مجلة «العربي» تفتح جرح «الثقافة العربية في المهجر»

في ملتقاها السنوي الحادي عشر وبمشاركة عشرات الباحثين

جانب من الحضور في الجلسة الافتتاحية
TT

اختارت مجلة «العربي» هذه المرة موضوعا موجعا لملتقاها السنوي الحادي عشر، فـ«الثقافة العربية في المهجر» عنوان شائك ومؤلم، إذ ليست كثيرة الأمم التي تبحث عما حل بثقافتها في المهاجر، غير تلك التي جعلت من أبنائها بضاعة للتصدير بالجملة والمفرق.

اختلط الأمر على الباحثين المشاركين الذين وفدوا من كل قطر عربي، كان كلام عن أدباء عاشوا في أوروبا وكتبوا عن تجربتهم مثل طه حسين والطهطاوي، ومحمود درويش وتوفيق الحكيم، أو مهاجرين فعليين استوطنوا الغرب وكتبوا بلغته مثل إدوارد سعيد والطاهر بن جلون أو أمين معلوف وجبران خليل جبران.

وربما بالغ محسن الموسوي، رغم مداخلته الجميلة، حين تحدث عن السياب والبياتي، كشعراء اغتراب. وكاد الباحث محمد الشحات أن يأخذنا إلى المنفى اللغوي كأحد أنواع المهاجر. ويلحظ السامع أن المصطلح ذاته ليس واضحا في ذهن الباحثين، وربما أنهم تحدثوا عن مواضيع مختلفة في وقت واحد.

د. سليمان العسكري، رئيس تحرير مجلة «العربي»، حدد في كلمته مع بداية الندوة الغايات والأهداف من اختيار الموضوع، ومنها فهم ما حدث عقب 11 سبتمبر (أيلول)، خاصة أن الاهتمام بالثقافة العربية توسع في الغرب، والأمر الثاني «رصد الجهود التي بذلها المستشرقون والمهتمون بالثقافة العربية لعقود مضت، وأن نرى مدى تأثير الاهتمام المضاعف عقب أحداث سبتمبر». ومما قاله أيضا: «من المهم أن نسلط الضوء على الدور الذي لعبته الثقافة العربية في المهجر، خصوصا لدى الأجيال الجديدة من المبدعين العرب الذين عايشوا الثقافة الغربية مبكرا، وفهموها وعبروا عن ثقافتهم الخاصة في تمازجها مع الثقافات التي وفدوا إليها».

وربما أشار الدكتور العسكري هنا إلى الجيل الثالث من المهاجرين العرب في أوروبا، الذين بات بينهم أدباء وفنانون معروفون في بلادهم الجديدة، لكننا نجهل حتى أسماءهم، لأنهم انقطعوا عن العربية في إبداعاتهم. وهؤلاء لم يتحدث عنهم بشكل واف إلا شتيفان فايدنر، رئيس تحرير مجلة «فكر وفن الألمانية» الصادرة بالعربية، وإن اقتصر كلامه على الموجودين في ألمانيا، ولكن هناك مثلهم في هولندا وبريطانيا وفرنسا، ودول أخرى، وكانوا يستحقون اهتمام المشاركين في المؤتمر. لم يتوقف الخلاف بين المشاركين على تعريف من هو «المهاجر» ولكن أيضا على ما إذا كان الأدب الذي كتبه عرب بلغات أجنبية هو أدب عربي أم لا؟ سؤال قديم جديد لا يزال موضع جدل، وسيبقى.

عشرات الباحثين العرب، استضافتهم الكويت، الأسبوع الماضي على مدار 3 أيام، لبحث هذا الموضوع الشائك. الدكتور جابر عصفور اختار أن يقدم لمحة عامة عن الأدب المهجري منذ القرن التاسع عشر إلى اليوم، صلاح نيازي تحدث عن تأثيرات الغرب على كتاب مثل يحيى حقي، والطيب صالح، أما نادية جمال الدين فمن موقعها كمشرفة على قسم اللغة الإسبانية في كلية الألسن قدمت سردا لواقع الكتب العربية التي ترجمت إلى الإسبانية مقترحة بعض التوصيات، كما تحدث الروائي الجزائري واسيني الأعرج عن «الأدب العربي في المهجر الفرنسي»، وتحدثت المستشرقة الإيطالية إزابيلا كاميرادي فيليتو عن نماذج لبعض الكتاب العرب في بلادها، الذين منهم من حالفهم الحظ وغيرهم انتهى إلى خيبة، لتختم بالقول: «هناك اندماج باتجاه واحد. الكاتب يتصرف كمثقف، فيما المجتمع ينظر إليه كمجرد مهاجر منهك لا حيلة له».

إحدى الجلسات خصصت لقضايا نشر الثقافة العربية في المهجر، شارك فيها الأميركي مارك لينز، رئيس قسم النشر في الجامعة الأميركية في القاهرة، متحدثا عن تجربة هذا الصرح الأكاديمي مع الترجمة، متناولا تأثير حصول نجيب محفوظ على نوبل في نقل الكثير من الأدب العربي إلى العالمية. في نفس الجلسة تحدث الدكتور بدر الدين عرودكي، من «معهد العالم العربي»، عن الصعوبات التي يواجهها المعهد لجهة شح التمويل العربي، رغم الاحتفال هذه السنة بمرور 25 سنة على افتتاحه. عرودكي تحدث أيضا عن مسار صعب ومثمر للمعهد الذي يمثل تجربة فريدة من نوعها في أوروبا، وفائدة للثقافة العربية تستحق عناية العرب واحتضانهم، لا بل وسخاء تمويلاتهم. أما الدكتور عبد المنعم سليمان، الأمين العالم لـ«مؤسسة الفكر العربي»، فلفت إلى أن 54% من الطلاب العرب في الخارج لا يعودون إلى بلادهم. وقد خسرت الدول العربية 11 مليارا في السبعينات بسبب هجرة الأدمغة، فيما وصلت الخسارة في القرن الحالي إلى 200 مليار.

التركيز كان بشكل أساسي على الأدب، وشهادات أدباء مهاجرين، إلا أن وجود فنانين تشكيليين قدموا أعمالهم التي أنجزوها في المهجر، أضفت جمالية خاصة على الملتقى، والمعرض المصاحب للندوة «فن عربي وطنه العالم» حوى لوحات متباينة في أساليبها ورؤاها.

الجلستان الأخيرتان كانتا متميزتين، لمشاركة باحث صيني وآخر تركي وثالث متخصص بالفارسية، ورابع ألماني، كلهم يتحدثون العربية ولهم باع في التعامل معها ترجمة وكتابة أو تعليما. وانغ يو يونغ من جامعة شانغهاي، اقترح استراتيجية لتنمية العلاقات العربية - الصينية الثقافية، لافتا إلى أن الفرصة سانحة مع توجه الصين الحالي لاعتبار الثقافة دعما للاقتصاد الوطني، أما التركي محمد حقي صوتشين، الأستاذ في جامعة الغازي، بأنقرة فشرح أن المناهج الحديثة في تركيا ستشمل تعليم اللغة العربية الاختياري في الابتدائية والثانوية، إضافة إلى أقسام للغة العربية في بعض الجامعات، معتبرا أن استخدام المنهج القديم في تعليم العربية أثر سلبا على طلابها. ولهذا سيبدأ اعتماد المنهج التواصلي، لتسهيل المهمة على الطلاب.

موسى بيدج من إيران تحدث بإسهاب عن حركة الترجمة من العربية إلى الفارسية منذ الستينات إلى اليوم، معتبرا أن عقد الثمانينات هو زمن قصائد المقاومة بعد انتصار الثورة الإسلامية، حيث بدأت اللغة العربية تستعيد مكانتها في إيران لأسباب دينية.

وعن العلاقات العربية اليابانية كانت مداخلة الدكتور مسعود ضاهر، لافتا خلالها إلى أن المعرفة اليابانية بالعالم العربي لا تزال محدودة في أوساط ضيقة من النخب الثقافية، لكن اليابانيين، رغم ذلك، قاموا بدراسات ميدانية شملت قرى وأريافا وقبائل عربية، لم تلق عناية العرب أنفسهم.

هاجم الكثير من الحاضرين الباحث التركي محمد حقي، فالأسئلة الحضارية التركية - العربية لا تزال ساخنة. وعلى اتهام للأتراك بالجفاء تجاه العربية سأل حقي: «تطالبوننا بتعلم المزيد من العربية، فهل تتعلمون التركية بالمقابل؟»، أحد الحاضرين طالب أن يترجم لنا الصينيون أدبهم إلى العربية، متناسيا أن هذا دورنا الذي يجب أن نلعبه بدل أن نوكله للآخرين.

الموضوع شائك وصعب، والهجرة تتزايد مع تصاعد الثورات كما جاء في البيان الختامي «وبات على الحكومات العربية الحريصة على رعاية ثقافتها أن تقوم بدور مؤسسي حكومي لدعم المثقفين العرب في المهاجر بشكل منهجي، وأن لا تعتمد على المبادرات الفردية وحدها».