رغم القلق إزاء حقوق الإنسان.. الولايات المتحدة تعتزم استئناف المساعدات لمصر

حجر الزاوية في العلاقات لما يزيد على ثلاثة عقود

TT

تعتزم إدارة باراك أوباما الاستمرار في إمداد مصر بالمعونة العسكرية، طبقًا لما صرح به مسؤولون أميركيون يوم الخميس، في إشارة إلى عزمهم الإبقاء على العلاقات الوطيدة التي تربطهم بالجنرالات الذين يحكمون البلاد الآن على الرغم من المخاوف بشأن الانتهاكات والانتقال غير المؤكد نحو الديمقراطية.

ولاستئناف المعونة، التي كانت حجر الزاوية في العلاقات الأميركية مع مصر لما يزيد على ثلاثة عقود، قررت الإدارة تجاهل شرط جديد للكونغرس يربط للمرة الأولى المساعدات العسكرية بتوفير الحماية للحريات الأساسية بشكل مباشر.

من المتوقع أن تقوم وزيرة الخارجية، هيلاري كلينتون، بالتنازل عن هذا الشرط الذي من شأنه أن يسمح بتقديم جزء، وليس كل المعونة العسكرية التي تبلغ 1.3 مليار دولار، لأسباب خاصة بالأمن القومي في بداية الأسبوع المقبل، وذلك طبقًا لمسؤولين بالإدارة والكونغرس رفضوا عدم ذكر أسمائهم لحين الانتهاء من المناقشات الداخلية.

ويعد التهديد بقطع المعونة العسكرية عن مصر من أسباب إطلاق الحكومة المصرية سراح سبعة أميركيين عاملين في أربع منظمات دولية تتلقى تمويلا أميركيًا ممن شاركوا في نشاطات داخل المجتمع. ويأتي اتهام الأميركيين ضمن مخاوف كثيرة لدى إدارة أوباما بشأن تقدم مصر بعد الإطاحة بالرئيس مبارك منذ عام مضى.

لا يبدو أن النتيجة سوف ترضي المدافعين عن حقوق الإنسان أو العديد من المصريين القلقين بشأن الانتهاكات التي تقوم بها قوات الأمن المصرية، والذين قد أصيبوا بخيبة أمل جراء تصرفات المجلس العسكري ويشعرون بالعداء نحو التدخل الأميركي في الشؤون المصرية.

في وقت ازدادت فيه المشاعر المعادية لأميركا، يأتي هذا التنازل ليزيد الشعور بالعداء من جانب الثوار والساسة الذين يتبنون نهجًا إصلاحيًا والذين يكافحون من أجل إقامة دولة مدنية.

وكتب أدوتياكوي من منظمة العفو الدولية بالولايات المتحدة في خطاب للسيدة كلينتون يوم الخميس: «إن تنازلا مماثلا قد يضعف من النضال الشجاع الذي قام به الشعب المصري طمعًا في مجتمع يقوم على احترام حقوق الإنسان، حيث يؤدي التنازل عن هذا الشرط إلى فقدان أحد أهم أشكال الضغط باتجاه احترام حقوق الإنسان».

وفي الوقت الذي صرحت فيه فيكتوريا نولاند، المتحدثة باسم الخارجية الأميركية، بعدم اتخاذ قرار نهائي بشأن استئناف المساعدات، قال مسؤولون آخرون إنه ما زال هناك تساؤل حول كيفية كتابة هذا التنازل.

من الجدير بالذكر، أن أوباما وكلينتون ومسؤولين بارزين قد وجهوا تحذيرات صريحة للقادة العسكريين في مصر بأن المعونة هذا العام قد تتوقف وذلك بسبب اتهام المنظمات التي تتلقى تمويلا أميركيا ومنهم مؤسسة فريدوم هاوس، وإنترناشيونال ريبابليكان إنستيتيوت، وناشيونال ديموكراتيك إنستيتيوت.

ما زالت القضية التي بدأت في ديسمبر (كانون الأول) منظورة أمام القضاء، وعلى الرغم من ذلك رفعت السلطات المصرية، تحت ضغط مكثف من قبل الإدارة الأميركية، حظر السفر عن السبعة أميركيين العاملين بتلك المجموعات حيث تم السماح لهم بالمغادرة بعد دفع كفالة تقدر بنحو 4 ملايين دولار.

صرح أحد المسؤولين بالإدارة الأميركية أنه أثناء القبض على المتهمين لم يكن بإمكان كلينتون التصريح بمنح مصر المعونة بموجب القانون الجديد، الذي يلزم قادتها بانتهاج سياسات لحماية حق التعبير، وحق إنشاء الجمعيات، وحرية العقيدة وضمان سيادة القانون.

في الوقت نفسه، قامت مصر بإجراء انتخابات برلمانية تبدو حرة وعادلة، كما قامت بتحديد ميعاد الانتخابات الرئاسية في شهر مايو( أيار) المقبل، وتتبعها المرحلة الأخيرة في شهر يونيو (حزيران) المقبل. وأضاف المسؤولون أنهم يعتقدون أن المعونة ضرورية من أجل الحفاظ على التعاون المشترك مع الجيش المصري من أجل حماية المنطقة ومكافحة الإرهاب. وبجانب المساعدات العسكرية، خصصت الولايات المتحدة مبلغ 250 مليون دولار للبرامج السياسية والاقتصادية من ضمنها تلك التي تستهدفها المحاكم المصرية، وقد اقترحت أيضا الولايات المتحدة مدّ المعونة للعام المقبل وتخصيص تمويل آخر يقدر بـ770 مليون دولار لدعم التنمية الاقتصادية في شمال أفريقيا.

والمعونة العسكرية هي فقط المشروطة بضمان الحريات الأساسية، وإن كانت كل المساعدات التي قدمت إلى مصر تتطلب تأكيد وزارة الخارجية الأميركية على استمرار التزام مصر بمعاهدة كامب ديفيد مع إسرائيل. ونجحت الإدارة في تضمين سلطة التنازل في القانون الجديد مما يمنح كلينتون المرونة التي تسمح بتقديم بعض المعونات دون تنازل عام.

ويرى بعض المسؤولين داخل الإدارة الأميركية ضرورة تأجيل هذا الأمر إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية، لكن استنفذت القوات المسلحة المصرية المعونة السابقة ولم تحصل على أي أموال أخرى من أميركا منذ بداية العام المالي الحالي في أكتوبر (تشرين الأول). وتواجه مصر في غضون أسابيع خطر التخلف عن سداد عقود دفاع، أكثرها مبرم مع شركات أميركية مصنعة للسلاح مما يضطر كلينتون لاتخاذ قرار بشأن قضية التصريح بالمعونة الآن. ويقول أحد كبار المسؤولين الأميركيين: «لقد أتى الأمر مبكرًا عما كان يريده البعض».

وأثار الضغط الذي مارسته الإدارة على السلطات المصرية من أجل تقرير مصير الأميركيين العاملين في المنظمات غير الحكومية ردود فعل غاضبة في القاهرة، فبعد إطلاق سراح الأميركيين المحتجزين ومغادرة ستة منهم البلاد، ناقش البرلمان الجديد، كفعل رمزي، رفض المعونة الأميركية فورًا وبدأوا في إعادة النظر في العلاقات المصرية - الإسرائيلية.

في واشنطن، أدت مثل هذه الخطوات إلى تزايد المخاوف خاصة بين المشرعين الذين فرضوا شروطًا لمنح المعونة. وقال ليندسي غراهام، العضو الجمهوري في مجلس الشيوخ عن ولاية ساوث كارولينا خلال جلسة مخصصة لمناقشة الموازنة الأسبوع الحالي: «لقد عبر البرلمان عن بعض الأمور التي تثير الرعب».

* خدمة «نيويورك تايمز»