النظام السوري: لا ننتظر حل أنان.. وعلى الدول العربية التخلي عن «التناحة» السياسية

المتحدث باسم وزارة الخارجية: أجندة مؤتمر اسطنبول «لمعاداة سوريا وعرقلة مهمة أنان»

TT

أعلن النظام السوري أن «معركة إسقاط الدولة في سوريا انتهت بلا رجعة» وأن «معركة تثبيت الاستقرار والنهوض بسوريا المتجددة قد بدأت». وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية السورية جهاد مقدسي في حديث خاص للتلفزيون السوري بث في وقت متأخر من مساء أول من أمس الجمعة، إن أنان «أقر بحق الدولة في الرد على العنف المسلح كمنطق سياسي وسيادي»، وإن «سوريا ستحتفظ بحقها في استخدام قواتها للحفاظ على الأمن» قبل الانسحاب من المدن تماشيا مع خطة مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية كوفي أنان. ولفت مقدسي إلى أنه من مصلحة «سوريا إنجاح مهمة أنان دبلوماسيا»، وذلك من «باب سحب الذرائع وتعزيز مواقف حلفائها الدوليين وتكريس الانطباع بأن النظام السياسي في سوريا منفتح وليس خائفا من الواقع وهو متأكد مما يقوله» لأن سوريا بحسب مقدسي «تخوض معركة دبلوماسية مع عالم غربي معادٍ لها» إلا أنه بحسب رأي مقدسي موضوع التهدئة «ليس بيد سوريا فقط» وأن «40 في المائة من مستلزمات نجاح مهمة أنان موجودة في سوريا بينما الباقي في الخارج عند دول تحتضن وتكرس عناد المعارضة الخارجية وتقول لها لا تتحدثوا مع القيادة السورية لأنها راحلة».

ولفت المتحدث الرسمي إلى وجود «واقع على الأرض يجب التعامل معه، وقد يصطدم بأمور ترتبط به»، مؤكدا أن «مهمة الجانب السوري تسهيل هذه الأمور وتذليل العقبات ما دام المطلوب تثبيت استقرار سوريا وتهدئة النفوس للتوجه للحل السياسي».

وقال أن «بعض» الدول العربية تعاني حالة «عند سياسي» فيما الدول الكبرى حتى المعادية لسوريا تجري «إعادة حسابات وإعادة تموضع» مؤكدا على أن «الديموغرافيا السورية هي التي فازت» لذا يجب على تلك الدول العربية الخروج من هذه «التناحة السياسية» بحسب تعبير مقدسي.

وقال مقدسي إن أنان قدم «لا ورقة ذات سقف عالٍ ليست منطقية للغاية ببداية المطاف ولا تناسب خصوصية الواقع السوري» وإن سوريا وخلال يومين قدمت «لا ورقة جوابية وتوضيحية لأن الموضوع ليس عقد إذعان بل اتفاق برضا طرفين» ثم أرسل أنان فريقا تقنيا إلى سوريا أجرى «خمس جولات مفاوضات شاقة مع وزارة الخارجية على مدى ثلاثة أيام تم التوصل في نهايتها إلى ما سمي مبادرة أنان». ذات الست نقاط تضاف إليها الرسائل المتبادلة بينه وبين وزير الخارجية وليد المعلم والاثنان يمثلان فهما مشتركا لمهمة أنان «فهو لم يخترع حلا للأزمة لأن الحل معروف».

وقال مقدسي إن «سوريا ليست بانتظار أنان ليحل الأزمة بل ليساعد بحشد الدعم لحل الأزمة عبر مبادرة دولية نأمل صدقها». مشيرا إلى أن أحد البنود في المبادرة كما في تجربة بعثة المراقبين العرب كان «سحب المظاهر المسلحة من الأحياء السكنية والمدن وغيرها» ورأى مقدسي أن «تحقيق سحب المظهر المسلح يتم عندما يتاح لأي منطقة العودة إلى الحياة الطبيعية» وأضاف «نحن ندرك أنه عندما تم ذلك فعليا من قبل أصبح هناك تسليح أكبر وظهرت محاولات للسيطرة على أحياء بالكامل وأخذها رهينة ضد الدولة».

ولفت مقدسي إلى أن وجود «العنصر المسلح المضاد لشرعية الدولة في الأزمة السورية بات أمرا موثقا قانونيا ودوليا ومعترفا به» وفق تقرير بعثة المراقبين العرب وأن ذلك هو الذي «يعطل الحل السياسي» لذا بحسب رأي مقدسي موضوع التهدئة «ليس بيد سوريا فقط لأن الأزمة السورية مركبة وهناك 40 في المائة من مستلزمات نجاح مهمة أنان موجودة في سوريا بينما الباقي في الخارج عند دول تحتضن وتكرس عناد المعارضة الخارجية وتقول لها لا تتحدثوا مع القيادة السورية لأنها راحلة» وكشف مقدسي عن «أحد بنود التفاهم بين أنان والوزير المعلم هو سعي عنان لدى الخارج وجميع الأطراف ذات الصلة للالتزام بإيقاف العنف» ما اعتبره مقدسي «اعترافا تاما أن العنف ليس من طرف واحد» وقال إن على أنان القيام بجولة على «العواصم التي تمول وتستضيف وتحرض المعارضة» ليحثها على «وقف ذلك ووقف التحريض الإعلامي المشارك في سفك الدم السوري». كما أشار إلى أنه تم التواصل مع أنان فيما يخص «موضوع التهدئة» وسيتم «التفاوض من أجل توقيع بروتوكول إطاري يحدد آلية ارتباط» بمعنى «تنسيق بين مجموعة من المراقبين يأتون إلى سوريا في مهمة محددة لدراسة الموضوع في إطار محدد تحت مظلة السيادة السورية». منبها إلى أنه «لا شيء يضمن عدم تكرار ما جرى مع بعثة المراقبين العرب في مهمة أنان» وقال «نحن مضطرون للمضي قدما في لعبة سحب الذرائع».

وأشار مقدسي إلى أن أنان «أقر بحق الدولة في الرد على العنف المسلح كمنطق سياسي وسيادي» وأن سوريا نجحت في «تثبيت واقعها على المشهد الدولي بمساعدة روسيا والصين» الأمر الذي «مكن من الوصول إلى نسخة معدلة في موضوع المبادرات هي مبادرة أنان كنسخة معدلة ومحدثة عن موضوع المراقبين العرب» وأوضح مقدسي أن بيان مجلس الأمن احتوى «جملة مفتاحية هي أن العملية السياسية تقودها سوريا وبالتالي انتهى موضوع تنظير البعض عن التنحي».

وحول الخطوة القادمة في مهمة أنان قال مقدسي إن «أبرز خطوة لاحقة هي توقيع البرتوكول الذي ينظم موضوع المراقبين للوصول إلى التهدئة، وسوريا ستستقبل قريبا وفدا تقنيا للتفاوض بين الجانب السوري والأمم المتحدة على آليات هذا التطبيق». مؤكدا على الالتزام «بالتعاون إيجابيا مع مهمة عنان التي تم تبادل الشرح بشأنها وهذا ما وصفه عنان بالرد الإيجابي ولكن هناك واقعا على الأرض يجب التعامل معه وقد يصطدم بأمور ترتبط به ومهمة الجانب السوري تسهيل هذه الأمور وتذليل العقبات».

وفيما يتعلق بالتصريحات الأميركية حول مهمة أنان رأى مقدسي أن «هناك تصريحات متضاربة من المسؤولين الأميركيين احتوت في بعضها على أمور إيجابية هي الترحيب لأنه ليس باستطاعتهم إلا أن يرحبوا ليس لأنهم يحبون سوريا بل لأن هناك واقعا يفرض ذلك».

كما طالب جهاد مقدسي أطراف المعارضة بـ«الجلوس حول طاولة واحدة بكل شفافية دون أي محرمات سوى التدخل العسكري في سوريا» وقال إن «الفيصل بين الجميع هو صندوق الانتخابات والآليات الدستورية». وقال مقدسي «القيادة السورية تقوم بجس نبض للمعارضة كل شهرين وتترك دائما باب الحوار مفتوحا للجميع ولكن من يرفض الحوار هو المعارضة رغم أننا نقول لهم إن سوريا لكل أبنائها وليس هناك شرط للحوار سوى منع التدخل الأجنبي»، ووصف مقدسي مؤتمر إسطنبول بأنه «ليس لأصدقاء سوريا» وأن «أجنداته ليست للصداقة بل لمعاداة سوريا وضرب استقرارها ونرى فيه عرقلة صريحة لمهمة أنان».

وهاجم جهاد مقدسي العرب واتهمهم بالتخلي عن دورهم في مساعدة سوريا و«الالتفاف» على تقرير بعثة المراقبين «الموضوعي والإيجابي». ورأى أن «بعض» الدول العربية تعاني حالة «عند سياسي» فيما الدول الكبرى التي حتى لو كانت معادية لسوريا تجري «إعادة حسابات وإعادة تموضع» مؤكدا على أن «الديموغرافيا السورية هي التي فازت» لذا يجب على تلك الدول الخروج من هذه «التناحة السياسية» بحسب تعبير مقدسي.

وفيما يتعلق بنقطة بإطلاق سراح المعتقلين الواردة في خطة أنان اعتبر مقدسي هذا الأمر «سياديا بحتا» وقال إن «الدولة السورية ليست بانتظار من يقول لها أن تخلي سبيل الموقوفين وهي الأكثر حنانا على أبنائها» و«عملية العفو مستمرة ضمن العملية القانونية الدستورية».

وحول السماح بوصول المساعدات الإنسانية أكد مقدسي أن الأساس في ذلك هو «السيادة ومظلة الدولة» وأن بلاده «ترحب بكل من يريد أن يقوم بذلك ولكن عن طريق منظمة الهلال الأحمر السوري أو منظمة الصليب الأحمر الدولي».

وعن السماح لوسائل الإعلام بالدخول إلى البلاد قال مقدسي «إن وزارة الإعلام تصدر تصاريح تنظم عمل الإعلاميين وهي متساهلة لأبعد الحدود».

وفي هذا الإطار رأى عضو المجلس الوطني السوري نجيب الغضبان أن «النظام السوري لا يمكن أن يقبل بخطة كوفي أنان رغم إجحافها، ومساواتها بين الضحية والجلاد». وأكد في حديث لـ«الشرق الأوسط» أنه «إذا قبل (الرئيس السوري بشار) الأسد بخطة وقف النار لساعتين سيخرج الملايين في كل أنحاء سوريا يطالبون بإسقاطه، كما أن جرائم الأسد لن تثني الشعب عن الاستمرار في ثورته حتى تحقيق كامل أهدافها». مشددا على ضرورة أن «تتضمن خطة مبعوث الأمم المتحدة مهلة زمنية واضحة ونهائية، وأن يلتزم النظام السوري بتطبيقها، بأن يوقف إطلاق النار أولا، وأن يسحب قواه المسلحة من المدن والمناطق السكنية ثانيا، بدل أن يحاول الالتفاف عليها بقراءات خاطئة وفيها الكثير من سوء النيّة».

وجزم الغضبان بأنه «لا جدية لدى الأسد في التعاطي مع كل المبادرات، ولا بدائل لديه عن الحل الأمني والقمعي، وهو اليوم يسعى لاعتماد الأسلوب الذي اعتمده مع المراقبين العرب، ولذلك فإن مهمة أنان محكومة بالفشل لا محالة». داعيا الدول المعنية إلى تحمّل مسؤولياتها، فور تأكدها من إفشال بشار الأسد لخطة أنان، وأن تقوم بإجراءات عملية لحماية المدنيين، وهناك خطط يمكن اتباعها منها تزويد الشعب السوري بأسلحة نوعية ليتمكن من تحقيق التغيير بأقل ثمن، لأن التغيير سواء بدعم خارجي أو من دونه سيحصل، لكن الدعم يجعل الأثمان أقل كلفة.

وكان المتحدث باسم وزارة الخارجيّة السورية جهاد مقدسي، أعلن أنّ «سوريا ستستقبل قريبا وفدا تقنيا للتفاوض بين الجانب السوري والأمم المتحدة حول آليّة تطبيق خطة مبعوث الأمم المتّحدة وجامعة الدول العربيّة الخاص إلى سوريا لحل الأزمة فيها».