مواد جديدة فعالة لإزالة انبعاثات غاز أكسيد الكربون من المداخن والغلاف الجوي

يستخدم فيها بوليمر شائع الاستعمال ورخيص ويمكن إعادة تدويرها واستخدامها مرات عديدة

انبعاثات غازية
TT

التحكم في انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، أحد أكبر التحديات التي تواجه البشرية في القرن الحادي والعشرين. وتتسبب هذه الانبعاثات، مع غيرها من غازات الاحتباس الحراري، في تفاقم ظاهرة التغيرات المناخية، التي تعد مشكلة حقيقية عالمية، تسببت في العديد من الكوارث والأخطار الطبيعية مثل الفيضانات والجفاف وموجات الحر والأعاصير، وما تشكله من تداعيات وآثار مدمرة على المجتمعات والدول.

وتعد تقنية احتجاز وتخزين غاز ثاني أكسيد الكربون (CCS) (Carbon Capture and Storage)، إحدى التقنيات والأساليب والجهود الأساسية الدولية الجديدة والمهمة في إدارة الكربون، التي تسهم بشكل كبير في الحد من آثار انبعاثات الكربون في الغلاف الجوي ومواجهة تحديات ظاهرة التغير المناخي والاحتباس الحراري.

وفي 4 يناير (كانون الثاني) الحالي، أعلنت الجمعية الكيميائية الأميركية، عن تمكن العلماء من اكتشاف طريقة محسنة لإزالة غاز ثاني أكسيد الكربون- غاز الدفيئة الرئيسي الذي يسهم في ظاهرة الاحتباس الحراري- من المداخن والمصادر الأخرى والغلاف الجوي، وذلك بنسبة أعلى من أي وقت مضى، وقد نشرت نتائج هذه الدراسة، مؤخرا في مجلة الجمعية الكيميائية الأميركية.

فقد تمكن فريق بحثي من علماء جامعة جنوب كاليفورنيا الأميركية، ضم كلا من، آلان جوبير عالم الأبحاث بمعهد بحوث المواد الهيدروكربونية بالجامعة، وسيريا براكاش أستاذ الكيمياء العضوية والبوليمرات بالجامعة، وجورج أولاه (الحائز على جائزة نوبل في الكيمياء عام 1994) وأستاذ الكيمياء العضوية بالجامعة، وزملائهم، من إزالة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بكفاءة وسهولة من المداخن والغلاف الجوي مباشرة ومن مصادر أخرى، باستخدام مواد صلبة جديدة تستند أساسا على مادة بوليمرية تسمى (PEI) (polyethylenimine) وهي مادة بوليمرية متوفرة ورخيصة، حيث إنها متاحة للبيع تجاريا بتكلفة منخفضة (البوليمر سلسلة طويلة من الجزيئات أو الوحدات المتكررة، ذات خواص فريدة). وقال الباحثون إن هذه المواد الجديدة فعالة، وتتغلب على العوائق الموجودة بالطرق الحالية لإزالة ثاني أكسيد الكربون، والتي منها أنها لا تعمل بشكل جيد وكثيفة الاستخدام للطاقة وعوائق أخرى.

وأشار الباحثون إلى أن مادة التقاط ثاني أكسيد الكربون البوليمرية، سهلة الإعداد، وتنطلق بسهولة لمحاصرة ثاني أكسيد الكربون وامتصاصه من الغلاف الجوي وحتى عند وجوده بتركيزات منخفضة جدا، وفي عوامل إعاقة مثل الرطوبة، كما أن هذه المواد البوليمرية الجديدة يمكن إعادة تدويرها وإعادة استخدامها مرات عديدة، دون أن تفقد فعاليتها، كما أن هذه المواد يمكن استخدامها في الصناعة والغواصات والمداخن وأنظمة تنقية الهواء وأجواء الغلاف الجوي المفتوح، لتنظيف التلوث بثاني أكسيد الكربون الناتج من مصادر صغيرة مثل السيارات وأجهزة التدفئة بالمنازل، التي تمثل نحو نصف إجمالي انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون المتصلة بالنشاط البشري.

وفكرة التقاط واحتجاز غاز ثاني أكسيد الكربون، تعود إلى عالم الفسيولوجيا (علم وظائف الأعضاء في الكائنات الحية) الهولندي يان إينجنهاوسز (1730-1799)، الذي وضع مبادئ عملية التمثيل الضوئي (photosynthesis) التي فيها يأخذ النبات ثاني أكسيد الكربون من الجو ويعطي غاز الأكسجين. وفي عام 1999 نشر البروفسور كلاوس لاكنر أستاذ الجيوفيزياء (علم فيزياء الأرض) ومدير مركز «لينفست «(Lenfest) للطاقة المستدامة بمعهد الأرض بجامعة كولومبيا الأميركية، مع فريقه البحثي مقالا بعنوان «استخلاص ثاني أكسيد الكربون من الجو»، ثم نشر في مجلة «ساينس» العلمية الأميركية الشهيرة بعدد 13 يونيو (حزيران) مقالا بعنوان «التغير المناخي: دليل لعزل ثاني أكسيد الكربون). ومنذ ذلك الوقت، تم اقتراح العديد من التقنيات لالتقاط ثاني أكسيد الكربون، منها استخدام الأملاح المنصهرة وأنواع معينة من البكتيريا، ولكن العديد من هذه التقنيات لم تكن فعالة بصورة كافية لإزالة أجزاء صغيرة من تركيزات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي.

وتقنية التقاط وتخزين الكربون، تتمثل في التقاط غاز ثاني أكسيد الكربون المنبعث بكميات كبيرة أثناء احتراق الوقود الأحفوري من الأغراض الصناعية ومحطات توليد الطاقة، ونقله عبر شبكة أنابيب واحتجازه وتخزينه في باطن الأرض في تكوينات جيولوجية وصخرية عميقة مثل حقول النفط والغاز الطبيعي المستنفدة والأحواض الطبيعية والكهوف الصخرية.

وتتلخص كيفية احتجاز وتخزين الكربون، في فصل غاز ثاني أكسيد الكربون من مصادر الانبعاثات المختلفة وقبل خروجه من المداخن، ثم تجفيفه وضغطه وتحويله إلى سائل، ثم نقله عبر خطوط الأنابيب إلى محطات التخزين، التي تضخها إلى خزانات في باطن الأرض في تكوينات جيولوجية وصخرية، وفي النهاية تختم مواقع التخزين وتراقب من قبل الخبراء والفنيين للتأكد من عدم وجود أي آثار جانبية على الصحة والسلامة العامة والبيئة.

وفقا لتقرير صادر عام 2010، بعنوان «وضع المشاريع المؤقتة لالتقاط وتخزين الكربون» (The Status of CCS Projects Interim Report)، عن «المعهد العالمي لالتقاط الكربون وتخزينه» باستراليا، والذي جاء فيه أن هناك 80 مشروعا ضخما ومتكاملا لالتقاط وتخزين الكربون حول العالم. و«المعهد العالمي لالتقاط الكربون وتخزينه». وموقعه الإلكتروني (www.globalccsinstitute.com)، مقره في العاصمة الاسترالية كانبيرا، وتم تأسيسه رسميا في أبريل (نيسان) من العام 2009، ويعمل المعهد بالتعاون مع العديد من الدول والهيئات والمنظمات لبناء وتبادل الخبرات اللازمة لضمان التقاط الكربون وتخزينه، والتي يمكن أن يكون لها تأثير كبير على خفض انبعاثات الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري العالمية.

ومن بين الثمانية مشاريع الكبيرة المتكاملة في مرحلة التشغيل لاحتجاز الكربون وتخزينه (CCS) حول العالم، التي أشار إليها المعهد العالمي لالتقاط وتخزين الكربون: مشروع عين صالح بالجزائر (In Salah Co2)، وموقعه الإلكتروني (www.insalahco2.com)، ويعمل منذ عام 2004، ويتم دعمه من وزارة الطاقة الأميركية والاتحاد الأوروبي، وقد تم احتجاز وتخزين أكثر من 3 ملايين طن من غاز ثاني أكسيد الكربون خلال إنتاج الغاز الطبيعي، وتم تخزينها بصورة آمنة في التكوينات الجيولوجية على عمق 1800 متر. ومشروع «سنوفيت» (Snohvit Co2) بالنرويج، وفيه يتم سنويا فصل وتخزين نحو 7 ملايين طن من ثاني أكسيد الكربون من الغاز الطبيعي المنتج، ويتم تخزينه على عمق يصل إلى 2600 متر في تشكيل من الحجر الرملي تحت قاع البحر. ومشروع «ويبورن» (Weyburn) بكندا، حيث يتم التقاط وتخزين نحو 2.8 مليون طن سنويا من ثاني أكسيد الكربون، من محطة لتغويز الفحم (أي تحويل الفحم الحجري إلى غاز) في ولاية داكوتا الشمالية الأميركية، ترتبط بمشروع للاستخراج المعزز للنفط في ويبورن الكندية. ومشروع مصنع «إنيد» (Enid) للأسمدة في الولايات المتحدة، حيث يرسل المصنع 675 ألف طن من ثاني أكسيد الكربون لاستخدامها في تقنيات الاستخلاص المعزز للنفط.

أصبحت هناك ضرورة عاجلة، ضمن الجهود المبذولة للحد من التأثيرات المتزايدة لظاهرة التغير المناخي والاحتباس الحراري ولضمان أنشطة ومشروعات تنموية نظيفة، للتوجه نحو التوسع في مشاريع تقنيات التقاط ثاني أكسيد الكربون وتخزينه في التكوينات الجيولوجية العميقة في باطن الأرض والتأكد من مدى مطابقتها للمعايير العالمية المستخدمة في هذا المجال، حرصا على سلامة وصحة كوكب الأرض الآخذة في التدهور وكذلك صحة وسلامة سكانه.