منظمة الصحة العالمية تحذر من مقاومة مضادات الميكروبات

تثير قلقا عالميا متزايدا وأصبحت تشكل تهديدا للبرامج الصحية

مقاومة مضادات الميكروبات تتسبب في زيادة تكاليف الرعاية الصحية فعندما تصبح عدوى المرض مقاومة لأدوية الخط الأول لا بد من اللجوء إلى معالجات أكثر تكلفة
TT

هناك حاليا مخاوف عالمية متزايدة من التهديدات والتحديات التي تشكلها مقاومة مضادات الميكروبات، نتيجة الاستخدام غير المناسب وغير الرشيد للأدوية والمضادات الحيوية، الذي يعمل على ظهور وانتشار البكتيريا المقاومة، التي أصبحت تشكل تهديدا لبرامج الصحة في جميع أنحاء العالم، حيث تؤدي لامتداد فترة المرض وزيادة مخاطر الوفاة، ما لم تتخذ الإجراءات والبرامج الفعالة لاحتواء مقاومة مضادات الميكروبات، والحفاظ على قدرة الأدوية والمضادات الحيوية في العلاج الفعال للكثير من الأمراض.

وقد أشارت منظمة الصحة العالمية إلى أنه تظهر كل عام نحو 440 ألف حالة جديدة من حالات السل المقاوم للأدوية المتعددة، وتتسبب في وفاة ما لا يقل عن 150 ألف نسمة، وتم الإبلاغ عن السل الشديد المقاوم للأدوية حتى الآن في 64 دولة.

وقد صدر مؤخرا، خلال شهر مارس (آذار) الحالي، تقرير حديث لمنظمة الصحة العالمية، بعنوان «تنامي مقاومة مضادات الميكروبات.. خيارات للعمل»، أشارت فيه إلى أنه، على مدى عقود كثيرة، تم تطوير أدوية فعالة لعلاج أمراض مثل الملاريا والسل وفيروس نقص المناعة البشرية المكتسب الإيدز (HIV)، والإنفلونزا والالتهابات البكتيرية الكثيرة، وجميع الأدوية المستخدمة في علاج هذه الأمراض من المرجح أن تصبح غير فعالة، بسبب مقاومتها عند نقطة معينة. وأضاف التقرير أن جميع المضادات الحيوية المتقدمة في خطر، من أي وقت مضى، وهذا يسبب صعوبة وتكلفة كبيرة في علاج الأمراض والالتهابات الشائعة الكثيرة، الأمر الذي يؤدي إلى تأخير في العلاج الفعال أو سوء في علاج الحالات، وعدم القدرة على توفير العلاج على الإطلاق. وتتسبب مقاومة الأدوية والمضادات الحيوية، في زيادة الأمراض وبقائها واستمرارها فترات طويلة، وزيادة خطورتها وحدوث مضاعفات ومعدلات وفيات عالية، فالعدوى هي مقاومة متزايدة للمضادات الحيوية، الأمر الذي يتسبب في أعباء مرضية ثقيلة وبخاصة في البلدان النامية.

ومقاومة مضادات الميكروبات (AMR) (Antimicrobial resistance)، يقصد بها، حسب منظمة الصحة العالمية، مقاومة كائنات مجهرية مثل الجراثيم والفيروسات وبعض الطفيليات، لأحد الأدوية المضادة للميكروبات، التي كان فيما مضى يبدي حساسية حيالها، وتمتلك الكائنات المجهرية المقاومة، القدرة على الصمود أمام الأدوية المضادة للميكروبات، مثل المضادات الحيوية ومضادات الفيروسات ومضادات الملاريا، مما يؤدي إلى إبطال نجاعة العلاجات واستحكام العدوى واحتمال انتشارها إلى أفراد آخرين، وتحدث تلك المقاومة نتيجة سوء استخدام الأدوية المضادة للميكروبات، وتظهر عندما يحدث طفرة للكائن المجهري أو يكتسب جينا مقاوما.

وتثير مقاومة مضادات الميكروبات قلقا عالميا، للكثير من الأسباب، حيث تشير منظمة الصحة العالمية إلى أنها تسبب الوفاة، فالعدوى الناجمة عن الكائنات المجهرية لا تستجيب في غالب الأحيان للعلاج المعياري، مما يؤدي إلى امتداد فترة المرض وزيادة مخاطر الوفاة. كما أن مقاومة مضادات الميكروبات تعرقل مكافحة الأمراض المعدية، فهي تحد من نجاعة العلاج، لأن المرضى يحملون العدوى لفترة أطول، ويمكنهم بالتالي نقل الكائنات المقاومة إلى أفراد آخرين.

وتطرح مقاومة مضادات الميكروبات خطر العودة إلى عهد ما قبل المضادات الحيوية، فمن المحتمل أن تتخذ كثير من الأمراض المعدية اتجاهات يتعذر التحكم فيها، كما يمكنها إزاحة مسار التقدم المحرز نحو بلوغ المرامي الإنمائية للألفية المتعلقة بالصحة التي حدد عام 2015 كموعد لتحقيقها. كما أن مقاومة مضادات الميكروبات تتسبب في زيادة تكاليف الرعاية الصحية، فعندما تصبح عدوى المرض مقاومة لأدوية الخط الأول، فلا بد من اللجوء إلى معالجات أكثر تكلفة، وامتداد فترة المرض والعلاج الذي يقدم في المستشفى في غالب الأحيان، يزيد من تكاليف الرعاية الصحية والأعباء المالية المفروضة على الأسر والمجتمعات.

ومقاومة مضادات الميكروبات تهدد المكاسب التي تحققت في مجال الرعاية الصحية لفائدة المجتمع، فبإمكانها تهديد إنجازات الطب الحديث، ففي حال انعدام مضادات الميكروبات الناجعة التي تضمن الرعاية والوقاية، ستنخفض معدلات نجاح علاجات مثل زراعات الأعضاء والمعالجة الكيميائية الخاصة بالسرطان والعمليات الجراحية الرئيسية.

وفي مؤتمر لخبراء الأمراض المعدية، بعنوان «مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات.. حان وقت العمل»، عقد في كوبنهاغن بالدنمارك خلال يومي 14، و15 مارس (آذار) الحالي، حذرت الدكتورة مارغريت تشان، المديرة العامة لمنظمة الصحة العالمية، من أن البكتيريا التي قد بدأت تصبح أكثر مقاومة للمضادات الحيوية الشائعة، يمكن أن تسفر عن نهاية عصر الطب الحديث كما نعرفه، وأشارت إلى أن كل المضادات الحيوية المتقدمة في خطر من أن تصبح عديمة الفائدة، الأمر الذي قد يجعل العمليات الروتينية البسيطة مستحيلة، ويشمل هذا الكثير من الأدوية المتقدمة لعلاج السل والملاريا والالتهابات البكتيرية وفيروس نقص المناعة البشرية المكتسب (الإيدز)، فضلا عن العلاجات البسيطة للجروح.

وقالت الدكتورة تشان، إن استخدام كميات كبيرة من المضادات الحيوية لدى البشر والحيوانات، مدعاة للقلق الشديد، فمقاومة مضادات الميكروبات في تزايد حول العالم، الأمر الذي يؤدي إلى انحسار الخط الأول لمضادات الميكروبات. العلاجات البديلة أكثر تكلفة وتحتاج لفترات علاج أطول، وربما الحاجة للعلاج في وحدات العناية المركزة، فالسل المقاوم للأدوية المتعددة علاجه معقد للغاية، ويتطلب عادة عامين من العلاج بالأدوية المكلفة والسامة، وبعضها يعاني من نقص في الإمدادات الثابتة، وإذا استمر الوضع الحالي على ما هو عليه، فذلك سيؤدي إلى الدخول إلى عصر ما بعد المضادات الحيوية، الذي يعني في الواقع وضع حد للطب الحديث كما نعرفه. فالحالات الشائعة، مثل التهاب الحلق أو خدش في ركبة الطفل، يمكن أن تتسبب في الوفاة مرة أخرى، كما أن بعض التدخلات العلاجية المتطورة، مثل استبدال مفصل الورك وزراعة الأعضاء والعلاج الكيميائي للسرطان ورعاية الأطفال الخدج، ستصبح أكثر صعوبة، بل ومن الخطر جدا القيام بها. وقالت مديرة منظمة الصحة العالمية، إنه يمكن فعل الكثير للتغلب على هذه الأوضاع، من خلال الحد من استهلاك المضادات الحيوية في البشر والحيوانات، والاستخدام المناسب والرشيد للأدوية والمضادات الحيوية وعند الحاجة فقط، ومتابعة العلاج بشكل صحيح، والحد من استخدام المضادات الحيوية في إنتاج الأغذية لأغراض علاجية، ومعالجة مشكلة الأدوية الزائفة والمتدنية النوعية، بالإضافة إلى أهمية تبادل الخبرات وتنسيق أفضل الممارسات، وضرورة توافر الإرادة السياسية على أعلى مستوى.

وقد أكد المشاركون في مؤتمر مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات، في كوبنهاغن، على أهمية اتخاذ إجراءات عاجلة ومن الآن، لضمان العلاج في المستقبل لكل من الإنسان والحيوان، من خلال اتباع نهج عالمي متكامل يركز على كل من الطب البشري والبيطري، وتبادل أفضل الخبرات والممارسات لإيجاد الحلول الممكنة لمشكلة مقاومة مضادات الميكروبات في الإنسان والحيوان، مع التركيز على تحسين جمع البيانات والمراقبة، والإقلال من الاستخدام المفرط للمضادات الحيوية.

وتشير منظمة الصحة العالمية إلى أنه من بين العوامل التي تؤدي لظهور مقاومة مضادات الميكروبات، الاستخدام غير الرشيد وغير المناسب للأدوية والمضادات الحيوية، بما في ذلك مجال تربية الحيوانات، حيث تتيح ظروفا مواتية لظهور وانتشار الكائنات المجهرية المقاومة ونقص النظم اللازمة لضمان جودة الأدوية وضمان الإمداد المستمر بها، وتدني نوعية الممارسات في مجالي الوقاية من العدوى ومكافحتها، وتضاؤل مخزونات وسائل التشخيص والأدوية واللقاحات، فضلا عن نقص البحث والتطوير في مجال المنتجات الجديدة.

وتؤكد منظمة الصحة العالمية أنه لا بد من استجابات عاجلة من قطاعات متعددة على الصعيدين العالمي والوطني، ومن جميع أصحاب المصلحة الرئيسيين، بمن فيهم راسمو السياسات والقائمون على التخطيط وعامة الجمهور والمرضى والممارسون وواصفو الأدوية والصيادلة وموزعو الأدوية ودوائر الصناعة الصيدلانية لاتخاذ ما يلزم من إجراءات، وتحمل المسؤولية من أجل مكافحة ظاهرة الخطر المتنامي الذي تطرحه مقاومة مضادات الميكروبات.