مع حسم أمر عدد كبير من مقاعد البرلمان خلال الانتخابات التشريعية الإيرانية، تبدو الغلبة للمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي الذي حصل على الأكثرية المريحة المحصنة التي يحتاجها لإخضاع رئيس البلاد لسيطرته، بل ولإلغاء المنصب كليا. وكثرت خلافات آية الله خامنئي مع محمود أحمدي نجاد مثلما حدث مع الرئيسين السابقين، مما يعني أن المرشد الأعلى حصل على الأكثرية على حساب أحمدي نجاد. وسيسعى آية الله إلى إلغاء منصب الرئيس على حد قول علي أكبر موسوي خوئيني، القيادي الإصلاحي عضو البرلمان السابق الذي يقيم في المنفى حاليا في الولايات المتحدة.
وأوضح قائلا: «إذا تمكنوا من القيام بذلك، لن يكون هناك انتخابات رئاسية مقبلة، بل سيختار البرلمان رئيس الوزراء، وسينفذ خامنئي كل ما يرغب فيه من خلال حلفائه في البرلمان».
وأشار آية الله خامنئي في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي إلى أن إيران ستكون أفضل حالا إذا كان نظام الحكم برلمانيا يتولى أعضاء البرلمان البالغ عددهم 290 عضوا اختيار رئيس الوزراء فيه. وطبقا للنظام الانتخابي الإيراني المعقد، تم منع أكثر المرشحين الإصلاحيين من الترشح خلال الانتخابات التي أجريت يوم الجمعة الماضي مما جعل التنافس مقتصرا على المعسكرين المتشددين الرئيسيين.
وبعد إحصاء 90% من الدوائر، تبين فوز حلفاء آية الله بنحو 75% من مقاعد تلك الدوائر التي يبلغ عددها 200 بحسب قناة «برس تي في» التابعة للدولة نقلا عن وزير الداخلية. وكان العنوان الذي تصدر صحيفة «كيهان» المقربة من المرشد الأعلى هو «فوز الأصوليين».
وجبهة الأصوليين موالية لخامنئي، ولا توجد أحزاب سياسية حقيقية في إيران بل تحالفات متغيرة مبهمة غامضة بين شخصيات سياسية. مع ذلك ربما يخسر خامنئي الأغلبية بعد جولة الإعادة على 30 مقعدا. ومن المتوقع الإعلان عن النتائج النهائية للانتخابات اليوم أو غدا، وستجرى جولة الإعادة الشهر المقبل. ومن غير المتوقع أن تؤثر النتيجة التي يمكن أن تعيد تشكيل المشهد السياسي الإيراني على السياسة الخارجية الإيرانية، حيث يدفع خامنئي منذ زمن طويل باتجاه اتخاذ موقف تصادمي مع الغرب، خاصة فيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني الذي يحظى بشعبية وقبول في إيران باعتباره للأغراض السلمية.
وقد أكدت الحكومة مرارا وتكرارا على أن المشاركة الكبيرة في الانتخابات ستحمل رسالة عدائية للغرب في وقت تتزايد فيه التوترات الدولية حول البرنامج النووي. وأعلن وزير الداخلية أن نسبة المشاركة في الانتخابات بلغت نحو 64% وهو ما دعا النظام إلى تهنئة نفسه.
ونشرت وزارة الخارجية بيانا على موقعها الإلكتروني تقول فيه إن مشاركة الإيرانيين الكبيرة في الانتخابات، خاصة في مثل هذه المرحلة التاريخية الحساسة، تبعث برسالة مفادها أنهم سيستمرون في الدفاع عن استقلال بلادهم ومصلحتهم الوطنية رغم المؤامرات والضغوط والعقوبات وتشويه الإعلام العالمي المتعجرف لصورتهم.
بالنظر إلى أن نسبة المشاركة في الانتخابات السابقة بالكاد تجاوزت الـ50%، شكك قادة المعارضة في صحة الإحصاءات التي ذكرها وزير الداخلية. وقد لاحظوا على وجه الخصوص مقاطعة الكثير من مؤيدي التيار الإصلاحي للانتخابات احتجاجا على استمرار وضع مهدي كروبي ومير حسين موسوي، القياديين في الحركة الخضراء الإصلاحية، رهن الإقامة الجبرية منذ الاضطرابات التي شهدتها البلاد عام 2009.
وترى فاطمة حاغيغاتجو، أحد أعضاء البرلمان الإصلاحيين السابقين التي تقيم خارج إيران، أنه من المحتمل أن تكون نسبة المشاركة أكبر من المعتاد لتصوير الملالي المشاركة في الانتخابات باعتبارها فرضا دينيا ولرغبة بعض الإيرانيين في التصويت لتأكيد رفضهم لأي هجوم عسكري محتمل ضد إيران. مع ذلك أوضحت قائلة: «لا أعتقد في صحة نسبة المشاركة التي تم الإعلان عنها».
وذاع صيت الحركة الخضراء، التي تطالب بنظام ديمقراطي أكثر شفافية، في أعقاب الانتخابات الرئاسية عام 2009. وتعد الانتخابات الحالية هي الأولى منذ تلك الانتخابات الرئاسية، التي أدى قمع تلك الحركة خلالها إلى إنهاء احتجاجات شعبية واسعة النطاق. كذلك تم نقل المراسلين الأجانب بحافلات إلى مراكز اقتراع بعينها بعد أن كان يسمح لهم بحرية التجول خلال الانتخابات. وحددت الحكومة عدد تأشيرات دخول البلاد الممنوحة للصحافيين الذين كانوا يريدون تغطية الانتخابات.
وتعد النتائج في بعض الدوائر مؤشرا على النتائج النهائية للانتخابات، فقد فاز غلام علي حداد عادل، صهر خامنئي وحليفه، خلال التنافس الساخن على 30 مقعدا في طهران بحسب النتائج التي أعلنتها وكالة أنباء فارس، بينما خسرت شقيقة أحمدي نجاد، بروين في مسقط رأسها بلدة غارمسار بحسب وكالة «مهر» للأنباء.
وأبلى أنصار خامنئي بلاء حسنا في المناطق الريفية والمدن النائية حيث كان أحمدي نجاد يتمتع بشعبية في الماضي بحسب ما ذكرت التقارير الإخبارية.
ومن غير المرجح أن يحاول آية الله خامنئي إلغاء منصب الرئيس حتى انتهاء مدة أحمدي نجاد الرئاسية الثانية في يونيو (حزيران) عام 2013. وقال كريم سجدبور، محلل إيراني ومن أكثر منتقدي النظام في معهد «كارنيغي» الدولي للسلام: «انشقاق أحمدي نجاد غير مرجح، لذا ليس من مصلحة خامنئي أن يشعره بالإهانة». مع ذلك سيتعين على البرلمان الذي طلب بالفعل استجواب أحمدي نجاد بشأن قضايا سياسية، مراقبة الرئيس بشكل أكبر.
وقال موسوي خويني، عضو البرلمان السابق عن التيار الإصلاحي الذي يقيم حاليا خارج البلاد: «سيكون أحمدي نجاد أضعف كثيرا». وأوضح أنه إذا حاول أحمدي نجاد استخدام أي من طرقه القديمة مثل محاولته الربيع الماضي إقالة وزير الاستخبارات، وحليف خامنئي، سيتاح لخامنئي الرد بقسوة الآن.
طالما كان هناك تعارض دستوري بين منصب المرشد الأعلى والرئيس. لم تكن تلك المسألة مطروحة خلال فترة حكم روح الله الخميني، قائد الثورة الإسلامية، لأن كلمته كانت بمثابة أمر إلهي، في حين لا يتمتع آية الله خامنئي بمثل هذا النفوذ الديني مما يضطره إلى التفوق على خصومه الذين يشغلون منصب الرئاسة بإحكام السيطرة على أجهزة الأمن والجيش والإعلام. ويبدو واضحا أن خامنئي سئم من الصراع المستمر بين شد وجذب، وكذلك من السباقات الرئاسية ذات النتائج غير المؤكدة التي أسفرت عن منافس وحركة احتجاجات تهدد الثورة الإسلامية. وقالت نوشابه أميري، أحد مؤسسي موقع «روز أونلاين» الإخباري: «كانت تلك النتيجة محسومة لأن خامنئي عازم على إدارة شؤون البلاد بنفسه». ومن المتوقع أن ينتخب حداد عادل رئيسا للبرلمان مرة أخرى.
ويعد الرئيس الحالي للبرلمان، علي لاريجاني، حليفا لخامنئي، لكنه اختلف علنا مع المرشد الأعلى ولم يعد يتمتع بالولاء الكافي في نظر المرشد على حد قول المحللين.
وشغل حداد عادل في السابق منصب رئيس البرلمان، وتربطه بالمرشد صلة قرابة، فهو والد زوجة نجل آية الله خامنئي، مجتبى، الذي يتولى حملة الانتخابات البرلمانية لحلفاء والده، والذي يعد من ممثلي خامنئي. وفي ظل رئاسة حداد عادل للبرلمان العام المقبل، من المتوقع أن يصدر البرلمان قرارا بإلغاء منصب الرئيس وانتخاب رئيس البرلمان ليكون رئيسا للوزراء. وقالت أميري: «لا يتسع البلد الواحد لملكين».
* خدمة «نيويورك تايمز»