حي الميدان.. مركز المظاهرات العصي على النظام

يضم جامع الحسن صاحب التاريخ الطويل في المعارضة

TT

ما إن اندلعت الثورة السورية ضد نظام بشار الأسد حتى استحوذ حي الميدان، جنوب مدينة دمشق، على خصوصية في مشهد الانتفاضة؛ ففي كل يوم جمعة تتوجه أنظار الدمشقيين نحو الحي العريق بانتظار خروج المصلين من الجوامع والهتاف لإسقاط الرئيس السوري بشار الأسد.. أبرز هذه الجوامع، جامع الحسن الذي يعد من أهم المساجد في العاصمة السورية، إضافة إلى جامع الدقاق والخانقية ومنجك التي تتسم بطابع تراثي.

الحي الذي تعرض لانفجار كبير، أمس، راح ضحيته العشرات بين قتيل وجريح، كثيرا ما شكل كابوسا بالنسبة لأجهزة الأمن السورية، حيث يتحول كل يوم جمعة إلى ثكنة عسكرية، فتتوافد إليه حافلات (باصات) كبيرة تمتلئ بعناصر الأمن و«الشبيحة» متمركزة عند أبواب الجوامع ومفارق الطرقات المؤدية إليها. وغالبا ما تبدأ الإجراءات الأمنية مساء الخميس فتحضر بعض الدوريات وتمشط المنطقة بحذر، وفقا لأحد الناشطين.

وقد نُشر على مواقع المعارضة السورية الكثير من الفيديوهات التي تظهر اعتداء أجهزة الأمن و«الشبيحة» على المصلين الخارجين من جوامع الحي والمنادين بإسقاط نظام الأسد وتحقيق الديمقراطية في البلاد. وتبين الفيديوهات عناصر الأمن وهم يستخدمون العصي الكهربائية والسكاكين، وغالبا ما يطلقون النار في الهواء لتخويف المتظاهرين.

ومع إصرار السوريين على الخروج في مظاهرات منددة بنظام الأسد ومطالبة بإسقاطه، تحول الحي الذي يمتد مسافة كيلومترين ونصف الكيلومتر إلى بؤرة للاحتجاج السلمي يستقطب أفرادا من أحياء دمشقية أخرى يرغبون في التعبير عن تضامنهم مع الثورة السورية والمشاركة في تحقيق أهدافها.

ويلفت مراقبون إلى أن أهمية حي الميدان وإصرار أهله على التظاهر ضد نظام الأسد، تأتي بسبب وجود جامع الحسن في وسطه. فالجامع الذي يتسع لأكثر من 3 آلاف، يمتلك تاريخا طويلا في معارضة حكم عائلة الأسد؛ فمنذ الشيخ حسن حبنكة الذي بنى الجامع وسمي باسمه، ومعظم المشايخ الذين يتوالون على المسجد، لا يظهرون ولاء صريحا للنظام الحاكم.

ويسرد عبد الرحمن حبنكة، ابن الشيخ حسن، في كتاب أصدره بعد نفيه خارج البلاد، أن والده تصادم كثيرا مع الرئيس الراحل حافظ الأسد ولم يتمكن الأسد من إيذائه بسبب الشعبية الكبيرة التي يتمتع بها داخل المجتمع الدمشقي المتدين، ليتوالى على الخطابة في المسجد في ما بعد الشيخ كامل الحافي والشيخ حسين خطاب والشيخ عبد القادر الأرناؤوط والشيخ محمد شقير والشيخ الدكتور مصطفى البغا والشيخ عمر حوري، وجميعهم ساروا على نهج الشيخ حبنكة في انتهاج الوسطية الدينية ورفض ممالأة نظام الحكم.

ولعل الشيخ محمد كريّم راجح، الذي يتولى الخطابة في مسجد الحسن هذه الفترة أبرز من جسد هذا النهج، وفقا للمراقبين، حيث قدم استقالته لوزارة الأوقاف احتجاجا على ممارسات رجال الأمن بحق المتظاهرين، ليعود في ما بعد ويتراجع عنها تحت ضغط أهالي الميدان وحبهم له، إلا أن السلطات السورية اتخذت قرارا بمنع الشيخ من الخطابة، بعد العديد من الرسائل التي وجهها إلى الرئيس السوري من فوق منبر المسجد، يدعوه فيها إلى وقف العنف ضد المتظاهرين المدنيين.

حي الميدان الذي قصفه الفرنسيون مرتين في فترة الانتداب وقد دمرت الكثير من معالمه، بسبب مقاومة أهله للاحتلال ومطالبتهم إياه بالخروج من أرضهم، حارب أهله إلى جانب أشقائهم في حي الشاغور بقية أحياء دمشق والمدن السورية الاحتلال الفرنسي بضراوة ودافعوا عن بلادهم بشجاعة، كما يذكر المؤرخون. ولعل واحدا من العناصر التي تجعل الحي عصيا على أجهزة الأمن بما يخص إيقاف المظاهرات فيه، هو الترابط الأسري والاجتماعي الذي يمتاز به أهالي الحي، هذا ما يجعل التجمع والخروج في مظاهرات أسهل بكثير من بقية المناطق.

ولم ينقطع الحي عن التظاهر ضد نظام الأسد، وبخاصة أيام شهر رمضان المبارك، حيث تحول إلى مقصد للمعارضين. وسقط من أبنائه نتيجة قمع أجهزة الأمن السورية العديد من القتلى؛ منهم: معتز الشعار، وأحمد دكار، والطفل إبراهيم الشيباني. ويعتبر حي الميدان المركز الرئيسي لمطابخ الحلوى والمأكولات منذ عشرات السنين في دمشق التي طور سكانها هذه الصناعة ووسعوها لتصل شهرة حلوياتها إلى كل أنحاء العالم وتصبح المدينة العريقة مركزا عالميا لهذه الصناعة.