الملابس المستعملة في تونس: ماركات عالمية بأسعار شعبية

رغم الإقبال على شرائها فإن كثيرين يخجلون من رؤيتهم داخل محلاتها

تقدر بعض الجهات المعنية بالإحصاء نسبة التونسيين الذين يشترون ملابسهم من محلات بيع الملابس المستعملة بـ90 في المائة
TT

تمثل تجارة الملابس المستعملة في تونس متنفسا لآلاف الأسر العاملة في هذا المجال، ويقدر عددها بنحو 200 ألف أسرة، بينما تقدر بعض الجهات المعنية بالإحصاء نسبة التونسيين الذين يشترون ملابسهم من محلات بيع الملابس المستعملة بـ90 في المائة.

وقال الباحث رضا عميرة لـ«الشرق الأوسط» إن «تجارة الملابس المستعملة موجودة في مختلف أنحاء العالم، وهناك شركات متخصصة في هذا المجال تصدر الملابس إلى تونس من دول الاتحاد الأوروبي وتحديدا الغربية منها، والولايات المتحدة الأميركية وكندا وغيرها». وتابع: «لقد انتشرت تجارة الملابس المستعملة في تونس في القرى فضلا عن المدن الكبرى التي عرفت بوجود أسواق تتفاوت في الأحجام والنوعية داخلها وفي ضواحيها».

ولا يعود الإقبال على محلات بيع الملابس المستعملة إلى ضعف الطاقة الشرائية لأغلب شرائح المجتمع التونسي فحسب، كما يؤكد عميرة، بل لأمرين هما «جودة المعروض من الملابس المستعملة وسعرها المناسب من جهة، وغلاء الكثير من الملابس الجديدة وغلاء ثمن بعضها من جهة أخرى، إضافة إلى تردي الجودة مع حالة من الإغراق السلعي نتيجة التسونامي الصيني في كل المجالات، بما في ذلك الأثاث المنزلي والإلكتروني».

يطلق على أسواق الملابس المستعملة في تونس اسم «الفريب»، و«البالة»، التي تقوم بتوزيعها نحو 250 شركة أجنبية ومحلية. وفي الجولة التي قامت بها «الشرق الأوسط» في عدد من محلات بيع الملابس القديمة عثرنا على مستويات اجتماعية وتعليمية مختلفة داخل هذه المحلات.

مريم (27 سنة) تعمل موظفة في وكالة أسفار، أكدت على أنها مواظبة على ارتياد محلات الملابس القديمة، وتقول: «يعجبني الكثير من الملابس، فغالبا ما أعثر على ملابس قمة في الأناقة والجودة وأصلية، أي من ماركات عالمية. وهي أفضل من الملابس المعروضة من السوق، ولا سيما تلك القادمة من الصين». وحول ما يشد انتباهها في محلات بيع الملابس المستعملة، تقول: «كل شيء، البناطيل والمعاطف والسترات النسائية.. كل شيء حتى الأحذية، تبدو كما لو كانت جديدة». وعما إذا كان لها يوم مخصص للتسوق من محلات بيع الملابس المستعملة، أفادت: «كلما كان لدي فراغ أتيت إلى السوق، والأسعار معقولة». وأردفت: «الملابس الجديدة جودتها سيئة وأسعارها مرتفعة. وكما ترى، كل شيء ممتاز ويجلب الزبائن». وذكرت أنها لا تكتفي بما تشتريه من محلات «الفريب»، بل تشتري الجديد أيضا إذا أعجبها. وهي كما قالت لـ«الشرق الأوسط»، لا تشعر بأي حياء من ارتياد محلات «البالة»، وتخبر صديقاتها كلما لاحظت جديدا «(الفريب) موجود في جميع أنحاء العالم».

عواطف (37 عاما) متزوجة ولها ولدان، قالت إنها جاءت لترى إن كان هناك جديد، حيث اعتادت على زيارة ذلك المحل الواقع في قلب السوق، بين النحايسية (وهم حرفيو النحاس) وباعة الخضر، وسوق السمك وتقول: «كل شيء يعجبني أشتريه»، وتتابع: «في المرة السابقة اشتريت بنطلون جنز لزوجي، فأنا أعرف مقاسه جيدا». ولنفسها اشترت سترة جلدية وبنطلون جينز، «وأشتري لولديا (3 سنوات وعام) الكثير من الملابس». أما ما تختلف فيه ملابس «الفريب» عن الجديد فهو «الجودة.. فكثير من الملابس من الماركات العالمية».

ويؤكد أصحاب المحلات الذين تحدثت إليهم «الشرق الأوسط» أن الأغنياء يرتادون أسواق «الفريب» ويزاحمون أبناء الشرائح الاجتماعية الفقيرة، «ينزلون من سيارات رياضية وماركات عالمية كالـ(مرسيدس)، والـ(بي إم دبليو) ويتخيرون ما يشاءون ثم يخرجون».

المشكلة أن «الكثير من الفقراء يخجلون من رؤيتهم داخل محلات بيع الملابس القديمة، ويرفضون تصويرهم، وعندما يصادفون من يعرفون تحمرّ وجوههم خجلا. وما دام الأغنياء يشترون من محلات (الفريب) فلماذا الخجل إذن؟. في الغالب يتظاهرون بأنهم دخلوا المحل خطأ، وأحيانا يضحكون كما لو أن الطرفين وجدا نفسيهما في حالة تلبس مريبة».

حالة الخجل لمستها «الشرق الأوسط» في وجوه عدد من المتسوقات، فقد كن يتلعثمن عند الحديث، وكن مطرقات وهن يجبن على الأسئلة. من ذلك امرأة لم نرد أن نحرجها أكثر فلم نسألها عن اسمها، قالت: «أبحث عن بناطيل لأولادي الثلاثة، أحدهم في الدراسة الإعدادية والبقية في الابتدائي».

كان الجميع يبحث عن أشياء جيدة، أو بتعبير بعضهن «نبحث عن حاجة مزيانة، (الفريب) فيه أشياء غير موجودة في الجديد، علاوة على كون الجديد غالي الثمن.. كل شيء موجود في (الفريب)».

وكشفت صاحبة محل لبيع الملابس المستعملة تدعى رباب، متزوجة ولها طفل واحد عمره 4 سنوات، أن أقرباءها وصديقاتها يوصونها بفرز أفضل ما يصلها وتركه لهم، قائلة: «يوصونني، وعندما تأتي السلعة أتصل بهم هاتفيا فيأتون ويستلمون بضاعتهم». كما كشفت عن وجود مشكلات مع الحرفاء حول الأسعار، قائلة: «لا يعجبهم السعر ولكن تعجبهم الملابس المعروضة». وعما إذا كانت تبيع بالدفع المؤجل، قالت: «نعطي الحريفات إذا كنّ من معارفنا»، ومع ذلك «هناك من أخذ ولم يدفع، والآن نفكر في منع الدفع المؤجل».

وعن كيفية وصول الملابس تقول: «تأتي من الخارج ولكننا نشتريها من خلال الوسطاء، تأتينا مغسولة ومعقمة»، ومن الملابس التي تجلب من الخارج هناك ملابس جلدية، فتقول: «تصلنا الملابس الجلدية أحيانا».

وعن أكثر الملابس رواجا أفادت: «ملابس المتدينين لا سيما النساء وألبسة الصغار». ولا شك أن كثيرا من ألبسة النساء قادم من دول الخليج لأننا عثرنا على ملابس لا يمكن أن تكون من أوروبا أو الولايات المتحدة وكندا وأستراليا.