البطالة تحول «الربيع العربي» إلى «شتاء اقتصادي»

حلم الحرية يرتطم بجدار الفقر بعد التخلص من الطغاة

مظاهرات أصحاب المهن تزداد في القاهرة في ظل الحكم الجديد (نيويورك تايمز)
TT

يفترش أمير محمد الرصيف أمام السفارة الليبية في القاهرة وينام على طبقات من الورق المقوي منذ أسبوع في انتظار الحصول على تأشيرة، بعدما فشل في العثور على وظيفة في مصر ويبحث عن أي طريقة الآن للعودة إلى ليبيا مرة أخرى. يقول محمد، الذي يعمل حلاقا ويبلغ من العمر 30 عاما: «أحاول أن أعيش في بلدي، ولكني غير قادر على ذلك، لأنه لا يوجد أي عمل، فلماذا قمنا بالثورة إذن؟ كنا نريد مستوى معيشيا أفضل وحرية وعدالة اجتماعية، ولكننا لم نجد سوى المعاناة». وذلك حسب ما ذكرت وكالة «بلومبيرغ» في تقرير مطول.

وقد أدت معدلات البطالة المرتفعة في منطقة الشرق الأوسط، وهي أعلى معدلات بطالة في العالم، إلى اندلاع الثورات التي أطاحت بالرئيس المصري السابق حسني مبارك، وثلاثة آخرين من القادة خلال العام الماضي. ومع ذلك تدهورت تلك المشكلة وتزايدت حدتها منذ ذلك الحين، حيث تشير التقديرات إلى أن نحو مليون مصري قد فقدوا وظائفهم عام 2011، بسبب تعرض الاقتصاد المصري لحالة من الانكماش هي الأولى من نوعها منذ عقود. وعلاوة على ذلك، أعلن البنك المركزي التونسي أن معدلات البطالة في تونس، التي كانت مهد الثورات العربية، قد ارتفعت بنسبة تتعدى 18 في المائة، مقابل 13 في المائة عام 2010، حسب بيانات صندوق النقد الدولي.

وسيكون إيجاد وظائف لأشخاص مثل أمير محمد هو التحدي الأكبر للحكومات المنتخبة حديثا، وهو ما يسلط الضوء على الصدع القائم بين سقف التوقعات المرتفعة للثورات العربية وحقيقة الاقتصادات التي تصارع من أجل الهروب من حالة الركود. وسوف يؤدي الفشل في تحقيق ذلك في نشوب موجة أخرى من الاضطرابات في منطقة تمتلك أكثر من نصف احتياطات العالم من النفط.

وقال رضا أغا، وهو اقتصادي بارز في مصرف «رويال بنك أوف سكوتلاند» في بريطانيا: «اقترن ظهور الديمقراطية بوجود آمال وتوقعات مرتفعة للغاية. وثمة توقعات بأن الحكومات الجديدة ستحقق الرخاء الاقتصادي، ولكن يبدو أن هذه ليست هي الحقيقة».

وقد انكمش الإنتاج المحلي الإجمالي لتونس بنسبة 1.8 في المائة خلال العام الماضي، وخفضت الحكومة خلال الشهر الحالي توقعاتها الخاصة بمعدل النمو لعام 2012 بنسبة تتراوح بين 1 في المائة و3.5 في المائة. يذكر أن الاقتصاد التونسي لم يشهد أي حالة انكماش منذ عام 1986، حسب بيانات صندوق النقد الدولي. وانكمش الاقتصاد المصري بنسبة 0.8 في المائة خلال عام 2011. وعلى الرغم من أن مؤشر البورصة المصرية قد انتعش خلال العام الحالي، إلا أنه ما زال أقل من مستويات قبل الثورة بنحو الثلث تقريبا. وانخفض مؤشر «EGX30»، الذي يقيس أداء أنشط 30 شركة في البورصة المصرية، بنسبة 6.6 في المائة خلال الشهر الحالي.

وبحسب البيانات الصادرة عن وكالة «بلومبيرغ»، أعلنت شركة «موبينيل»، ثاني أكبر شركة اتصالات وأقدمها في البلاد، عن أولى الخسائر التي تعرضت لها منذ أكثر من عقد من الزمان، بسبب اقتصاد العملاء في الإنفاق. وعلاوة على ذلك، انخفضت الأرباح في «مجموعة طلعت مصطفى القابضة» بنسبة 39 في المائة. وقال سيمون ويليامز، وهو كبير الخبراء الاقتصاديين لدى مصرف «إتش إس بي سي ميدل إيست»: «مصر بحاجة إلى نمو اقتصادي ووظائف وسائحين واستثمارات، وهذه مجموعة من التحديات الاقتصادية الصعبة للغاية على أي شخص، ناهيك عن الحكومة الجديدة التي جاءت عقب الثورة والتي ينتظر منها تحقيق الكثير».

وتعمل نقابات العمال، التي ساعدت في التعجيل بالإطاحة بحسني مبارك وزين العابدين بن علي، على دفع الحكومات الجديدة على تحسين الأوضاع والأجور. وكانت النتيجة في كل من مصر وتونس هي المزيد من الاحتجاجات والإضرابات، في الوقت الذي انخفض فيه عدد السائحين وتقلصت الاستثمارات.

وتبلغ النسبة بين عدد المصريين والتونسيين الذي يتوقعون توفير فرص عمل بعد عام من الآن، وعدد الذي يتوقعون حدوث انخفاض، 4 إلى 1، حسب دراسة عن الشرق الأوسط على موقع «يوجف» وموقع «بيت»، وهو موقع توظيف يتخذ من دبي مقرا له.

وقالت آن وايمان، وهي العضو المنتدب لمصرف «ماكسولا بورص» الاستثماري الذي يتخذ من تونس مقرا له، إن توقعات الناس تشكل «تحديا في الاتصال وتبادل الآراء أكثر من أي شيء آخر. ونعلم جيدا، من الناحية الاقتصادية، أنه لا يمكن حل مشكلة البطالة بتلك السرعة». وتقع مسؤولية الوفاء بتوقعات الناس على عاتق السياسيين الإسلاميين، حيث قطع حزب النهضة الإسلامي في تونس على نفسه عهودا في الحملة الانتخابية بتوفير 590.000 فرصة عمل بحلول عام 2016 في الدولة التي لا يزيد عدد سكانها على 10 ملايين نسمة.

وفي مصر، يسيطر حزب الحرية والعدالة، وهو الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، على برلمان ما بعد الثورة، حيث يسيطر الحزب وحلفائه على ما يقرب من نصف مقاعد البرلمان. وقد وعدت الجماعة بتوفير المزيد من فرص العمل من خلال ضخ مزيد من الاستثمارات في الصناعة والزراعة وتكنولوجيا المعلومات. وعلاوة على ذلك، قدمت الجماعة اقتراحا بالربط بين الإعانات الصناعية وتوفير فرص العمل الجديدة. وقد أعلن المجلس العسكري الذي تولى السلطة عقب الإطاحة بمبارك أنه سيسلم السلطة إلى قيادة مدنية منتخبة عقب الانتخابات الرئاسية المزمع عقدها في شهر يوليو (تموز) المقبل.

وكان وزير المالية المصري السابق، سمير رضوان، الذي كان واحدا من 4 وزراء لم يتم تغييرهم عقب الثورة المصرية، يخطط لتوفير مزيد من فرص العمل من خلال ضخ استثمارات في مجال البنية التحتية مدعومة بقرض من صندوق النقد الدولي بقيمة 3.2 مليار دولار، ولكن تم الإطاحة به من منصبه في التغيير الوزاري في شهر يوليو الماضي. ولا يزال رضوان يؤيد هذه السياسية، حيث صرح خلال الشهر الماضي بأن الإنفاق يجب أن يبدأ «فورا»، وأن الاحتجاجات قد تندلع مجددا ما لم يتم تلبية مطالب «الحرية والعدالة الاجتماعية» التي اندلعت من أجلها الثورة المصرية، بشكل عاجل.

وقد تلاشت المعارضة الموجودة في صفوف المجلس العسكري للحصول على قروض من صندوق النقد الدولي، بعد الانخفاض الحاد في احتياطات النقد الأجنبي والذي انخفض بأكثر من النصف خلال العام الماضي ليصل إلى 15.7 مليار دولار، وهو ما يغطي ما يزيد قليلا على 3 أشهر من الواردات. وتحتاج مصر لتمويل يصل إلى 11 مليار دولار خلال عامين، حسب تصريحات وزير المالية الحالي، ممتاز السعيد، الذي دعا وفدا من صندوق النقد الدولي لإجراء محادثات.

وفي مقابلة أجريت معه في السابع والعشرين من شهر يناير (كانون الثاني) الماضي في دافوس، قال محافظ البنك المركزي التونسي، مصطفى كامل نبيل، إن بلاده تسعى للحصول على 5 مليارات دولار خلال العام الحالي لتغطية عجز في ميزان المدفوعات قد يصل إلى 7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. وحتى يتمكن العالم العربي من توفير فرص عمل جديدة للشباب، يتعين على الاقتصادات العربية أن تتحد معا، حسب إحدى الدراسات التابعة لجامعة أكسفورد، التي تم نشرها في شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي عن طريق عادل مالك وباسم عوض الله، وهو وزير مالية سابق في الأردن. وقد سلطت الدراسة الضوء على القيود المفروضة على حركة الاستثمارات والبضائع والأشخاص عبر الحدود.

المحصلة، في عالم عربي تعداد سكانه 350 مليون نسمة، هي مستويات ضئيلة من التجارة الداخلية وأسواق إقليمية «منفصلة عن بعضها البعض وعن بقية أجزاء العالم»، حسب ما جاء في الدراسة. وقد يكون من الأوفر بالنسبة لشركة أردنية جلب عمالة من المملكة المتحدة عن جلبها من لبنان المجاورة، في حين «يمكن أن تشكل متطلبات الحصول على تأشيرات للسفر داخل المنطقة عقبة كالرحلة نفسها».

وتكافح ليبيا من أجل التعافي من آثار ثورتها، التي انتهت بمقتل معمر القذافي في أكتوبر (تشرين الأول) بعد قتال استمر 8 أشهر. وتسعى المنطقة الشرقية، التي تملك معظم النفط في الدولة، إلى الحكم الذاتي، مثيرة قلاقل مع الحكومة المؤقتة المركزية. وحتى قبل الثورة، وصل معدل البطالة إلى 26 في المائة، بحسب صندوق النقد الدولي. وأنشأ مصرف «ماكسولا بورص» الاستثماري التونسي صندوقا لتطوير المنطقة الداخلية. وهناك بدأت الاحتجاجات ضد بن علي عندما أضرم محمد البوعزيزي، بائع الخضراوات والفواكه المتجول، النار في نفسه.

وبعد مرور أكثر من عام على وفاته، وعقب مرور 3 أشهر من توليها السلطة، ربما تكون الحكومة التونسية التي يقودها إسلاميون عرضة للتهديد من قبل منافسين في ما يتعلق بالاقتصاد والوظائف، حسب ما ذكرت وايمان من «ماكسولا بورص». ومن المقرر إجراء انتخابات برلمانية أخرى بعد قيام الجمعية التأسيسية الحالية بصياغة الدستور. وأضافت وايمان: «بالنسبة للأحزاب التي تحاول الانتصار على حزب النهضة، ربما تكون الانتخابات هي ساحة المنافسة التي سيستهدفونها»، وقالت وايمان: «سيواجه حزب النهضة صعوبات في تسلم مقاليد السلطة».

وفي مصر، سيتعين على من يصل إلى سدة الحكم أن يكسب تأييد أفراد مثل محمد وآخرين من المعتصمين في خيام أمام السفارة الليبية. لقد عتم كل من الفقر والبطالة رؤيتهم للثورة التي دعموها. وقال محمد: «لا يوجد أي تغيير. نريد أن نشعر بأننا متمتعون بحقوقنا في بلدنا. من يشعر بذلك؟»، هكذا تساءل، وهو يتطلع إلى الرجال المحتشدين حوله. أجاب معظمهم: «لا أحد!».