طلاب الجامعات المصرية يصارعون من أجل استقلالهم بعد عام من الثورة

قالوا إن لائحة السادات «القمعية» قيدت أنشطتهم في الكليات الحكومية والخاصة

TT

أعادت جامعة القاهرة الحكومية العمل بلائحة طلابية يقول الطلاب إنها تكرس دور الأجهزة الأمنية، بالتزامن مع قيام الجامعة الألمانية الخاصة بفصل 5 من طلابها بسبب اشتراكهم في مظاهرات طلابية داخل الحرم الجامعي. وما زال آلاف الطلاب في الجامعات المصرية يكافحون من أجل الوصول إلى «استقلال العمل الطلابي، وحريته» بعد عام من ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011 التي أسقطت حكم الرئيس السابق حسني مبارك وجهازه الأمني الرهيب الذي كان يهيمن على كل شؤون الجامعات، ويبدو أن هذه الهيمنة تعود مجددا بطريقة مختلفة.

وظلت الجامعات في التاريخ المصري مصدر إزعاج للسلطات من أيام الاحتلال الإنجليزي لمصر، مرورا بسياسات الرئيس الراحل أنور السادات، وخلفه مبارك. وعبر 32 عاما خضعت الأنشطة الطلابية لسيطرة أمنية محكمة وفقا لقرارات إدارية تعرف باسم «لائحة 1979»، وهي سنة صدورها في وقت كان فيه السادات يتجه بالبلاد إلى الانفتاح الاقتصادي والعلاقات مع إسرائيل. وحظرت تلك اللائحة العمل السياسي للطلاب، وساعد على تطبيقها جهاز أمني سمي «حرس الجامعة». ويبلغ عدد الجامعات الحكومية في مصر حاليا نحو 19 جامعة، ونحو 17 جامعة خاصة، تضم جميعها مئات الكليات التي يدرس فيها أكثر من مليوني طالب. وشارك آلاف الطلاب بقوة في ثورة العام الماضي، من أجل فتح الأبواب للعمل الحر بعيدا عن الرقابة الأمنية داخل الجامعات.

وبعد تخلي مبارك عن سلطاته في فبراير (شباط) العام الماضي، تم تجميد العمل بـ«لائحة 1979»، على أمل وضع لائحة جديدة تعبر عن روح الثورة، لكنها لم تخرج بعد إلى النور، خاصة أن الطلاب سبق وشاركوا في وضع لائحة تيسر لهم ممارسة أنشطتهم عام 1976.

وتعطي لائحة 1979 الحق لإدارات الجامعات في التدخل في العملية الانتخابية في حال لم يكتمل النصاب القانوني، ويرى الطلاب أن هذا الأمر يفتح الباب في نهاية الأمر لتعيين القيادات الطلابية لا انتخابهم. وكان يفترض إجراء الانتخابات في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، لكن عدم إقرار لائحة طلابية جديدة آخر إجراء هذه الانتخابات، مما أدى إلى غضب طلابي، وخلافات بين التيارات الطلابية ما بين إخوان وليبراليين ويساريين، وهو أمر يعزز الانقسامات الجارية بين القيادات السياسية في البلاد على مستوى الأحزاب والبرلمان والائتلافات الثورية. وقبل أسبوعين، نظم مجموعة من الطلاب المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين مظاهرة أمام وزارة التعليم العالي للمطالبة بإجراء الانتخابات، ما تلاه اجتماع مع وزير التعليم العالي، أسفر عن قرار بإجراء الانتخابات وفق «لائحة 1979»، مع إقرار لائحة طلابية جديدة عقب الانتهاء من إجراء الانتخابات، وهو ما رفضه أغلب التيارات الطلابية التي دخلت في تلاسن حاد مع طلاب «الإخوان».

وقال الدكتور عدلي رضا، المستشار الإعلامي لوزير التعليم العالي: «كان لا بد أن تعتمد اللائحة الجديدة من رئيس الجمهورية، كما أن لجنة التعليم في مجلس الشعب أوصت بإجراء الانتخابات وفق لائحة 1979، وكذلك طالب الكثير من الطلاب بإجرائها». وأضاف رضا أنه «من الناحية القانونية هذا هو المتاح.. ربما هناك تقييد في النصوص لكن الممارسة العامة فيها متسع كبير من الحرية». ورغم طرح مثل هذه الحلول، دخلت حركات طلابية مثل «تحرير جامعة القاهرة»، و«مقاومة»، و«الاشتراكيين الثوريين» في اعتصام داخل أسوار جامعة القاهرة للمطالبة بانتخابات وفقا «للائحة جديدة، وليس لائحة 1979». وتقول الطالبة هالة أحمد، عضو «الاشتراكيين الثوريين»، إن الحكومة لا تزال تخشى ممارسة السياسة داخل الجامعة.. بينما أضاف عبد الرحمن فاروق، منسق عام «حركة التحرير»: «نريد لائحة طلابية تعطي الحق للطالب بالاشتراك في أي عمل سياسي». ويقول الطلاب الليبراليون واليساريون إن موافقة طلاب «الإخوان» على إجراء الانتخابات باللائحة القديمة (كانوا يرفضونها أيام مبارك)، تعكس رغبة منهم للهيمنة على قيادة الاتحادات الطلابية، بعد أن هيمن قادتهم على مجلسي الشعب والشورى وعدد من النقابات. وقال مصطفى شعراوي، الطالب بكلية الصيدلة، «الإخوان يريدون السيطرة على اتحاد الطلاب بأي شكل وبأي وسيلة»، لكن المتحدث باسم طلاب «الإخوان» بجامعة القاهرة، أحمد الغزالي، قال: «هذا افتراء.. العام (الدراسي) قارب على نهايته والغرض الرئيسي للانتخابات هو العمل على وضع لائحة طلابية جديدة».

ويعتقد الدكتور إسلام حجازي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أنه لا يوجد سبب يدعو لإجراء الانتخابات الطلابية حاليا. وقال حجازي: «الغرض هو تعزيز سيطرة الإدارة الجامعية على الطلاب مسايرة لنهج نظام مبارك». ويتمنى حجازي إقرار لائحة طلابية تعبر عن الحقوق والحريات الطلابية، معتبرا أن الجامعة لا تزال تعاني من غياب الحريات الأكاديمية والطلابية في وجود رموز نظام مبارك.

ومن جانبه، أوضح الدكتور هاني الحسيني، عضو حركة 9 مارس الجامعية (من الحركات الثورية)، أن الخطر الأكبر حاليا هو تشرذم وحدة العمل الطلابي، معتبرا أن التيارات السياسية تنقل صراعاتها السياسية إلى داخل الحرم الجامعي مفتعلة أزمة طلابية لا وجود لها. ويقول المراقبون إن أنشطة سياسية وإعلامية وفنية تم إجهاضها في عدد من الجامعات الحكومية في الأشهر الأخيرة، بما يعني استمرار القمع الذي كان يمارسه نظام مبارك بحق الطلاب، في ظل إدارة المجلس العسكري الذي يتولى إدارة البلاد منذ الربع الأول من العام الماضي. ويشير المراقبون إلى أن القمع، وعلى خلاف ما كان في الماضي، بدأ يعرف طريقه إلى بعض الجامعات الخاصة، ومنها الجامعة الألمانية بالقاهرة التي قامت بفصل 5 من طلابها على خلفية قيادتهم لمظاهرات سياسية داخل الحرم الجامعي قبل شهر.