قنديل بحر روبوتي يستمد طاقة تشغيله من الهيدروجين

ضمن أبحاث علم «البيوميكاترونيكس» المهتم بتصميم أشكال مستوحاة من وظائف الكائنات الحية

صورة أرشيفية لـ«الروبوجيلي» الذي توصل إليه العلماء في معهد فرجينيا للتكنولوجيا في ولاية فرجينيا الأميركية (أ.ف.ب)
TT

تمكن مؤخرا باحثون أميركيون من جامعة فيرجينيا للتكنولوجيا من تطوير قنديل بحر روبوتي «روبوجيلي» (Robojelly)، للاستخدام في النهاية في عمليات الإنقاذ والبحث تحت الماء، ويمكن تشغيله بالهيدروجين، وذلك باستخدام مجموعة من المواد الذكية التي لديها القدرة على تغيير الشكل والحجم، كنتيجة للمثيرات، وكذلك أنابيب الكربون النانوية القادرة على محاكاة الحركات الطبيعية في قنديل البحر، ويتم تشغيله بواسطة تفاعلات كيميائية تجري على سطحه ما بين الهيدروجين والأكسجين في الماء. وتمت تجربة المراحل الأولى لهذا الروبوت في خزان للمياه، وقد نشرت نتائج هذه الدراسة، في عدد شهر أبريل (نيسان) القادم، من دورية «المواد الذكية والهياكل» (Journal of Smart Materials and Structures)، التي تنشر ضمن منشورات «معهد الفيزياء» البريطاني.

يقول، يوناس تاديسي، المؤلف الرئيسي للدراسة، من مركز مواد حصاد الطاقة والنظم، ومعمل الأجهزة والمواد المستوحاة من البيولوجيا، بجامعة فيرجينيا للتكنولوجيا الأميركية في بلاكسبيرغ، بأنه «على حد علمنا، هذا هو أول تشغيل ناجح لتوفير طاقة تشغيل روبوت تحت الماء، باستخدام الهيدروجين كمصدر للوقود».

وقنديل البحر، هو كائن بحري رخوي لافقاري، يوجد على حوافه 8 لوامس أو مجسات تحتوي على أعضاء حسية، وظيفتها حفظ التوازن وجعله دائما في وضع ثابت بحيث يكون فمه لأسفل وظهره لأعلى، والجزء الرئيسي من جسمه يشبه في مظهره العام الجزء العلوي للمظلة أو الجرس.

يقول الباحثون بأن قنديل البحر يشكل قاعدة أساسية في طريقة سباحته البسيطة، تجعله تصميما مثاليا لاستنباط نماذج روبوتية، فلديه آليتان بارزتان هما التجديف والنفث، فحركته لأسفل تعمل على إدارة العضلات التي تقع داخل شكله الجرسي، فعندما تنقبض (تتقلص) عضلاته، يغلق على نفسه شكله الجرسي، وينفث (يخرج) المياه من تحت جسمه، فيتم دفعه للأمام، وبعد عملية الانقباض يسترخي الشكل الجرسي ويستعيد شكله الأصلي، وهذا هو ما تم تكراره في الروبوت الجديد المصنع، حيث تم استخدام السبائك الذاكرة للشكل (Shape Memory Alloys)، (السبيكة هي خليط من معدنين أو أكثر)، وهي مواد ذكية يمكنها الرجوع لشكلها الأصلي ومتاحة تجاريا، وهذه السبائك ملفوفة في أنابيب كربون نانوية (متناهية الصغر)، ومغطاة بمسحوق البلاتين الأسود.

ويضيف الباحثون أن قنديل البحر الروبوتي يتم تشغيله بواسطة تفاعلات كيميائية على سطحه، تحدث بين الهيدروجين والأكسجين في المياه، والبلاتين الموجود على سطح الروبوت، والتي ينتج عنها حرارة يتم نقلها إلى العضلات الصناعية للروبوت، مما يؤدي إلى تحوله لأشكال مختلفة، وهذا يعني أن الروبوت يمكنه تجديد وقوده من محيطه الطبيعي، وبالتالي لا يحتاج إلى مصدر طاقة خارجي أو للاستبدال المستمر للبطاريات.

ويعترف الباحثون بأن الروبوت لا يزال بحاجة للتطوير، لتحقيق وظائف كاملة وبكفاءة، حيث يقول تاديس بأن «التصميم الحالي يتيح لقنديل البحر الروبوتي تشغيل أجزاء أو قطع الجرس الـ8 مرة واحدة، وهذا يعني ضرورة أن يكون الوقود كافيا لتحريك جميع الأجزاء، ولهذا نحن نبحث الآن عن طرق جديدة لتوصيل الوقود إلى كل جزء أو قطعة، بحيث يمكن تحريك كل قطعة مختلفة على حدة والسيطرة عليها بمفردها، مما يسمح للروبوت بالسيطرة والتحرك في اتجاهات مختلفة».

والجدير بالذكر، أن هذه الدراسة هي جزء من برنامج «موري» برعاية مكتب البحوث البحرية الأميركية. وبرنامج «موري» الأميركي (MURI) (Multidisciplinary University Research Initiative)، هو مبادرة بحوث جامعية متعددة التخصصات، لدعم البحوث من خلال فريق من الباحثين، ويتم فيها تداخل عدة علوم، من أجل تسريع التطور في البحوث وترجمة نتائجها إلى تطبيقات، ويشترك في هذا البرنامج الكثير من الباحثين من مؤسسات وأقسام أكاديمية متعددة.

وجدير بالذكر، أن هناك حاليا اتجاهات علمية عالمية متزايدة في مجال الروبوتات، نحو تصميم أشكال وأنظمة روبوتية مستوحاة من الأنظمة البيولوجية، التي تدخل ضمن علم جديد واعد برز في السنوات الأخيرة، يعرف بعلم «بيوميكاترونيكس» (Biomechatronics)، وهو من العلوم التطبيقية متعددة التخصصات، التي تهدف إلى الدمج ما بين العناصر الميكانيكية والإلكترونية وأجزاء من الكائنات البيولوجية، فهو يشمل جوانب من علم الأحياء (بيولوجي) والميكانيكا والإلكترونيات، ويمكن تطبيقه في مجالات مثل الروبوتات وعلم الأعصاب.

وقد ظهر مصطلح «ميكاترونيكس»، لأول مرة في اليابان عام 1969. ويعتبر من المجالات الهندسية الواسعة المتداخلة التي تتطور حاليا بصورة مذهلة ومتسارعة، وهو يجمع بين الهندسة الميكانيكية والهندسة الكهربائية وهندسة الكومبيوتر وهندسة الإلكترونيات والتحكم، ويعتمد تصميم أي منتج ذكي في هذا المجال الهندسي على دمج أنظمة ميكانيكية وإلكترونية، تقوم فيها منظومة تحكم بدور المنسق.

ويختص علم «البيوميكاترونيكس» بتصميم أشكال ونظم روبوتية، مستوحاة من أشكال وهياكل وحركات ووظائف الكائنات الحية والنظم البيولوجية كالنباتات والحيوانات مثل الطيور والحشرات والزواحف، التي سيكون لها قيمة كبيرة في الكثير من التطبيقات في المجالات الصناعية والعسكرية والأمنية والفضائية، بالإضافة إلى قيمتها على حياة البشر الشخصية اليومية، مثل تصميم طائرات روبوتية من دون طيار مستوحاة من الطيور والحشرات، أو أذرع روبوتية مستوحاة من الثعابين، تفيد في الأماكن النائية الخطرة والضيقة، التي يتعذر الوصول إليها، أو مجسات روبوتية مرنة يمكنها الوصول إلى أعماق المخ من خلال مسارات منحنية، أو تصميم سمكة روبوتية يمكنها السباحة بالاستلهام من النظم البيولوجية كعضلات أرجل الضفادع. والهدف من كل هذه الأبحاث والتجارب هو أن تتمكن هذه الأجهزة والأنظمة الروبوتية المصنعة من العمل بكفاءة في الكثير من التطبيقات والمجالات، مثل إمكانية التفاعل مع العضلات البشرية والهيكل العظمي والجهاز العصبي، وبالتالي مساعدة الإنسان على التحكم الحركي، بسبب فقد أو تلف في أعضاء جسمه، نتيجة للحوادث أو الأمراض أو العيوب الخلقية.

وتركز الأبحاث والتجارب الحالية في علم «البيوميكاترونكس»، على 3 مجالات رئيسية، تتضمن: تحليل الحركات المعقدة للبشر وتصميم أجهزة بيوميكانيكية إلكترونية، ودراسة كيفية تفاعل الأجهزة الإلكترونية مع الجهاز العصبي للإنسان، وكذلك اختبار طرق يمكن من خلالها استخدام الأنسجة العضلية الحية لتحريك وتشغيل الأجهزة الإلكترونية.

في كتاب، صدر خلال العام الماضي 2011 بعنوان «بيوميكاترونيكس في الطب والرعاية الصحية»، من تحرير الدكتور رايموند تونغ كايو، تعرض لرؤى الخبراء في التكنولوجيات والتطورات الناشئة حديثا، التي تجرى عالميا وتستخدم في مهنة الطب لتلبية مجموعة متنوعة من التحديات السريرية (الإكلينيكية)، وأشار إلى أن تطبيقات علم «البيوميكاترونيكس» سوف تقدم أفضل الرعاية والخدمات الصحية. فهذا العلم يشتمل على مجالات متعددة التخصصات مثيرة وجديدة في البحث العلمي، في المجالات الطبية والهندسية، مثل نظام التدريب العلاجي الروبوتي لإعادة تأهيل السكتة الدماغية، والهياكل الروبوتية الخارجية للأنشطة اليومية للأشخاص ذوي الإعاقة، والتحفيز الوظيفي الكهربائي، والمستخدم فيه محفزات كهربائية لتحفيز وظائف أعضاء أو أعصاب جسمية معينة تم تلفها نتيجة إصابات أو أمراض أو تلف عصبي، ومناظير الكبسولة اللاسلكية النشطة، التي تستخدم لتصوير وفحص الأعضاء الداخلية للجسم.