أفريقيا تتجه بخطوات بطيئة لكن ثابتة نحو الديمقراطية

السنغال ومالي قدمتا نموذجين متناقضين.. لكن الاتجاه العام يبعث على التفاؤل

سنغاليون يحتفلون بفوز سال بالرئاسة في داكار (أ.ف.ب)
TT

بعد 50 عاما من الاستقلال، لا تسير الديمقراطية في هذه المنطقة وفق خط مستقيم واضح، على العكس منها في الغرب، النموذج لغالبية الناس هنا، حيث تطلبت قرونا من الصياغة. كان هذا هو الدرس الأكثر وضوحا من تجربتين متباينتين لدولتين في غرب أفريقيا خلال الأسبوع الماضي؛ السنغال حيث تم نقل السلطة سلميا بعد انتخابات عادلة يوم الأحد، ومالي، حيث أودى انقلاب عسكري بالديمقراطية يوم الخميس.

تسير الديمقراطية في المنطقة، على الرغم من العقبات التي تواجهها، بخطوات وئيدة، ففي النيجر وغينيا تخلى الحكام العسكر عن السلطة إلى الشعب خلال الأشهر الـ18 الماضية، في الوقت الذي ووجهت فيه الانتهاكات اللاحقة بقوة. ففي ساحل العاج أثار الاستيلاء على السلطة انتفاضة شعبية، اتسع نطاقها فيما بعد عبر قوة السلاح الأجنبية. وفي ليبيريا رفض المرشح الخاسر نتائج الانتخابات الرئاسية خريف العام الماضي، بعد انتخابات شهدت مباركة واسعة النطاق، طمعا في كسب عطف المواطنين، لكن لم يستجب له سوى عدد قليل. وفي نيجيريا، تم الاحتفاء بانتخابات الربيع الماضي على الرغم من الأحداث الدامية والفوضى التي شابتها، وتم اعتبارها تقدما.

ما يظل ثابتا هو طموحات وفطنة الشعوب. فالمواطن العادي يريد التعبير عن رأيه، ويبدو أنه يعرف، حتى في أكثر الأحياء ظلما في كوناكري ونيامي وباماكو وداكار، أن الديمقراطية هي الحل الأفضل للخروج من الأزمة.

ما إن تتنسم الشعوب الحرية مرة، تناضل من أجلها بقوة، وما إن تتحقق تحميها بدمائها. الدول الأفريقية التي بدت عاجزة في الوقت الذي كان فيه الربيع العربي في الشرق الأوسط يغلي، تبدو أسفل أو في بعض الأحيان فوق السطح، حتى إن قادة الانقلاب في مالي اضطروا إلى الإعلان عن أنهم سيجرون الانتخابات الرئاسية في أقرب وقت، على الرغم من الشكوك باحتمالية حدوث ذلك. ورغم ما حدث في مالي، هناك تراجع مستمر في عدد الانقلابات التي بلغت أوجها في الستينات والسبعينات.

نزل آلاف المواطنين إلى الشوارع في العاصمة المالية، باماكو، وطالبوا بالعودة إلى الديمقراطية، وسرعان ما توالت الإدانات الدولية بالانقلاب. ففي واشنطن أعلنت إدارة الرئيس باراك أوباما أنها ستعلق مساعداتها غير الإنسانية إلى مالي، وحثت قادة الانقلاب الذي وصفته الإدارة بـ«التمرد» على العودة إلى الحكم المدني. وقالت فيكتوريا نولاند، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية: «نحن نرغب في أن نشهد حكومة منتخبة في أسرع وقت ممكن، حتى يمكن اللجوء إلى الانتخابات التي تقرر إجراؤها في وقت قريب». وقد أجرت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، محادثة هاتفية مع رئيس ساحل العاج، الحسن واتارا، الذي يقود مفاوضات التسوية في مالي. وأوضحت نولاند أن المسؤولين الأميركيين أجروا مناقشات مع قائد الانقلاب أمادوا هايا سانوغو. وقالت نولاند: «هذا موقف غير مقبول، تقوض فيه الديمقراطية في أفريقيا ولا بد من استعادتها».

وفي هذه الأثناء، لم تكن الحشود التي غص بها وسط مدينة داكار، العاصمة السنغالية مساء يوم الأحد تحتفل بانتصار المرشح الرئاسي، ماكي سال، بقدر التمسك بالمثل التي بدا أنها كانت معرض تهديد من مناورات الرئيس المهزوم عبد الله واد. وجاء عنوان «لو كوتيديان»، وهي صحيفة يومية في داكار «هزيمة واد حولت نفسها إلى انتصار للشعب والديمقراطية السنغالية».

على مدى السنوات الماضية تزايد الامتعاض ضد واد، وألقي عليه اللوم في محاولة منح ابنه مناصب قيادية، ويطمح في تولي السلطة لفترة رئاسية ثالثة، من خلال محاولة تغيير الدستور لتسهيل إعادة انتخابه والسعي للحصول على فترة رئاسية ثالثة في الوقت الذي يقصر فيه القانون السنغالي الفترات الرئاسية بفترتين. وبدا أن ما أنجزته الدولة على مدار خمسين عاما - وجود رئيس تنفيذي مع بعض المحاسبة في صندوق الاقتراع - بات معرضا للتهديد.

شعر السنغاليون بالظلم، عندما لاحظوا أن الرئيس نفسه يخرق القوانين. ويقول لمين ديوب، الذي كان ينتظر ليصوت في الجولة الأولى الشهر الماضي: «نحن من جئنا به إلى السلطة، وكنا نحمل في داخلنا أملا. لكنه حاول تطويع الأشياء بالقوة، وكان هذا هو ما انتهى إليه». وأضاف وهو يمد بصره إلى الصفوف الطويلة من الناخبين: «لم نرَ هذا النوع من الحشد من قبل».

كان عبد الله واد، صاحب السيارات الـ«ليموزين» والمشاريع الكبرى، منعزلا عن الشعب الذي جاء به إلى المنصب. وقالت صحيفة «لو كوتيديان» إن عبد الله واد ظل يعيش في برج من العاج، فقد فيه كل إحساس بالحقيقة التي يعيشها أبناء بلده. وقد رفضه السنغاليون ثلاث مرات خلال الشهور العشرة الأخيرة.

في البداية، اندلعت مظاهرات واسعة النطاق في داكار في يونيو (حزيران)، أجبرته على التراجع في إقرار التغييرات الدستورية، ثم جاء التصويت الذي انتهى بهزيمة مذلة حصل فيها واد على نسبة 34 في المائة، بعد شهور من التباهي أنه سيفوز بسهولة من الجولة الأولى، وواجه يوم الأحد ما بدت هزيمة ساحقة في الانتخابات على يدي سال، رئيس وزرائه الأسبق. وقال سال، صباح يوم الاثنين: «كان الانتصار بناء على استفتاء شعبي عام».

ظل السنغال بتاريخه الطويل من التصويت والاحترام للقواعد، ينظر إليه على الدوام على أنه استثناء في القارة. وبعد تذوق حلاوة الديمقراطية، كان المواطنون هنا أكثر حمية في الدفاع عنها. وكانت الديمقراطية السنغالية شبه معطلة. فالدولة التي خضعت لحكم حزب واحد طوال شطر كبير من تاريخها، وبرلمان شكلي وهيئة قضائية ضعيفة لم تتمكن من محاسبة الرئيس القوي. بيد أن الارتباط العاطفي للسنغاليين بالمثل الديمقراطية يمكن العثور عليه حتى في بعض أكثر الأماكن قمعا. ففي غينيا الاستوائية على سبيل المثال حيث يحكم نفس الديكتاتور لأكثر من ثلاثة عقود، يمكن العثور على مواطنين شجعان يتهامسون باشتياقهم إلى صندوق الانتخابات.

يعلم السنغاليون ما أعاد الشعب المالي اكتشافه، وهو أن الديمقراطية تحتاج إلى جهود مضنية في البناء وحمايتها بقوة. وإلا ستكون أقرب إلى الانقراض كقلم حاكم مستبد أو ماسورة مسدس ضابط صغير.

* شارك ستيفن لي مايرز في كتابة التقرير من واشنطن

* خدمة «نيويورك تايمز»