سفير مصر الأسبق في واشنطن: العلاقة بين أميركا والإسلاميين «علاقة عمل لا تحالف»

عبد الرؤوف الريدي في حوار مع «الشرق الأوسط» : الولايات المتحدة تريد رئيسا قادرا على التعامل مع الرأي العام

عبد الرؤوف الريدي (تصوير: عبد الله السويسي)
TT

قال السفير عبد الرؤوف الريدي، سفير مصر الأسبق في واشنطن: إن الرئيس المصري السابق حسني مبارك اتبع سياسة خارجية غير موفقة وغير ناجحة وأضرت بمصالح مصر. وأضاف أن القاهرة أخطأت بإقحام أزمة «التمويل الأجنبي» مع أميركا في ساحة القضاء، قائلا: «كان علينا التفاوض في مسار دبلوماسي والوصول لمكاسب قومية». وشدد السفير الريدي، وهو الرئيس الشرفي للمجلس المصري للشؤون الخارجية، وهي منظمة مجتمع مدني مقرها القاهرة، على ضرورة وضع ضوابط على التمويل الأجنبي، ويرى أن تمويل المنظمات يفرض قيودا وضغوطا على سير العمل بها، حتى لو لم يذكر هذا صراحة، رافضا استخدام لفظ صفقة على خلفية قيام مصر بالسماح بسفر المتهمين الأميركيين في قضية «التمويل الأجنبي»، بقوله: «الصفقة في السياسة أمر مكروه». وأضاف السفير الريدي، الذي التقته «الشرق الأوسط» في مكتبه الفخم المطل على النيل بالقاهرة بمكتبة مصر العامة، التي ظلت لسنين تحمل اسم مكتبة مبارك العامة حتى تغير اسمها بعد ثورة «25 يناير»، أن «العلاقة بين الإدارة الأميركية والإسلاميين بمصر ستكون في إطار علاقة العمل وليس علاقة التحالف»، موضحا أن وصف العلاقات بين مصر والولايات المتحدة الأميركية بـ«الاستراتيجية» فيه مبالغة كبيرة، لكنه شدد على أن صانع القرار في واشنطن يدرك أن مصر لها أهمية كبيرة له في المنطقة، وأن الولايات المتحدة تخشى أن تخسر حليفا آخر في الشرق الأوسط مثل مصر كما خسرت إيران قبل نحو 30 عاما.. وإلى أهم ما جاء في الحوار الذي دار في القاهرة:

* خلال عام من الثورة بدا أن أميركا مرتبكة في التعامل مع الوضع السياسي.. لماذا هذا الارتباك؟ وكيف تنظر واشنطن لمصر الآن؟

- في الأيام الأولى للثورة، كانت الإدارة الأميركية مرتبكة للغاية، وغير قادرة على تقييم مدى نجاح ما يحدث، ولم يكن هناك مؤشرات تمنحهم ثقة في نجاح ما بدا أنه ثورة، وكان التساؤل الأبرز: هل ما يحدث في مصر مجرد حدث عارض أم أنها ثورة حقيقية؟ لكن ما كان يغلب على الإدارة الأميركية هو التصرف بشكل براغماتي، وعندما حسمت الإدارة الأميركية موقفها، خرج الرئيس الأميركي باراك أوباما ليلقي خطابه الشهير الذي تحدث فيه عن سلمية الثورة.. وبعد انهيار نظام مبارك، لم يكن لدى الإدارة الأميركية أي تصور، حول كيف ستكون الأمور في مصر سياسيا، خاصة بعد صعود تيار الإسلام السياسي، والحقيقة أن هناك وجهتي نظر في واشنطن بخصوص التيارات الإسلامية، الأولى تخشى التيار الإسلامي وتعتبره حجر عثرة ضد العلاقات الاستراتيجية والسلام بين البلدين، والثانية ترى أنه لا مناص من التعامل مع الإسلاميين، حتى لا تخسر الولايات المتحدة حليفا مهما في الشرق الأوسط مثل مصر كما خسرت قبل 30 عاما حليفتها إيران.. وهو الرأي الذي انتصرت وجهة نظره في النهاية.

* وكيف ترى العلاقات المصرية–الأميركية بعد أزمة منظمات المجتمع المدني؟

- أعتقد أن تلك الجمعيات تصرفت بتوسع كبير بعد الثورة على أساس أن مصر لن تفعل شيئا ضدها، لكن مصر أخطأت في السماح لهم بالعمل من الأساس من دون أي تحذير، وعندما وجدت مصر أن الأمر زاد على المعقول واجهتهم بعدم وجود ترخيص، كما أن إقحام موضوع المعونة في الأمر كان خطأ كبيرا من واشنطن؛ لأن مصر كانت مستعدة للمجازفة بها، لكن أعتقد أن القاهرة كانت واثقة من عدم قدرة أميركا على قطع المعونة.

* من وجهة نظرك، كيف أخطأت القاهرة في إدارة الأزمة؟

- الخطأ الأكبر من القاهرة كان إقحام الأزمة في ساحة القضاء؛ حيث تم تضخيم الأمر بتصوير أن مواطنين أميركيين سيتم وضعهم في قفص الاتهام، وهو ما أثار الرأي العام الأميركي، الأمر الذي أفقد مصر المرونة في التعامل مع الطرف الآخر، خاصة مع المبالغة الإعلامية وتصريحات المسؤولين الحادة، وكان على القاهرة الضغط بالموضوع من أجل التفاوض في مسار دبلوماسي والوصول إلى مكاسب قومية.

* إلى أي مدى تشكل منظمات المجتمع المدني اختراقا للأمن القومي؟ وهل أنت مع وضع قيود على التمويل الأجنبي؟

- الأمر لا يصل إلى تهديد الأمن القومي، لكن ليس من الطبيعي أن تعمل منظمات مجتمع مدني في أحشاء المجتمع وتتوغل فيه بهذه الصورة، فلا توجد دولة في العالم تقبل هذا الأمر، خاصة مع عدم وجود شفافية عن عمل تلك المنظمات، وكان الأصح أن نمنع هذه الأزمة قبل حدوثها؛ فمثلا عندما توليت رئاسة المجلس المصري للشؤون الخارجية، قررت عدم قبول أي تمويل أجنبي؛ لأن قبول تمويل أجنبي يضعنا في موقف حساس وموضع شبهة.. ولنكن صرحاء بالقول: «إن التمويل الأجنبي يفرض ضغوطا وقيودا على سير العمل وتوجهه، حتى لو لم يذكر صراحة»؛ لذا أنا مع تنظيم التمويل لا منعه.

* وكيف ترى تصرف الحكومة المصرية بالسماح بسفر المتهمين الأجانب؟

- المؤسف أن دفع الأمور إلى ساحة القضاء جعل القاهرة تبدو وكأنها فقدت القدرة على فعل أي شيء، ثم إن الغموض الذي أحاط بالأمر صدر الأزمة من أزمة علاقات خارجية إلى أزمة داخلية.

* وهل تعتقد أن صفقة ما أنهت الأزمة؟

- في السياسة لديك هامش للمناورة وهامش للتفاوض، لكن إنهاء الأزمات بالصفقات موضوع آخر، لو تم، لا بد أن يضمن عدم فقد الدولة مصلحتها القومية، لكني في العموم أرفض استخدام لفظ صفقة؛ لأنها كلمة تجارية أكثر منها سياسية.

* وهل كان تهديد صانع القرار الأميركي بمنع المساعدات العسكرية حقيقيا؟

- أعتقد أن التهديد قد يكون حقيقيا، لكنه قائم على سوء تقدير وحسابات للمواقف، وأتذكر في ثمانينات القرن الماضي، حذرني سيناتور أميركي يهودي من اتخاذ مصر مواقف معينة وهددني بالعمل على قطع المعونة العسكرية لمصر، لكني قلت له: «إن مصر عاشت من دون مساعدات عسكرية لمدة 7 آلاف عام.. وشعب مصر لن يقبل أن تُلوى ذراعه».

* مصر تتلقى 1.3 مليار دولار مساعدات عسكرية من واشنطن، هل ترسم هذه الدولارات السياسة الخارجية لمصر؟

- هذا غير صحيح، ويمكن القول: إن 85% من سلوك مصر التصويتي في الأمم المتحدة ضد المواقف الأميركية، وحتى لو سلمنا أن هناك تنسيقا بين القاهرة وواشنطن في الكثير من المواقف والاتجاهات، إلا أن ذلك لا يأتي على حساب مواقف مصر من القضايا المهمة مثلما حدث أثناء حرب العراق، حين عارضت مصر الحرب.

* وما الذي يجب أن تدركه واشنطن في علاقاتها بالقاهرة الآن؟

- ما تغير في مصر بعد الثورة هو الرأي العام؛ ففي عهد مبارك أميركا لم تكن تهتم بالرأي العام المصري وكان عنصرا منسيا بالنسبة لصانع القرار الأميركي، أما الآن فالرأي العام في مصر أصبح عنصرا مهما في المعادلة، ويشكل أداة ضغط قوية على صانع القرار؛ فأميركا تأمل أن يكون الرأي العام في مصر صديقا لها بعد الثورة، لكنها صدمت بأن أصبح أكثر عدائية.

* وكيف ترسم مستقبل العلاقات المصرية – الأميركية؟ وما أبرز العقبات؟

- لديَّ يقين أن الطرفين لديهما النية لتجاوز الأزمة الحالية؛ فمصر لا تفضل أن تكتسب عداء القوى العظمى في العالم، فلو أردنا الحصول على مساعدات اقتصادية من أي دولة، فإنها حتما ستمر عبر واشنطن؛ فأميركا هي التي تضغط على الجميع سواء بالإيجاب أو السلب، إذن فالعلاقة القوية مع واشنطن ضرورية.. وأعتقد أن النقاط الخلافية ستكون كل ما يتعلق بإسرائيل، خاصة أن الرأي العام المصري رافض لتل أبيب.

* من وجهة نظرك، كيف يرى صانع القرار الأميركي مصر؟ وهل العلاقات بين البلدين فعلا استراتيجية؟

- أعتقد أن وصف العلاقة بالاستراتيجية فيه مبالغة إلى حد كبير.. كلا الطرفين يدرك تقييم الطرف الآخر له، وتقييم واشنطن لمصر ورؤية صانع القرار مبنيان على أن مصر حريصة على معاهدة السلام، وأنها لا يمكنها المخاطرة بتدمير تلك المعاهدة، فهي عامل مهم في العلاقة بين البلدين، فواشنطن تدرك أن مصر دولة قوية لا يمكن للعرب اللجوء للحرب دونها، وبالتالي فهي تقوم بتأمين إسرائيل من خلال علاقات قوية بمصر.

* هل غيَّر الربيع العربي موقف واشنطن لتكون أكثر ميلا لإرضاء الشعوب العربية بدلا من الحكومات؟

- الرأي العام الأميركي كان يكره الطغاة، لكن الإدارات المتتالية كانت ترى أن مصلحتها في المنطقة بخصوص إسرائيل تمر عبر هؤلاء الطغاة، وبالتالي استمرت في الحفاظ عليهم من أجل مصلحتها.. أما الآن فإن الوضع تغير، وأعتقد أن واشنطن ستكون أكثر حساسية في التعامل في هذا الملف، وستعمل على تطبيق المواءمة في التعامل مع الحكومات والشعوب حتى لا تخسر الاثنين في النهاية.

* وكيف قرأت زيارات المسؤولين الأميركيين لحزبي الحرية والعدالة (الإخواني) والنور (السلفي)؟ وهل تمكن إقامة تحالف بين واشنطن والإسلاميين؟

- هو دليل أكبر على أن الإدارة الأميركية حسمت أمرها من التعامل مع الإسلاميين؛ فالعلاقة بين الطرفين ستكون علاقة عمل وتبادل مصالح بعيدا عن التحالفات.

* وإلى أي مدى يمكن لهذه العلاقة أن تنجح؟

- في تقديري أن فرص نجاحها ممكنة، خاصة أن مصر لا تريد أن تعادي أميركا، وتريد مواصلة العلاقة مع واشنطن، وهو ما يقابله اهتمام أميركي بالحفاظ على العلاقة مع مصر.

* مطالبة البرلمان المصري بقطع العلاقات مع أميركا.. هل يمكن أن تضع حدودا على هذه العلاقات؟

- هذا كلام عاطفي يراد به اللعب على مشاعر الناس وبعيد تماما عن الممارسات السياسية والدبلوماسية.

* باعتقادك، ما مواصفات الرئيس الذي تريده واشنطن؟

- أميركا تريد رئيسا عنده استعداد لمواصلة العلاقات الثنائية بالقوة نفسها، كما تريده أن يكون له شعبية ومقبولا لدى الرأي العام، ولا أعتقد أن واشنطن لديها تفضيلات خاصة لدى مرشح الرئاسة أو أنها تفضل شخصا ذا خلفية عسكرية.

* عملت سفيرا لمصر لدى الولايات المتحدة لـ8 سنوات، ماذا كان يمثل مبارك لواشنطن؟

- مبارك كان يمثل الكثير لأميركا، لكن في آخر 10 سنوات تلبدت العلاقة بين الطرفين بسبب الفساد وارتفاع درجة النفاق من حوله وفقده للشعبية، لكن دعني أوضح أن مصر، لا مبارك، كانت حليفا لأميركا.

* هل يمكن القول إن نظام مبارك وضع الأمن القومي في خطر، خاصة في العلاقة مع أفريقيا؟

- لم يكن من الصواب إهمال أفريقيا بهذا الشكل، خاصة أن العلاقة مع أفريقيا تاريخية ومهمة للغاية، خاصة في ما يتعلق بملف نهر النيل؛ فمبارك اتبع سياسة خارجية غير موفقة وغير ناجحة وأضرت بمصر، وركز على ملفات أقل أهمية، حتى تلاشى دور مصر في العالم العربي، لكني لا أميل إلى القول إن ذلك أضر بالأمن القومي.

* وهل ترى خللا الآن في صنع القرارات السياسة الخارجية؟

- لا أرى أن هناك خللا؛ فهناك الكثير من المتغيرات.. هناك اهتمام أكبر بأفريقيا، وهذا واضح من زيارات المسؤولين والوزراء المصريين لأفريقيا، لكن صناع القرار في مصر الآن مشغولون بالقضايا الداخلية والوضع الاقتصادي الصعب أكثر من القضايا الخارجية.