جندي سوري منشق: السلطات هي التي أجبرتني على ذلك

السوري الذي ولد وترعرع في ألمانيا: هتلر مات في ألمانيا لكنه عاد إلى الحياة مرة أخرى في سوريا

الجندي السوري المنشق
TT

يتذكر عمار شيخ عمر المرة الأولى التي تلقى فيها أوامر بإطلاق النار على حشد من المتظاهرين السوريين. صوب فوهة بندقيته «AK - 47» فوق رؤوسهم مباشرة، ودعا الله ألا يجعل منه قاتلا وضغط على الزناد.

نشأ عمر، 29 عاما، النحيل صاحب النبرة الهادئة، وهو ابن لأبوين سوريين هاجرا إلى ألمانيا في الخمسينات، في ريدا فيندنبروك، القرية الغنية التي تعود منازلها نصف الخشبية إلى القرن السادس عشر، حيث استمع إلى ماريا كاري، وكان يراوده حلم العودة إلى سوريا يوما ما.

واليوم لا يزال يحاول أن يعي ذلك التحول غير المتوقع من طالب ألماني ملتزم إلى قاتل لحساب حكومة الرئيس بشار الأسد الوحشية، ثم إلى منشق في النهاية. ويقول عمر، أثناء لقائه في مقهى في هذه المدينة الحدودية التركية: «كنت فخورا بجنسيتي السورية، لكني بدلا من ذلك تحولت إلى جندي لنظام يهدف إلى قتل أبناء شعبه. أنا أحمد الله كل يوم على أنني ما زلت حيا».

وتشير جماعات حقوق الإنسان وناشطون سوريون إلى أنه واحدا من آلاف الجنود السوريين الذين وجدوا أنفسهم فجأة جنودا لحكومة تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أنها قتلت أكثر من 5.000 شخص منذ بداية الأعمال القمعية ضد المتظاهرين في مارس (آذار) الماضي.

عادة ما تبدأ سن التجنيد الإلزامي في سوريا في الثامنة عشرة، لدى أبناء الطائفة السنية الذين يشكلون الجزء الأكبر من الجيش والأقلية العلوية الذين ينتمون إلى نفس الطائفة الدينية التي يتبعها الرئيس الأسد، والذين يحتلون المراتب العليا في الجيش أو في جهاز أمن الدولة. وقد التحق عمر، الذي تلقى تعليما عاليا، والذي يجيد العربية، بوحدة أمنية ملحقة بوزارة الداخلية.

وتشير تقديرات منظمات حقوق الإنسان إلى أن هناك ما لا يقل عن 5.000 منشق، حيث يصعب تحديد الرقم الحقيقي بسبب اختباء الكثيرين. وتقول أولي سولفانغ، الباحثة في منظمة «هيومان رايتس ووتش»، التي التقت عشرات من الجنود السوريين المنشقين بما فيهم عمر: «حكاية عمر المفزعة تتشابه إلى حد بعيد مع نماذج أخرى تم فيها نشر جنود في مناطق بعيدة عن مدنهم الرئيسية للتأكد من أنهم سيكونون أقل احتمالية لرفضهم أوامر بالقتل. وقد كان أحد المحظوظين، لأنه نجح في الهرب».

ولا توجد وسيلة لتأكيد الكثير من رواية عمر حول رحلته في التحول إلى أجير لحكومة الأسد. وعلى الرغم من اعتراف الكثير من منظمات حقوق الإنسان والناشطين العاملين في سوريا بأنها تتشابه من حالات المئات من المنشقين الذين فروا خارج البلاد، فإنها لا تزال قصة رجل واحد. بدأت فصول قصة عمر عام 2004 عندما غادر ألمانيا قاصدا مدينة حلب، الواقعة شمال سوريا، بهدف التواصل مع جذوره ودراسة القانون، وإجادة اللغة العربية والعثور على زوجة له.

نجح عمر في القيام بكل ذلك، فالتحق بكلية الحقوق، وتزوج طبيبة، وفي النهاية رزق بطفل. في الوقت ذاته انتقل والداه إلى حلب بناء على رغبة والده الذي أراد أن يمضي ما تبقى له في مسقط رأسه.

في أواخر عام 2010 خضع عمر للتجنيد الإلزامي، قبل أسابيع قليلة من أن يحرق بائع الفاكهة التونسي نفسه ويطلق موجات من المظاهرات الإقليمية التي انتقلت إلى سوريا. ويقول عمر الذي كان يشعر على الدوام بأنه غريب في ألمانيا، كنت فخورا بخدمة الحكومة. كان الجنود يقولون في البداية إن هدفهم الرئيسي هو الدفاع عن سوريا ضد إسرائيل. لكن عندما اندلعت المظاهرات قيل لهم إن المتظاهرين «إرهابيون» أو «عصابات مسلحة» ترعاها قوى أجنبية. وكان استخدام الهواتف الجوالة أو المحطات التلفزيونية غير الرسمية أو الإنترنت محظورا. وكان من يخرق هذه القواعد يعاقب بالحبس لمدة تصل إلى شهرين.

كان أول انتشار لعمر في مدينة درعا الجنوبية القريبة من الحدود الأردنية، حيث أرسل هو ووحدته القوية المكونة من 350 فردا في مارس (آذار) للمساعدة في قمع المظاهرات العنيفة هناك. وأشار إلى أنه تلقى أوامر باعتقال وإطلاق الرصاص على العشرات من المحتجين، بما في ذلك الكثير من الطلبة الصغار الذين كتبوا على الجدران شعارات معادية للحكومة.

وقال: «كان الجيش بحاجة إلى الجميع. كان غاية في الوحشية. لكن إذا ما كان إلى جوارك ضابط في المخابرات، فلن يكون لديك خيار سوى إطلاق النار».

وأشار عمر إلى أن كل جندي كان يزود بـ60 رصاصة ويمنح ذخيرة جديدة كل ليلة. كانت وحدته تطلق الرصاص على المتظاهرين من فوق الأسطح المشرفة على المسجد وقتلت ما لا يقل عن ستة أشخاص وأصابت العشرات. غير أن أحد رفاقه في الوحدة بدأ في الصراخ بشكل هستيري عندما أدرك أن أخاه، البالغ من العمر 18 عاما، كان بين المتظاهرين في الشارع، لكنه قتل، ودفنه الجنود بعد يومين.

قال عمر الذي بدا فزعا مما رآه، إنه عزم بعدها على الهرب. لكنه قبل أن يتمكن من ذلك أرسل إلى دوما، شمال شرقي دمشق للعمل في الوحدة الأمنية الخاصة باستجواب المعتقلين.

وقال عمر إنه طلب منه أن يدون ملاحظات خلال استجواب السجناء، البعض منهم كان في عمر الخامسة عشرة. كان المتظاهرون يجلبون معصوبي الأعين ويجبرون على الوقوف بملابسهم الداخلية وأيديهم مكبلة خلف ظهورهم. كانت التحقيقات يقوم بها أربعة أو خمسة جنود وضباط في غرفة مظلمة بلا نوافذ. وأشار إلى أن ضابط التحقيق أمره بكتابة اعترافات يذكر فيها أسماء قادة المظاهرات، وطُلب من المعتقلين وضع بصمات أصابهم عليها بدلا من التوقيع نظرا لأن أيديهم كانت موثقة إلى الخلف، ولم يكونوا ليعلموا ما يوقعون عليه.

وأضاف عمر «لإجبار المعتقلين على الاعتراف، كان الجنود يعذبون المعتقلين بالعصي الكهربائية وضربهم أو التبول عليهم. البعض منهم نجا والبعض الآخر نزف بغزارة، والكثير منهم اختفى».

ويذكر إحدى المرات التي حضر فيها التحقيق بالقول: «سألهم الجنود لمعرفة السبب الذي دفعهم إلى النزول إلى الشارع وعن الشخص الذي قدم لهم الأموال لذلك. كان المنظر مؤلما. في البداية لم أتمكن من النوم لكني بدأت في التعود على ذلك بعد فترة من الوقت».

ومع اكتساب المظاهرات الزخم خلال فترة الصيف، أرسل عمر إلى مدينة حماه وسط دمشق، حيث أعفي من حمل البندقية وأعطي بدلا من ذلك درعا ومسدس صواعق. ومع نزول عشرات الآلاف إلى الشوارع في حماه تمنى أن يختفي في الزحام. وفي ظهيرة السادس والعشرين من يوليو (تموز) قال إنه قرر هو واثنان من زملائه من الضباط الهرب من قاعدة الجيش السوري، وارتدوا ثيابا مدنية وقفزوا من فوق سور القاعدة.

لجأ عمر ورفاقه في البداية إلى منازل الثوار، ثم تنكروا بعد ذلك لإخفاء هويتهم. وخشية أن يتعرض للخطف أو السجن في سوريا تحت ذريعة واهية، قام عمر بتصوير فيديو نشره على «يوتيوب» يعلن فيه انشقاقه عن الجيش.

توجه الضباط المنشقون إلى الحدود التركية في وضح النهار وفي النهاية تخلوا عن سيارتهم ومشوا عبر الغابات لتجنب القبض عليهم وفي صباح الثلاثين من يوليو عبروا بطريقة غير شرعية إلى هاتاي، حيث التقوا بأفراد من «الجيش السوري الحر» واستقروا في مخيم اللاجئين.

قام عمر، الهزيل والشاحب، بتصوير فيديو جديد نشره على «يوتيوب»، قال فيه إنه خجل من أنه كان جزءا من قوات الأسد. وقال، وهو يرتدي زي «الجيش السوري الحر» ومعه العلم السوري: «لن أنسى جثث القتلى من الشباب والرجال، ولن أنسى أيضا النساء والأطفال في الشوارع».

وأضاف مناشدا ألمانيا بشكل مباشر، قائلا «هتلر مات في ألمانيا لكنه عاد إلى الحياة مرة أخرى في سوريا».

وقد ساعدته ألمانيا مؤخرا في الخروج من المخيم حتى يتمكن من الحصول على إقامة في تركيا.

وانضم عمر إلى جيش الثوار، الذي يبلغ قوامه 10.000 جندي، والذي تعهد بحماية المدنيين من الحكومة. وهو الآن يساعد في تهريب الثوار المصابين إلى تركيا، الذين يأوي بعضهم في منزله. وأكد أنه يدعم المظاهرات السياسية، لكنه حذر بالقول: «لن نستطيع مواجهة الأسلحة بالكلام والشعارات فقط».

وأوضح عمر أنه يخشى على عائلته، بما في ذلك زوجته وابنته البالغة من العمر عاما واحدا ووالداه. فبعد فراره أقيل أخو زوجته من عمله كمهندس معماري، وتعرض منزل العائلة في حماه للتخريب.

لكنه قال إنه ليس نادما «لأن أسرتي تعلم أنني اتخذت القرار الصائب».

* شارك دانيال إيتر في كتابة هذا التقرير

* خدمة «نيويورك تايمز»