جنوب السودان: تهديدات الخرطوم بالرد عسكريا ليست جديدة وتؤكد استعداداتها للمواجهة

علي كرتي: السودان يتطلع إلى مزيد من التعاون مع الصين في مجالي الزراعة والتعدين

جندي من دولة جنوب السودان خلال احتفال بيوم الاستقلال (نيويورك تايمز)
TT

اعتبر مسؤول في دولة جنوب السودان تهديدات السودان بالرد عسكريا على جوبا بأنها ليست جديدة. وقال إن الخرطوم لم توقف قصفها الجوي على أراضي الجنوب واحتلال أجزاء منها منذ فترة طويلة، نافيا تصريحات لمسؤول محلي في محلية فاريانق بأن جيش الجنوب شارك في معارك ببلدة جاو، مشددا على أن البلدة أصلا تقع داخل أراضي دولة جنوب السودان.

وقال فيليب أقوير المتحدث الرسمي باسم جيش دولة جنوب السودان لـ«الشرق الأوسط» إن تهديدات الحكومة السودانية بالرد عسكريا على دولته ليست بجديدة. وأضاف أن الخرطوم أصلا لم توقف قصفها الجوي على بلدات داخل حدود الجنوب وبشهادة الأمم المتحدة، وقال «الشعبان في الدولتين لا يقبلان العودة إلى الحرب، ولكن منطق الخرطوم هو البحث عن الحروب للهروب من مشاكلها الداخلية». وشدد على أن بلاده مستعدة لمواجهة أي عدوان على أراضيها. وقال «الجيش الشعبي يحمي الآن حدود البلاد، ومستعدون للدفاع عن أراضينا بكل ما أوتينا من قوة»، نافيا ما صرح به معتمد محلية فاريانق الواقعة في ولاية الوحدة، الذي أشار إلى أن جيش الجنوب طرد القوات المسلحة من بلدة جاو في ذات الولاية، وأن جنود الجيش يتلقون علاجهم في مدينة بانتيو، مما اعتبرته الخرطوم دليل اعتراف من حكومة الجنوب. وقال أقوير إن بلدة جاو أصلا جنوبية، وإن جيشه لم يدخل في أي معارك مع القوات المسلحة السودانية. وأضاف «هذا الحديث غير صحيح لأننا لم ندخل في معارك مع القوات السودانية في أي موقع»، واصفا الحديث عن وجود أسلحة إسرائيلية في الجنوب بالدعاية الرخيصة.

وقال إن بلاده إن أرادت التسلح من تل أبيب أو أي دولة أخرى فلن يكون عملا سريا. وأضاف «نحن دولة مستقلة نتخذ من القرارات التي تحقق مصالحنا بما فيها التسلح، لكننا لم نصل إلى ذلك مع أي طرف».

من جانبه، كان العقيد الصوارمي خالد سعد المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة قد أعلن في تصريحات صحافية أن الجيش الشعبي لحكومة الجنوب اعترف اعترافا كاملا بهجومه على بحيرة الأبيض وتحمل المسؤولية كاملة في هذا الاعتداء الصارخ، وذلك من خلال تصريحات مابيك بيلكوي محافظ منطقة فاريانق بولاية الوحدة التي جاء الهجوم من جانبها، حيث تحدث لموقع «سودان تربيون» عن خسائر الجيش الشعبي في المعركة، وأن مصابيه يتلقون العلاج بمستشفى بانتيو. كما تحدث عن استيلائهم على عدد من السيارات والمعدات. وقال «نحن من جانبنا كقوات مسلحة لم نشك لحظة واحدة في أن الهجوم نفذته حكومة الجنوب جملة وتفصيلا، وأن المنطقة التي تدعي حكومة الجنوب أنها داخل حدودها وتطلق عليها اسم جاو هي نفسها بحيرة الأبيض التي تمر الحدود عبرها»، مؤكدا أن «الهجوم وقع داخل العمق السوداني وأن الأمم المتحدة على علم بذلك وليس هناك أي نكران من قبل الأمم المتحدة على وجود الجيش السوداني داخل أرضه بهذه المنطقة التي لا علاقة لها بأي خلاف حول ترسيم الحدود».

من جهة أخرى اتهم فرانك وولف النائب الأميركي (جمهوري) السودان باعتماد «تطهير عرقي» في جنوب كردفان، مطالبا بعمل إنساني في هذا البلد، وذلك بعد زيارة لمدة ثلاثة أيام إلى المنطقة. وقال إنه زار مخيمات في جنوب السودان للاجئين من جنوب كردفان فروا من الحرب وقام بجمع شهادات عن غارات جوية وإعدامات عشوائية ونقص في المواد الغذائية. وعرض تسجيلات بالفيديو لشهادات نساء في المخيم أكدن أن القوات السودانية المشكلة من «العرب» قامت بأعمال اغتصاب وأعمال عنف أخرى بحق السكان السود والمسيحيين. وأضاف أن التطهير العرقي هو عمل شائع من قبل الخرطوم. وقال إن الرئيس السوداني عمر البشير يستعمل المواد الغذائية كسلاح. وتابع «إذا استمرت الخرطوم في منع الوصول إلى هذه المناطق فسوف تكون النتائج مدمرة».

من جانبه، قال أرنو لودي المتحدث الرسمي باسم الحركة الشعبية في شمال السودان لـ«الشرق الأوسط» إن ما ذكره النائب الأميركي صحيح وحقيقة لا تنكر. وأضاف أن التطهير العرقي في السودان له تاريخ طويل في الحربين التي شهدهما جنوب كردفان «الحرب الأولى كانت قبل 22 عاما انتهت باتفاقية السلام في عام 2005، والحرب الثانية بدأت في يونيو (حزيران) الماضي وما زالت مستمرة». وقال إن المؤتمر الوطني الحاكم ظل يستهدف إثنية «النوبة» إلى جانب المواقع المدنية بالقصف الجوي. وأضاف أن الخرطوم منعت المنظمات الإنسانية من دخول مناطق النازحين لتقديم الإغاثة والمساعدات ومراقبة الأوضاع عن كثب. وقال «هذا المنع يعتبر جريمة ضد الإنسانية وجرائم حرب يعاقب عليها القانون الدولي الإنساني». وتابع «هناك مقابر جماعية شوهدت في كادوقلي عاصمة الولاية لا يمكن إنكارها وقد تم تصويرها عبر الأقمار الصناعية».

وكانت الخرطوم قد أعلنت أمس أن سفيرها لدى الأمم المتحدة دفع الله الحاج قد سلم كودجو مينان مندوب توجو الدائم لدى الأمم المتحدة الرئيس الحالي لمجلس الأمن، شكوى بشأن الهجوم الذي نفذته أول من أمس قوات «الحركة الشعبية - قطاع الشمال» بدعم ومساندة حكومة دول جنوب السودان واشتركت فيه عناصر عسكرية من حركات دارفور المتمردة تحت ما يعرف بـ«تحالف الجبهة الثورية السودانية». وذكرت وكالة الأنباء السودانية أنه طالب في شكوى بلاده بأن يرسل المجلس رسالة قوية وواضحة وسريعة لحكومة جنوب السودان للكف عن دعم حركات التمرد التي تعمل تحت مظلة «الجبهة الثورية السودانية».

وأضاف السفير السوداني أن مجلس الأمن قد تأخر كثيرا في إرسال مثل هذه الرسائل، وأنه إذا استمر الأمر على هذا المنوال فإن حكومة السودان تحتفظ بحقها في الرد على تلك الحركات التي تعمل على تقويض الأمن والاستقرار والسلام في البلاد. وأشار السفير إلى أن حكومة السودان حرصت على إحاطة المجتمع الدولي وبصفة خاصة مجلس الأمن وكذلك الاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية بمواصلة دولة الجنوب اعتداءاتها الصارخة ضد السودان من خلال ارتباطها ودعمها العسكري للفرقتين التاسعة والعاشرة التابعتين للجيش الشعبي والموجودتين بولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق. وقال إن على مجلس الأمن مساعدة حكومة السودان من خلال القيام بمهامه الأساسية التي كفلها له ميثاق الأمم المتحدة وهي صيانة الأمن والسلم الدوليين.

وعلى صعيد آخر، أكد علي أحمد كرتي وزير الخارجية السوداني أمس أن بلاده تتطلع إلى تعاون أكثر مع الصين في مجالي الزراعة والتعدين، بالإضافة إلى النفط، في المستقبل.

وقال كرتي خلال مؤتمر صحافي عقده أمس بمقر السفارة السودانية في بكين، إن «أولويات التعاون بين الصين والسودان في المستقبل طرحناها قبل انفصال جنوب السودان ويتطلع السودان إلى مزيد من الاستثمارات الصينية في مجالات النفط والزراعة والتعدين». وأضاف وزير الخارجية أن «75 في المائة من البترول المستخرج في الوقت الراهن توجد في جنوب السودان، بينما يوجد نحو 25 في المائة فقط في السودان، وهذا يقتضي المزيد من الاستثمارات».

ويعد السودان الشريك الاقتصادي الثالث للصين في أفريقيا، بينما تعتبر الصين أكبر شريك للسودان، وتعمل حاليا مؤسسة النفط الوطنية الصينية (سي إن بي سي) في عدد من المشاريع في السودان. وقد أعدت وزارة الطاقة السودانية خطة كبيرة للاستثمارات البترولية، حيث سيكون للمؤسسة فرصة للحصول على عدد من المربعات الجديدة لزيادة إنتاج النفط.

كما أعرب الوزير عن ترحيبه بشراكة الصين مع جنوب السودان، قائلا «إن استمرار الشراكة بين الصين والسودان ليس بالضرورة أن يكون وجود الاستثمارات الصينية في الجنوب هذا على حساب العلاقة بين السودان والصين، بالعكس نحن نرحب بها ونأمل أن تزيد». وحول مسألة احتجاز العمال الصينيين، اعتبر وزير الخارجية السوداني هذه العملية «جزءا من السياسة المستمرة لأعداء الاستثمارات الصينية والضغط على السودان لمنع قيام هذه المشاريع». وجدد كرتي التزام بلاده بحماية الاستثمارات الصينية والأفراد العاملين فيها من الصينيين، مشيرا إلى وجود مشاورات بين البلدين في هذا الصدد لتأمين العمالة الصينية في السودان.

وتطرق الوزير السوداني خلال المؤتمر الصحافي إلى مسألة الخلافات بين السودان وجنوب السودان، قائلا «إن السبب الرئيسي للتوتر بين السودان والجنوب يرجع أساسا إلى التدخل الخارجي من أجل الثروات الوحيدة في الجنوب (النفط)».

وأضاف الوزير أنه بعد وقت طويل من الاستفتاء العام في الجنوب، لم ترد جنوب السودان على مطالب السودان بتسوية الخلافات بشأن النفط، ورفضت التوقيع على أي اتفاق بوساطة الاتحاد الأفريقي. وأكد الوزير أن السودان يتطلع إلى تطوير العلاقات الودية مع الجنوب وضبط النفس في المناطق المتنازع عليها لأن تصاعد الوضع سوف يضر الجانبين في الأخير.