الرئيس المستقل!

طلال الحمود

TT

قبل نحو أسبوعين رفض الاتحاد الدولي لكرة القدم تعديلات قام بها الاتحاد اللبناني لكرة القدم على لائحته الداخلية، تضمن بقاء «المحاصصة» وتوزيع المناصب بين الطوائف اللبنانية المختلفة، بحيث يذهب منصب الرئيس للدروز، ونائب الرئيس للمسيحيين، والأمانة لمسلم شيعي إلخ.. وطالب الفيفا حينها بنسف هذه اللائحة على اعتبار أنها تقوم على الطائفية، وهذا ما يتعارض مع قوانين المنظمة الأم في زيوريخ، مهددا بتعليق عضوية لبنان وإيقاف منتخبها عن إكمال تصفيات كأس العالم الحالية. ولا أشك أن مسؤولي الفيفا أصيبوا بـ«الدوار» وهم يكتشفون أن هناك بلدانا ما زالت تكفر بالمنظمة الدولية، وتصر على طلب استثناءات تناسب رغبات وتوجهات القائمين على اتحاداتها المحلية!.. ومع الأسف يتصدر العرب دائما قائمة المخالفين، بدءا بالكويت، ومرورا بالعراق واليمن، وانتهاء بلبنان، وربما يكون لعقدة «الخصوصية» دور في هذه المخالفات!!

وبالحديث عن الاستثناءات لا بد أن نذكر الاتحاد السعودي لكرة القدم، على اعتبار أنه أحد الاتحادات التي تبحث عن الاستثناء دائما من خلال إقرار أنظمة ضد قوانين الفيفا ومن ثم البحث عن إجازتها ولو مؤقتا من الجهة نفسها، ومن ضمن تلك الاستثناءات المؤقتة تولي شخصية حكومية رئاسة الاتحاد السعودي لكرة القدم، وهو أحد الأمور التي ربما حمّست الأمير نواف للاستقالة من منصب رئيس اتحاد كرة القدم والاعتراف ضمنا بأن السير في ركب الاتحادات العالمية والالتزام بأنظمة الفيفا أكثر جدوى من البحث عن الاستثناء والعمل بطريقة محلية بعيدا عن الاستفادة من خبرات مهمة وفي مقدمتها ما يمنحه الاتحاد الدولي للاتحادات الأعضاء. وعلى الرغم من استقالة الأمير نواف وزوال المخالفة فإن هناك من عزّ عليه أن تمتثل كرة القدم السعودية لأنظمة الفيفا، وأن يسير اتحادها في طريق الإصلاح، فخرج علينا أخيرا من يطالب الأمير نواف بالعودة إلى منصبه، وعندما لم يتجاوب الرجل طلبوا منه أن يعين رئيسا ونائبا للاتحاد بقرار منه كمسؤول حكومي عن قطاع الشباب والرياضة، مما جعلنا نعود إلى المربع رقم واحد من خلال اعتقاد البعض أن ابتعاد الأمير نواف يعني ابتعادهم بالضرورة، لأن أعضاء الجمعية العمومية سيقولون كلمتهم بعيدا عن أي رغبة رسمية!

كثيرون يريدون عودة الأمير نواف أو تعيين رئيس بمعرفته بحجة الخوف من المجهول ووصول المتعصبين إلى اتحاد كرة القدم، وهي كلمة حق يراد بها باطل، على اعتبار أن هناك أنظمة ستحكم عمل الرئيس الجديد وصلاحيات مقننة، بل إن محاسبة الرئيس والأعضاء من قبل الجمعية العمومية ستكون أسهل من لو كان رئيس الاتحاد رجلا يشغل مرتبة وزير، ومع احترامي لأحمد عيد الذي يطالب البعض بتعيينه رئيسا للاتحاد، فإن تصريحاته الأخيرة تبرهن على أن الرجل لم يستوعب التجربة ولم يستشرف آفاقها، خاصة أن رئيس الاتحاد المقبل يجب أن يكون مستقلا وفق استقلالية الاتحاد الذي يرأسه، وألا يردد على مسامعنا استعداده التام لتنفيذ أوامر الرئيس العام لرعاية الشباب والسير حسب توجيهاته، لأن هذا يتنافى مع استقلالية الاتحاد ويمثل إهانة للجمعية العمومية التي ستوصله إلى منصب الرئيس.

الانتخابات تجربة جريئة خاضها التجار من خلال الغرف التجارية، وخاضها الأدباء من خلال الأندية الثقافية، وسيخوضها الرياضيون من خلال الاتحاد كما خاضوها في الأندية، وهي ليست خطرا في وجود الأنظمة والقوانين التي تحكم عمل المجلس المنتخب، بل على العكس ستكون قناة مهمة للتطوير ومكافحة القرارات الارتجالية متى ما كان الوسط الرياضي على قناعة بقدرته على صناعة القرار كما يحدث في اتحادات كرة القدم في العالم. عموما أعتقد جازما أن هذه التجربة إن لم تمنحنا فرصة أكبر للعمل والتطوير فإنها لن تضرنا، لأننا سننطلق من نقطة الصفر التي عدنا إليها أخيرا.