيخ حمد في تصريحات نشرتها وكالة الأنباء الكويتية: «أعتقد أن أفضل طريقة هي مشاركتنا كدول خليجية في أي عملية تهدف لحل المشكلة بين الغرب وإيران (فمن مصلحتنا جميعا عدم وجود صراعات في المنطقة)».

وأكد الشيخ حمد أن الخليجيين «قلقون بالطبع» لتصاعد السجال الإيراني - الأميركي، وقال: «جربنا طبيعة الصراع العسكري ونعلم جميعا أنه لا يوجد فائز في تلك الصراعات، خاصة بالنسبة للبلدان المحيطة بالخليج». وفي كل الأحوال، لا تبدو دول الخليج شريكة في اتخاذ قرار الحرب مع إيران، وهو قرار ستكون أكبر المتضررين منه، وقال المحلل السياسي الكويتي، سامي الفرج، لوكالة الصحافة الفرنسية: «هناك ساعة تدق ونحن لا نستطيع في الخليج أن نتحكم في هذه الساعة»، في إشارة إلى احتمال توجيه ضربة أميركية أو إسرائيلية لإيران، مشددا على أن «الضرر الأكبر سيكون على دول الخليج، فنحن في مرمى الصواريخ الإيرانية».

ويرى كل من قهوجي والفرج أن نقطة الضعف الكبرى للدول الخليجية هي كون الجزء الأساسي من نشاطها النفطي والاقتصادي والبشري، إضافة إلى المنشآت الاستراتيجية المهمة، على ساحل الخليج، أي في مرمى القذائف الصاروخية الإيرانية التي لا تشملها الأنظمة الدفاعية الرئيسية للخليجيين، أي الباتريوت والثاد.

وإضافة إلى التهديدات الخارجية، تجد دول الخليج نفسها أيضا مضطرة للتعامل مع خطر «خلايا نائمة»، يشتبه في أن إيران تنشرها في المنطقة، وذلك فيما يبدو الشحن الطائفي السني الشيعي في أوجه في الخليج والدول العربية، بعد الأحداث في البحرين وسوريا.

وقال قهوجي: «نسمع عن إجراءات وقائية في كثير من الدول في المنطقة في التعامل مع خلايا نائمة تابعة لإيران»، في إشارة إلى معلومات عن عمليات ترحيل مفترضة لأشخاص يشتبه في ارتباطهم بإيران، لكن الرغبة في تجنب الحرب ترافقها رغبة في كبح النفوذ الإيراني، الذي ما انفك يتعاظم في السنوات الأخيرة من أفغانستان إلى لبنان وصولا إلى اليمن والسودان.

وقال الفرج: «هناك مدرستان في الخليج: مدرسة ترفض الحرب بتاتا إلا إذا فرضت فرضا، ومدرسة ترى أن تدخلات إيران الإقليمية في العراق وسوريا ولبنان إضافة إلى اليمن والسودان مع تأجيج التوترات الطائفية (في البحرين وشرق السعودية)، كلها أمور لا يمكن التعامل معها إلا بهزيمة إيران استراتيجيا، عبر إفشال مشروعها الإقليمي، وليس بالضرورة من خلال حرب»، وأشار إلى أن المدرسة الثانية «باتت أقوى» مؤخرا.