نازحة سورية لـ«الشرق الأوسط»: حمص مدينة أشباح.. والأسد حاول إبادتنا

600 عائلة سورية نزحت إلى طرابلس

طفل سوري يلوح بشارة النصر في مخيم على الحدود التركية أمس (رويترز)
TT

تستقبل مدينة طرابلس الواقعة في شمال لبنان منذ اندلاع الانتفاضة السورية ضد نظام بشار الأسد النازحين السوريين الآتين من مناطق ريفية وأحياء داخلية في محافظة حمص، لا سيما بعد أن قامت قوات الأسد باقتحام أحيائها ودكها، حيث هربت العائلات إلى قرى وبلدات القصير الحدودية ومن هناك هربت النسوة مع الأطفال إلى مناطق عكار وطرابلس اللبنانية.

ويصل عدد العائلات السورية النازحة في طرابلس إلى 600 عائلة بحسب إحصاء يقوم به ناشطون ميدانيون، استأجرت بعض العائلات منازل صغيرة وبعضها الآخر استقر في بيوت أقارب لهم حيث تربطهم بسكان طرابلس أواصر قرابة ومصاهرة.

وفي زيارة ميدانية لـ«الشرق الأوسط» لعائلات سورية، لم تتورع السيدة أم جمال الهاربة مع بناتها الخمسة إلى شقة صغيرة تسكنها شقيقتها المتزوجة من عامل بسيط في تلة طرابلسية عن سرد حكايتها المؤلمة بعد أن اضطرت إلى بيع كل مصاغها للدخول إلى لبنان والهرب ببناتها والحفاظ عليهن من محاولات القتل والاغتصاب. تقول إن «حمص صارت أشبه بمدينة أشباح بعد أن قصفتها قوات الأسد وقتلت الناس فيها واعتقلت شبابها وحولت بيوتها إلى ركام»، مشيرة عبر «الشرق الأوسط» إلى أن «شبيحة نظام الأسد كانوا يقومون باغتصاب الفتيات والاعتداء على النسوة وخلع حجابهن بعد أن اضطر الرجال إلى الهرب من البيوت والاختباء في القرى الحدودية خوفا من الاعتقال والملاحقات والقتل». تجلس أم جمال في زاوية الغرفة مستكينة وعيناها الذابلتان تبثان انكسارا مؤلما، فيما ابنتاها الصغيرتان شيماء وهناء ممددتان قربها. تقول أم جمال إن «حال سكان حمص كارثي بعد أن دمرت أحياء بكاملها وسرقت ونهبت كل الممتلكات».

ويتحدث النازحون الواصلون حديثا إلى مدينة طرابلس من مدن وبلدات وقرى محافظة حمص بشيء من الخوف عن «خطورة الأوضاع هناك في ظل تصاعد وتيرة الارتكابات والجرائم ضد الإنسانية الممارسة من قبل فرق عسكرية وشبيحة تابعين لنظام الرئيس السوري بشار الأسد». وبالتزامن تتصاعد أيضا وتيرة معاناة النازحين وسط صعوبات معيشية في حين تجهد الجمعيات والمؤسسات الخيرية لسد النقص الذي تخلفه الهيئة العليا للإغاثة. يتحدث أبو عابد أحد النازحين عن الحياة السيئة اليومية التي يعيشها النازحون في طرابلس بعد تراجع نسبة المساعدات والمؤن التي كان المفروض أن تقدم إليهم، موضحا أن «الجمعيات الأهلية وحدها لا تستطيع أن تقدم مساعدات دائمة للعائلات حيث إن التمويل يعتمد على بعض الناس من مناطق الشمال اللبناني والحكومة اللبنانية لا تقوم بجهد كاف من أجل متابعة وضع النازحين الإنساني». مشيرا إلى أن «التقاعس الحكومي يعود إلى الالتباس في الفريق السياسي داخلها التابع لحزب الله الحليف المباشر لنظام الأسد في لبنان».

أبو محمد الواصل حديثا إلى طرابلس من حي الخالدية في حمص أبدى اشمئزازه من روايات النظام السوري وإعلامه حول الأوضاع في مدينة حمص خاصة بعد زيارة رأس النظام وقال: «كان هناك منطقة في هذه الدنيا اسمها حمص لكنها اليوم اختفت وكل شيء فيها دمار، وإذا لم يبادر العالم سريعا لمحاولة إنقاذ ما تبقى من المدينة فستكون كارثة إنسانية كبيرة، وما يعرض على وسائل الإعلام من فظائع وجرائم ضد الإنسانية ما هو إلا واحد في المائة مما يحدث على أرض الواقع، فأنا مثلا لدي مئات الأقارب والأصدقاء في حمص لا أعرف مصير أي واحد منهم».

وأضاف: «يتهموننا بالإرهابيين والعصابات المسلحة بينما الجميع يعلم أن النظام الأمني الديكتاتوري كان شديدا لدرجة أنه لا أحد يستطيع النزول إلى الشارع وفي جيبه سكين، ونحن كنا نخرج مطالبين بالحرية وليس بحوزتنا حتى غصن زيتون فمن أين لنا الأسلحة؟».

وعن زيارة الأسد إلى حي بابا عمرو في حمص قال: «كل من يعرف بابا عمرو يدرك أن الصور التي عرضت ليست من الحي بل هي منطقة جورة العرايس المتاخمة لقرى موالية للنظام». وقال: «نحن نعيش أوضاعا صعبة للغاية كنازحين ومشردين فأنا هنا وأخي في الشام وأختي مشردة لا نعرف أين أراضيها ولا اتصالات فيما بيننا في ظل انقطاع الهاتف والإنترنت مع الداخل، وكل ذلك لماذا؟ لأننا خرجنا لإزاحته ولإزاحة الظلم عنا».

ويقول أبو خالد الواصل من منطقة وادي السايح وسط حمص المتاخمة لبعض القرى الموالية للنظام متهكما: «سوريا بخير طالما أن هناك أناسا يعرفون أن الشهادة حق ويخرجون للمطالبة بالحرية والعدل من دون الخوف من الملاحقة والاعتقال والتعذيب وحتى الاستشهاد». ويضيف: «أنا تعرضت للملاحقة منذ ستة أشهر ولثماني مرات متتالية من مختلف فروع الأمن فقط لأن جدي، منذ 47 سنة، مشتبه بتهمة الانتماء لـ(الإخوان)، على الرغم من صدور حكم ببراءته لكن يبقى العقاب قائما وصولا إلى أحفاده فنحن ممنوع علينا مثلا الانتساب لفرع الجوية وتعلّم الطيران».

وتابع: «يتهموننا بالإرهابيين والمسلحين، نعم رأيت بأم عيني مسلحين وأستطيع أن أسمي عائلات كان شبابها جميعا من المسلحين لكن السؤال عن مناطق وجودهم في مناطق (عكرمة الجديدة) وفي (وادي الذهب) المتاخمة لمناطق النزوح يثبت هوية هؤلاء الشبيحة، أما الصور عن المؤيدين للنظام فنحن نعلم كيف ترتب، فمثلا ابن خالتي أجبر على الظهور كمؤيد، أما لماذا، فلأن الأمن وعد بإطلاق أخيه من الحجز!». ويتابع: «يجوز أن أصبح أنا مؤيدا للنظام لو أنني ما زلت في سوريا ويجوز أن أظهر على التلفاز السوري للاعتراف بأنني إرهابي وكان معي فلان وفلان.. والجميع يعرف ما الثمن المقابل لذلك.. أما إذا رفضت إجراء المقابلة فيعطيك العافية».