القمة تقطع أوصال بغداد.. ورغم تأجيلها أكثر من سنة فإن الكثير من مرافقها غير مكتملة

مسؤول لبناني كبير: الأرجح أن تظل محركات الطائرات ناقلة الضيوف شغالة

TT

أوصال العاصمة العراقية مقطعة، التدابير الأمنية فيها تفوق الوصف، ولا شيء يعكر صفو مياه دجلة إلا دوريات شرطة النهر التي تأمل أن يمر غدا بسلام. إنها أجواء القمة العربية التي تستضيفها بغداد بعد 22 عاما من الانقطاع عن «الحضن العربي»، متعالية على جراح خلفتها سنوات العنف الطائفي الأخيرة.

ولا يتوقع للقمة التي أنفق العراق عليها ما يقرب من مليار دولار وتعطلت من أجلها الدولة العراقية لأكثر من أسبوع وخصص 100 ألف عنصر عسكري وأمني لحمايتها، أن تشهد حضورا بارزا لقادة العرب، وقال وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري أول من أمس لوكالة رويترز إن «عدد الزعماء المؤكد حضورهم يتراوح بين 8 و12 زعيما عربيا».

لكن أوضاع العراق ربما ستكون سببا ضاغطا على جدول الزعماء الذين سيستغرق اجتماعهم نصف يوم غد. وقال مسؤول لبناني كبير طلب عدم ذكر اسمه «القمة وقتها قصير لدرجة أن أحدا لن ينام في بغداد»، مستطردا «والأرجح أن تظل محركات الطائرات حاملة الضيوف شغالة».

أكثر من 100 ألف رجل أمن مدججين بالسلاح ينتشرون في شوارع المدينة التي ما زالت تحمل ملامح الحرب والعنف وآثار الانفجارات، وذلك لمنع المجموعات المسلحة من تعكير صفو القمة التي تريد الحكومة العراقية أن تشكل رمزا لاستعادة دور العراق الإقليمي. فقبل أسبوع فقط، تمكن تنظيم القاعدة من تنفيذ سلسلة هجمات أسفرت عن مقتل 50 شخصا، بينها هجوم بسيارة مفخخة قبالة وزارة الخارجية. وأمس، قتل أحد عناصر الشرطة وأصيب اثنان آخران بجروح في هجوم انتحاري بحزام ناسف استهدف نقطة تفتيش في منطقة الغزالية غرب بغداد.

وأغلب الجسور مقطوعة والحواجز الأمنية الكثيفة المنتشرة في كل شارع، كفيلة بجعل أي رحلة داخل العاصمة تكاد تكون مهمة مستحيلة. وسارت مدرعات مدججة بالجنود المسلحين أمام وخلف الحافلات التي نقلت الصحافيين إلى مقر اجتماعات وزراء المالية والاقتصاد. وحسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية فإنه رغم تأجيل قمة بغداد سنة كاملة، لم تنته الأعمال في كثير من المرافق التي تستضيف الوفود الرسمية، إضافة إلى 1500 إعلامي من الخارج. وفي فندق المنصور على ضفاف نهر دجلة، يقوم مئات الموظفين ذي الملامح غير العراقية بالعمل على مدار الساعة، ويتكلمون لغة سرعان ما يتضح أنها تركية. وقال أمير القادم من أضنة: «أنا هنا لخمسة أيام فقط، قدمت مع شركة (ريكسوس) التي تدير هذا الفندق لخدمة نزلاء القمة. يبدو أنه لا يوجد عراقيون مدربون على هذا النوع من العمل».

أمير لا يتكلم العربية ولا يجيد الإنجليزية ولا يخفي خوفه من العمل في العراق، ويقول: «أشعر بالخوف أحيانا، لكن العراقيين يبدون مرتاحين جدا ما يطمئنني قليلا». كل شيء يقدمه هذا الفندق مصنوع في تركيا، حتى أن الطهاة استقدموا من تركيا لأيام فقط، من بين 1300 تركي استقدمتهم «ريكسوس» لـ«مهمة القمة المستحيلة».

لكن الغرف التي جددت ضمن مشروع تحديث شمل 6 فنادق والقصر الحكومي بتكلفة نصف مليار دولار، تبدو بالكاد جاهزة لاستقبال الضيوف. واشتكى أحد الصحافيين من وجود علبة طلاء داخل خزانته، فيما يقول آخر إن آلة التحكم عن بعد لجهاز التلفزيون في غرفته لا تعمل وكان يفترض أن تكون هذه المرافق جاهزة منذ سنة لاستقبال القمة العربية التي تأجلت سنة كاملة بسبب الاضطرابات في الدول العربية والأوضاع الأمنية في العراق.

وعلى الطريق السريع الذي يربط المطار ببغداد والمزنر بأشجار النخيل، كان عمال يفرشون العشب ويسوون الأرصفة، فيما كان آخرون يرشون ما يشبه الطلاء الأخضر على بقع لم يتسن للعشب المزروع أن ينبت فيها.

وكانت الحكومة قد خصصت لشارع مطار بغداد الذي يمتد على طول 12 كلم مبلغ مائتي مليون دولار، على أمل أن يكون من أجمل الشوارع في العالم، حسب ما أعلن أمين بغداد صابر العيساوي. أما شارع النضال الذي يمتد في وسط العاصمة والذي كان يفترض أن تكون أعمال تحديثه انتهت قبل سنة، فما زال كالورشة. أعمال رصف الحجارة على جانبيه لم تنته، كما أن العواميد الحجرية القصيرة التي كان يفترض أن تزينه وتمنحه طابعا تقليديا، بعضها منزوع من الأرض ومرمي بالقرب من المدرعات المنتشرة بالعشرات على جميع تقاطعاته.

إلا أن قطع الطرقات والعطلة الطويلة التي أعلنتها الحكومة منذ الأحد وحتى نهاية القمة، شكلا متنفسا على ما يبدو لأطفال بغداد. ففي حي الكرادة على ضفاف نهر دجلة، تحولت شوارع مقطوعة إلى ملاعب لكرة القدم، وكان الأطفال يتقاذفون على مقربة من مدرعة بيضاء كرة قديمة. وهدفت السلطات من خلال العطلة إلى دفع الناس إلى البقاء في بيوتها، أو بكل بساطة مغادرة المدينة المقطعة الأوصال والتي أوقف قسم كبير من الحركة الجوية في مطارها. وقال علي يوسف لوكالة الصحافة الفرنسية «أسوأ ما في الأمر أن القمة وضعت الرجال تحت رحمة نسائهم لأنهم سيبقون في بيوتهم طيلة أسبوع». إلا أن أغلب الميسورين من سكان بغداد غادروا بيوتهم لقضاء أسبوع من العطلة في شمال البلاد أو جنوبه، في ظل طقس يقول العراقيون إنه في هذه الفترة من السنة يكون الأفضل على الإطلاق.