«العسكري» المصري يحاول التوفيق بين القوى السياسية لإنقاذ المرحلة الانتقالية

استمرار الانسحاب من «تأسيسية الإسلاميين».. وليبراليون يدعون لدستور مواز

متظاهرون مصريون يحتجون أمام المحكمة الإدارية العليا بوسط القاهرة على طريقة تشكيل تأسيسية الدستور الجديد أمس (إ.ب.أ)
TT

تصاعدت أزمة تشكيل الجمعية التأسيسية التي ستتولى كتابة الدستور الجديد لمصر، بشكل كبير، وفقا لمراقبين قالوا إن الخلافات بين الإسلاميين المستحوذين على أغلبية البرلمان، والمجلس العسكري الحاكم وجماعات من الليبراليين واليساريين، تهدد إجراءات نقل السلطة من «العسكري» لرئيس منتخب، وإنهاء الفترة الانتقالية. وطالبت أمس قوى سياسية ليبرالية ومدنية بتدخل المجلس العسكري لوضع حد لما اعتبرته «هيمنة إسلامية» على تشكيل جمعية صياغة الدستور، الأمر الذي اضطر على أثره أكثر من 20 عضوا للانسحاب من الجمعية، ورفع دعاوى قضائية لبطلانها، وينتظر البت فيها الشهر المقبل.

من جانبه، سارع المجلس العسكري إلى جمع الفرقاء السياسيين من أجل احتواء الموقف. وبدأت قوى وأحزاب من خارج التيار الديني، في تشكيل جمعية خاصة بها لكتابة «دستور مواز»، وقالت هذه القوى إنه سيكون «أكثر تعبيرا عن مدنية الدولة ويحمي حقوق المواطنين والحريات».

ويخول الإعلان الدستوري الذي أصدره المجلس العسكري العام الماضي الأعضاء المنتخبين بمجلسي الشعب والشورى، انتخاب جمعية تأسيسية تضع دستورا جديدا البلاد، بعد ثورة «25 يناير (كانون الثاني) التي أطاحت بالرئيس السابق حسني مبارك.

وقرر البرلمان وفقا لأغلبيته الإخوانية والسلفية، أن يشغل أعضاء في البرلمان نصف مقاعد الجمعية التأسيسية وأن يشغل النصف الآخر شخصيات عامة ونقابية وفنية وعاملون في منظمات غير حكومية من خارج البرلمان. وقال معارضون إن 70% من أعضاء الجمعية الـ100 منتسبون للتيار الإسلامي بشكل مباشر وغير مباشر.

وعقد أمس المشير محمد حسين طنطاوي رئيس المجلس العسكري اجتماعا مع قادة 19 حزبا و3 من نواب مجلس الشعب، لمناقشة الأزمة وللتوصل إلى حل بشأنها. وقد نبه طنطاوي في بداية الاجتماع، وفقا للمصادر، إلى ضرورة أن يدرك الجميع خطورة اللحظة التي تمر بها مصر، مشددا على الالتزام بتنفيذ ما سبق أن أعلنه المجلس العسكري بتسليم السلطة بنهاية يونيو (حزيران) المقبل.

ومن المقرر أن تعقد اللجنة التأسيسية المنتخبة من البرلمان أول اجتماعاتها اليوم (الأربعاء) في «القاعة الفرعونية» بمجلس الشعب. وقال المستشار سامي مهران، الأمين العام للمجلس إنه لم تصل إليه أي اعتذارات رسمية من أي عضو من أعضاء الجمعية بالانسحاب.

واحتشدت أمس مجموعة من الشخصيات القانونية والسياسية في محكمة القضاء الإداري لحضور أولى جلسات نظر الطعن المقدم من مائة شخصية على تشكيل جمعية وضع الدستور، وتحولت قاعة المحكمة إلى مظاهرات ضد جماعة «الإخوان» حيث ردد الحاضرون هتاف: «يسقط يسقط الإخوان»، مطالبين بتشكيل هيئة تأسيسية تضم كل المصريين ولا يحتكرها تيار بعينه. لكن رئيس محكمة القضاء الإداري قرر حجز الدعوى إلى 10 أبريل (نيسان) المقبل لصدور الحكم.

وقال الدكتور جابر جاد نصار أستاذ القانون الدستوري، وأحد مقيمي الدعوى: «إن بدء أعمال الجمعية التأسيسية أعمالها ليس له تأثير على الحكم الذي سيصدر في الجلسة المقبلة».

من جانبها، اجتمعت مجموعة من نواب مجلس الشعب وممثلي الأحزاب السياسية وعدد من الشخصيات العامة ونحو 20 شخصية انسحبت من تشكيل الجمعية التأسيسية أمس، وطالبوا بإعادة النظر في معايير اختيار أعضاء الجمعية. وأعلنت أحزاب التجمع، والمصريون الأحرار، والمصري الديمقراطي، والوفد، بجانب «تحالف الثورة مستمرة»، انسحابها من الجمعية التأسيسية، ورفضت هذه القوى الأسلوب الذي تم به تشكيل الجمعية واعتبرته بعيدا عن مفهوم التوافق.

وقال أحمد سعيد رئيس حزب المصريين الأحرار إنه كان يتمنى أن يشارك في كتابة الدستور مع الكفاءات المنوط بها الوجود، لكنه قرر ألا يساوم على مستقبل الأجيال المقبلة والتورط في عملية خداع للشعب، بعدما رأى رغبة الأغلبية في احتكار الدستور وعدم الوصول لأي تفاهمات.

وطالب سامح عاشور نقيب المحامين، رئيس المجلس الاستشاري (وهو مجلس معاون للمجلس العسكري)، بتدخل العسكري بإصدار إعلان دستوري جديد بتعديلات على المادة 60 من الإعلان الحالي لتحدد معايير واضحة في اختيار الجمعية بعيدا عن التحزب. وقال عاشور إن «العبرة ليست في الأشخاص، والخلاف ليس في اختيار شخصيات معينة، ويجب أن نستفيد من دروس الماضي». كما أعلن ممثلو أحزاب من غير الإسلاميين عن الدعوة لتشكيل جمعية تأسيسية شعبية تضم مختلف الرموز الوطنية تمثل فيها كل طوائف الشعب، وقال رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي إنهم بدأوا بالفعل في تشكيل الجمعية.

وأوضح النائب المستقل مصطفى الجندي لـ«الشرق الأوسط» أن الجمعية الجديدة ستضم رموزا وطنية وعلماء حاصلين على جائزة نوبل وشباب الثورة، لصياغة دستور مواز سيقومون بطرحه على الشعب، حتى يصوت بالرفض على الدستور الذي ستصدره الجمعية التأسيسية (المختارة من البرلمان)، مشيرا إلى أن الجمعية الشعبية ستضم ممثلين عن المجلس العسكري وضباطا متقاعدين وممثلين عن «الإخوان» والسلفيين دون إقصاء، وأن شباب الإخوان والسلفيين يدعمون تلك الجمعية. وكان لافتا حضور النائب السلفي ياسر صلاح القاضي الذي أعلن تضامنه مع القوى السياسية المنسحبة، وقال إن مصالح الشعب تقتضى التوافق وعلى «الإخوان» والسلفيين أن يتحملوا المسؤولية التاريخية وأن يعيدوا النظر في تلك الجمعية. في المقابل، رفضت جماعة الإخوان المسلمين الاتهامات الموجهة للتيار الإسلامي بالاستحواذ على الجمعية، وقالت الهيئة البرلمانية لحزب الحرية والعدالة (الإخواني) في بيان لها أمس إن نسب التيار الإسلامي في البرلمان والشخصيات التابعة له من الخارج تمثل 49% من الجمعية التأسيسية، بينما تمثل باقي الاتجاهات الحزبية والفكرية والمستقلة نسبة 51%. بينما يقول المراقبون إن غالبية الشخصيات المستقلة هم من الإسلاميين.

وأكد الدكتور عصام دربالة رئيس مجلس شورى الجماعة الإسلامية لـ«الشرق الأوسط»: «الجماعة ممثلة في جمعية الدستور (المنتخبة من البرلمان)، عبر حزب البناء والتنمية من خلال اختيار هاني نور الدين فقط»، مشيرا إلى أنها «قبلت بذلك إيثارا منا للتوافق مع كل القوى الوطنية».