تساؤلات حول فعالية الطريقة الفرنسية في محاربة الإرهاب

الفرنسيون يعتمدون على الجهد البشري ويخصصون موارد أقل للتحقيق من الأميركيين

جنود فرنسيون يراقبون الوضع أمام برج إيفل في باريس (إ.ب.أ)
TT

لدى الولايات المتحدة وفرنسا مفاهيم متناقضة حول الحرية والمساواة والإخاء، على الرغم من أن هذه الكلمات تبدو هي نفسها في كلتا اللغتين، وفي الوقت ذاته تختلف وسائل مكافحة الإرهاب الداخلي، وهذه عبارة فرنسية أخرى تعود إلى عام 1789، وتعتبر مختلفة أيضا نتيجة للإرث التاريخي والأنظمة القضائية والاختلاف الواضح بين تصورات الدولتين.

الرعب الذي شهدته مدينة تولوز، بمقتل 7 أشخاص في غضون أيام قلائل على يد محمد مراح، 23 عاما، الفرنسي الذي زعم عضويته في جماعة القاعدة، أحدث حالة من الجدل في فرنسا بشأن ما إذا كانت قوات الشرطة والخدمات الأمنية قد فشلت في التعرف عليه حينها، وقد فشلت الشرطة أيضا في القبض عليه حيا، وهو ما جعل من الصعوبة بمكان معرفة حقيقة اتصالاته والدوافع التي أودت به للانضمام إلى منظمات إرهابية.

من الواضح أن مراح غاب عن أعين الشبكة الفرنسية التي تعتمد بقوة على الحكم والذكاء البشري، ويتساءل الفرنسيون عن السبب، وهل كان سيتم التعرف عليه إذا استخدمت الوسائل الأميركية الآلية والأكثر تكلفة، التي تعتمد على المراقبة المحوسبة للاتصالات الهاتفية والإنترنت. هذا السؤال لم يلق إجابة بطبيعة الحال، لكن الاختلافات بين البلدين ووسائلهما في محاربة الإرهاب شاسعة. يقول مارك تريفيدك، قاضي التحقيقات البارز في قضايا الإرهاب في فرنسا: «في الولايات، النظام هو الذي يحدد، أما في فرنسا فالأشخاص هم من يقومون بذلك».

جدير بالذكر أن الولايات المتحدة استخدمت، في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، موارد هائلة من القوة العاملة والمال وأجهزة الكومبيوتر في الحرب الكونية ضد الإرهاب التي عملت في الوقت ذاته على تعقب الإرهابيين المحتملين في الداخل في بلد به نسبة ضئيلة وأكثر اندماجا من المسلمين. أما فرنسا، صاحبة التاريخ الاستعماري، فقد تعاملت مع هذه التحديات على مدار وقت أطول. ونظرا لاحتوائها على أكبر عدد من مسلمي أوروبا - 10% تقريبا من السكان، عادة ما يتركزون في الأحياء الأكثر فقرا - والشراكة الوثيقة مع الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ركزت فرنسا جهودها بشكل أكبر على منع تجنيد الإرهابيين المحتملين عبر الاختراق المنتظم للمساجد والشبكات الإسلامية المتطرفة.

ونتيجة لهذا التاريخ والميزانية المحدودة، تعتمد فرنسا، بشكل أكبر، على الاتصالات البشرية والاستخبارات المحلية والمراقبة أكثر مما يفعل الأميركيون، ويستطيع ذلك أن يجعل الأميركيين أكثر اطلاعا لكن أقل منهجية وقدرة على ربط العلاقات من الأميركيين، الذين حاولوا التعلم من الإخفاق في كشف مؤامرة الحادي عشر من سبتمبر قبل وقوعها، وإجمالا يرى القاضي تريفيدك أن فرنسا تخصص عُشر الموارد التي يخصصها الأميركيون لأي قضية معينة.

ويغلب على فرنسا الطابع المركزي لا الفيدرالي، لكنها حاولت، في أعقاب سلسلة التفجيرات التي أصابتها في الثمانينات، التنسيق بين الاستخبارات الداخلية والخارجية عبر إنشاء وحدة تنسيق مكافحة الإرهاب، وحاولت القيام بشيء مشابه داخل وزارة العدل. فوضع القانون الفرنسي الذي يحكم عمل الاستخبارات عام 1968 وأعيد تنقيحه مرة أخرى بعد عام 1995 وعام 2001، مع إضافة إصلاح آخر في عام 2006 من قبل نيكولا ساركوزي، الذي كان يشغل حينئذ منصب وزير الداخلية، يعطي هامشا أكبر من المناورة لقضاة التحقيق والشرطة. وتم تأسيس الإدارة المركزية للاستخبارات الداخلية عام 2008 كاندماج بين خدمة الاستخبارات لوزارة الداخلية، التي كانت مسؤولة عن مكافحة الإرهاب، ومكافحة التجسس والشرطة.

على الجانب الآخر، تتخذ الحرب على الإرهاب شكلا أكبر من اللامركزية في الولايات المتحدة، لكن ذلك لا يخلو من التعقيدات؛ فالتوترات بين مكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة الاستخبارات المركزية ووكالات الشرطة الولائية أو المحلية معروفة، خاصة الخلافات بين مكتب التحقيق الفيدرالي ودائرة شرطة نيويورك التي تمتلك وحدة لمكافحة الإرهاب. ويرى كريستوفر ديكي، في كتابه «تأمين المدينة»، الذي صدر عام 2009، أن هذا التوتر يشكل أحيانا تسلية ويكون مربكا في أحيان أخرى. ويقول ديكي: «فرنسا دولة لديها فقط قوتان للشرطة، كلتاهما وطنية؛ لذا لا توجد منافسة واضحة بين الوكالات».

من الناحية القانونية أيضا، ركزت فرنسا قضايا الإرهاب في محكمة واحدة، وحاولت إعادة دمج إجراءات مكافحة الإرهاب في القانون العادي، لكن مع مرونة أكبر في تحقيقات الإرهاب والتحرك بناء على شكوك وطلب التنصت أو المراقبة ووقف المشتبه بهم لفترات زمنية أطول. بينما لا تزال الولايات المتحدة تحاول التوفيق بين الإجراءات القانونية ومكافحة الإرهاب، وتبحث في إغلاق معسكر غوانتانامو في النهاية أو وقف المحاكمات العسكرية لمعتقلين مثل خالد شيخ محمد.

وعلى الرغم من سهولة تبسيط الأمور، فإن الدولة الفرنسية تمتلك الكثير من القوة للتنصت على حياة مواطنين والقبض على المشتبه بهم بصورة استباقية. وقال غراي سكميت، خبير الاستخبارات الباحث المقيم في الدراسات الأمنية في معهد إنتربرايز الأميركي: «تمتلك فرنسا نظاما عدائيا إلى حد بعيد، فقبل هجمات الحادي عشر من سبتمبر كانوا يمركزون العمليات الاستخباراتية ويعدلون القوانين لتمكنهم من اختطاف الأفراد في مرحلة مبكرة لتعطيل أي شيء مسبقا، فهم يقومون بالكثير من الأشياء، بما في ذلك اعتراض المكالمات الهاتفية التي تجعل من قانون باتريوت ساذجا إلى جواره، نتحدث في الولايات عن الاستباق في المجال العسكري، لكن الفرنسيين يتحدثون عن الحرب الاستباقية على الجبهة الداخلية لكشف المؤامرات والمكائد».

وقد تعرض هذا النهج الفرنسي للانتقاد لتعصبه والتحيز العنصري وانتهاك الحقوق المدنية، وعندما يفشل يواجه انتقادات كبيرة للغاية. لماذا لم تتمكن السلطات من وقف القاتل الذي قتل سبعة أشخاص – 3 ضباط و3 أطفال وحاخام بدم بارد - في الوقت الذي كان يخضع فيه للمراقبة لقيامه برحلات إلى المنطقة الحدودية الباكستانية - الأفغانية واهتمامه بالمواقع السلفية؟

ومنذ عام 1995، عندما هزت مجموعة من التفجيرات الإرهابية باريس، لا تزال بعض المؤامرات قائمة، بيد أن هذا بالنسبة للفرنسيين يشكل قدرا من العزاء لفرنسا؛ فنجاح الولايات المتحدة في منع حدوث هجمات جديدة على أراضيها لا يمكن أن يقدم الكثير للتكفير عن الأخطاء التي سبقتها.

* خدمة «نيويورك تايمز»