معرض في مراكش يجمع الكلمة المعبرة بالصورة المؤثرة

«شهود على النسيان».. صور وكتابات غارقة في العنف والتهميش من 8 مناطق في العالم

لقطة من الكونغو
TT

صور صادمة ومؤثرة ترافقها كتابات معبرة، تلك التي يقترحها معرض «شهود على النسيان» على زواره. المعرض، الذي يحتضنه رواق العرض بمعهد سرفانتيس بمراكش، يقدم نظرة حول ثماني أزمات إنسانية منسية، يرويها ثمانية كتّاب باللغة الإسبانية، زاروا تلك المناطق فرادى في أوقات متفرقة، وتشهد على الجهود الذي تقوم به منظمة «أطباء بلا حدود» في المناطق المنسية والأكثر دموية في العالم. يتعلق الأمر بماريو بارغاس يوسا (ألبيرو) وسيرجيو راميريز (نيكاراغوا) ولورا ريستريبو (كولومبيا) وخوان خوسيه ميياس (إسبانيا) وجون كارلين (إسباني من أصل إنجليزي) ولورا إسكيبال (المكسيك) ومانويل بيسينتي (إسبانيا) وليلى غوريرو (نيكاراغوا)، الذين ينقلون، من خلال حكايات من مناطق من الكونغو الديمقراطية، وماليزيا وبنغلاديش، وغواتيمالا، واليمن، وكولومبيا، وكشمير، وهايتي، وزيمبابوي، مشاهد غارقة في العنف والمعاناة والتهميش المفرط الممارس في حق الأفراد والجماعات.

ترافقت الكتابات مع صور التقطها المصور الفوتوغرافي الإسباني خوان كارلوس توماسي، الذي عاش هو وآلة تصويره جميع النزاعات المنسية في العالم، تقريبا، منتجا استطلاعات مصورة لوسائل إعلام مختلفة بالتعاون مع منظمات دولية. والذي جمع الصورة المعبرة بالكلمة المؤثرة بما ينقل للمآسي، التي يعانيها أولئك الذين لا ينعمون بالأمن والأمان ويعيشون الأهوال جراء العنف والصراعات والحروب والأمراض، قبل أن ينقل إلى زوار المعارض، تحت عنوان الألم، في أقسى وأقصى حالاته.

وقال ألويس دافيد هيغ، أمين المعرض والمكلف بالتواصل في «منظمة أطباء بلا حدود» فرع إسبانيا، لـ«الشرق الأوسط»، إن «المعرض الذي زار مدريد وأثينا وروما، قبل أن يحط الرحال بالمغرب (مراكش وتطوان والدار البيضاء) قبل التوجه إلى اليابان، يهدف إلى نقل المعاناة التي يعيشها جزء من الإنسانية في عدد من نقط المعاناة والحرب والفقر والصراعات العرقية». وأضاف: «انطلق المشروع عام 2008، حيث اقترحنا على ثمانية كتاب باللغة الإسبانية معروفون، بينهم ماريو بارغاس يوسا الحاصل على جائزة نوبل للآداب، زيارة المناطق التي تتدخل فيها «منظمة أطباء بلا حدود»، مشيرا إلى أن الهدف يبقى «تقريب هذا الوضع والتعريف بهذه المآسي، وفتح جسور مع الناس حتى يأخذوا فكرة كافية من خلال الكتابات والصور، التي يتم تقديمها وعرضها». وختم دافيد هيغ، بالقول: «كان يمكن أن نكتفي في (منظمة أطباء بلا حدود) بصحافيين لإنجاز استطلاعات، غير أننا اخترنا الكتاب لأن هدفنا لم يكن إنجاز استطلاعات إضافية، بل تضمين الإنساني فيما يكتب، وما يشكل إضافة نوعية إلى العمل الذي يقوم به عدد من الصحافيين المتخصصين في تغطية الحروب والصراعات في نقط متعددة من العالم».

الكتاب الثمانية ذهبوا فرادى، كلّ إلى نقطة صراع محددة. وفي كل وجهة كان المصور خوان كارلوس توماسي حاضرا يوثق لمشاهد ترافق كتابات الكاتب الذي رافقه.

هكذا قصد ماريو بارغاس يوسا، الكونغو الديمقراطية (أكتوبر «تشرين الأول» 2008)، هذا البلد الذي يغوص في بؤس الحرب والرعب، فيما الجوع والاغتصاب والقتل والفساد يهز هذه الأرض من دون قانون في قلب أفريقيا، فيما ذهب سيرجيو راميريز إلى هايتي (مارس «آذار» 2009)، قبل وقوع الزلزال، حيث البؤس والتقلبات السياسية وانعدام المستقبل كلها عوامل حتمت الهجرة على الساكنة، ولورا ريستريبو إلى اليمن (مايو «أيار» 2009)، حيث يصل الآلاف من النساء والأطفال مقبلين من ساحل القرن الأفريقي، فارين من الحرب والجوع والكراهية، وخوان خوسيه ميياس إلى كشمير (سبتمبر «أيلول» 2009)، حيث تجد في كل بيت ملفا باليا يحوي وثائق لعملية خطف، تعذيب، اختفاء، وحيث الجنون هو ما يتنفس في كشمير المتنازع عليها بين الهند وباكستان منذ 60 عاما، وجون كارلين إلى ماليزيا وبنغلاديش (سبتمبر 2009)، حيث تجد الأقلية المسلمة في بيرمانيا نفسها مضطهدة بوحشية من طرف المجلس العسكري، ولورا إسكيبال إلى غواتيمالا (نوفمبر «تشرين الثاني» 2009)، التي معناها «مكان متعدد الأشجار»، حيث يختبئ بين أوراق الشجر قتلة ومغتصبون ومجرمون. هذا البلد المعروف بحلاوة سكانه يشكل معقلا لعديمي الإنسانية والضمير، يحصي 15 قتيلا في اليوم، فيما تتضاعف الانتهاكات، ومانويل بيسينتي إلى كولومبيا (يناير «كانون الثاني» 2010)، حيث القصص المخيفة لفلاحين عالقين في تبادل لإطلاق النار بين الميليشيات والقوات شبه العسكرية وتجار المخدرات، وحيث الانتقامات الرهيبة دون نهاية، ويصعب سردها، وليلى غوريرو إلى زيمبابوي (مايو 2010)، الدولة التي صارت بلد القلوب المنكسرة، حيث نظام موغابي وأعلى نسب الإصابة بداء فقدان المناعة المكتسبة في العالم؛ تركوا أرضا عقيمة وأناسا لا شيء يقومون به ولا حتى العيش.

ومما جاء في كتابات ماريو بارغاس يوسا، التي حملت عنوان «سفر إلى قلب الظلام»: «في بولانجو، كما في هيوا بورا في مخيمات النازحين في مينوفا، الموقف الأكثر ترددا هو حال أولئك الذين يقضون ساعات اليوم على الأرض، دون حركة بسبب الضعف أو اليأس، اللامبالاة وفقدان غريزة الحياة. لا يأملون شيئا. يكررون بطريقة ميكانيكية تلك الشكاوى (الأدوية، المياه، المدارس) عند وصول الزوار، ويعلمون جيدا أنها لن تجدي نفعا. الكثير منهم أموات أكثر مما هم أحياء، والأسوأ من ذلك أنهم على دراية بأن المخيمات ذات أهمية قصوى، لكن، فقط، إذا اقتصر دورها على أن تكون نقطة عبور للعودة إلى الحياة النشيطة مع فرص عمل، وإلا فإن من يقطنون فيها محكوم عليهم بحياة قاسية وهامشية تحبطهم وتدمرهم».

ومما كتب سيرجيو راميريز، تحت عنوان «الحجر تحت الشمس»: «النزوح المستمر من الأرياف جعل المدينة تنمو بشكل مفرط، وفي نفس الوقت تتسخ ويدنو مستواها. القضاء على الغابات والأعاصير والمعامل واتفاقية التجارة الحرة المبرمة مع الولايات المتحدة قضى على ما تبقى من الزراعة وزاد من حدة النزوح. ما يشد الانتباه أكثر من البؤس، هنا، كما في لسالين أو في مرتيسان التعايش، وما يظهره الناس من طبيعة العيش بين جبال القمامة التي تتفاقم شهرا بعد شهر وسنة بعد سنة، من دون أن يبالي أحد بجمعها. برك مائية تفيض بالمخلفات. الحياة اليومية بقرب مجاري المياه السوداء. الانعدام المطلق للمراحيض، يجعل التغوط في المستنقعات أمرا طبيعيا».

ومما كتبت لورا ريستريبو، تحت عنوان «ملكات سبأ»: «يأتين صاعدات، وهن آلاف. نساء مع أطفالهن. يعلمن أن الكثير منهن سيقضين نحبهن في الطريق، أو سيدفن أطفالهن. اتخذن القرار، ولن يتوقفن حتى يجدن مكانا حيث تفتح لهم الدنيا أبوابها، أيا كان الثمن. غير مباليات. إن أنت توقفت هنا في الساحل الجنوبي لليمن ستشاهدهن مقبلات، وكأن القرن الأفريقي كله صاعد. عبر قوارب أو عبر الصحراء مشيا على الأقدام يتسولن في المدن القديمة. قالت لي حبيبة (صومالية، مولدة نساء وصديقة عزيزة) إنها عندما تسمع كلمة لاجئين لا تفكر في الرجال. تغمض عينيها وترى نساء مع أطفالهن».

ومما كتب خوان خوسيه مياس، تحت عنوان «جهنم في أرض الآلهة»: «هنا كل شيء مكتوب بالدم. لا توجد أي عائلة لم تكن ضحية مباشرة أو غير مباشرة للنزاع. من لم يفقد ابنا، أبا، أختا؟ من لم يفقد ابن عم، جارا، صديقا؟ المراسيم، هي نفسها في كل البيوت التي دخلناها. نترك أحذيتنا بالبهو وندخل إلى الجو الحميمي العائلي. نفترش أرض المطبخ أو أي غرفة، يقدم لنا الشاي أو العصير، ويبدأ سرد تلك القصص الوحشية المصحوبة بوثائق وصور».

وكتب جون كارلين، تحت عنوان «الشعب الأتعس في العالم»: «يعاملون بتمييز لأنهم مسلمون في بلد بوذي، لأن لون بشرتهم أكثر قتامة من معظم البورميين (مؤخرا وصفهم أحد الدبلوماسيين البورمان بالسود القاتمين وأنهم أقبح من الوحوش) وبسبب قصة معقدة لمقاومة المراقبة المركزية (أثناء الحرب العالمية الثانية تحالفوا مع البريطانيين عوض اليابانيين، الموالين من طرف معظم البيرمانيين)، هم أسرى من دون وطن في بلدهم الذي ولدوا فيه. لا يمكنهم التنقل من قرية إلى أخرى دون رخصة من القوات العسكرية المحلية، لا يسمح لهم بالزواج ولا بأن يكون لهم أولاد من دون إذن، لا يملكون حق المقاومة عندما تصادر أراضيهم تدريجيا لتمنح لمستوطنين بوذيين مقبلين من المدن. لا يمتلكون القوة لمقاومة إجبارهم على العمل في الأراضي التي انتزعت منهم، دون أي مقابل مادي، ولا القدرة على الامتناع عن أداء الأعمال الذليلة التي تطلب منهم من طرف العسكريين، من بناء الطرق، إلى تحميل الأرز، إلى تقطيع العشب. ولا يمكنهم ممارسة شعائرهم الدينية بحرية».

وكتبت لورا إسكيبال، تحت عنوان «جنة الرعاع»: «منظمات تذهب ومنظمات تأتي. رسل تأتي ورسل تذهب، ومع ذلك لم نستطع تجنب الهجمات والقتل لأن الاعتقاد بالشيء يؤدي إلى ترسيخه، وما دمنا نعتقد بأن العنف هو الحل لمشكلاتنا، فسوف نستمر في خلق العنف، والعنف يولد الخوف، والخوف يولد الانفصال وقطع الاتصال والرغبة في عدم الانتماء لأي جماعة. من وجهة نظري، السرطان الذي يهاجم غواتيمالا والمكسيك سرطان لن يزول بسن قوانين وعقوبات جديدة، ولكن بتجديد النظرة إلى الحقيقة التي ستعيدنا إلى نظرة (الإينلاكيش). ما فعلته بك فإني فاعله بنفسي لأننا واحد. ما أريده لنفسي أعطيك إياه: استرجاع الطريقة الحكيمة التي كان شعب (المايا) يرى بها العالم، بالتأكيد كانت ستعيننا على العيش بسلام».

وكتب مانويل بيسينتي، تحت عنوان «تبادل لإطلاق النار في كولومبيا»: «هم أناس بسطاء بروح غنية ملأتهم الميليشيات والقوات شبه العسكرية رعبا. إذا حدثتهم عن الانتقام يجيبونك: لا يمكن أن نكون أعداء لأحد نريد فقط أن نعيش بأمان في أرضنا. في وسط الأدغال يمكن لفلاح من (الآوى) أن يجد نفسه أمام مجموعة مسلحة. يجد نفسه ضائعا أمام أسئلتهم. هل مر أحد من الميليشيات من هنا؟ هل رأيت هنا أحدا من القوات شبه العسكرية؟ حتى الصمت لا ينفعهم. يرمون بالرصاص من قبل الطرفين. أراضيهم تجتاحها الميليشيات والمستوطنون وناقلو النفط والقوات شبه العسكرية وأباطرة المخدرات. لكنهم يحمون أرواح كبارهم ويناضلون من أجل البقاء».

ومما كتبت ليلى غوريرو، تحت عنوان «البلد الذي ينزف»: «عندما توفي ثاني أبنائها، بكت مانغوينغيا كثيرا، ولكن حينما فكرت أن هذه الأشياء تقع في الحياة الصعبة ودفنته على بعد أمتار من منزلها أسفل الجبل المغطى بالأشواك وشجر الأوكاليبتوس تحت التراب تحت كومة حجارة أعانها الجيران على جمعها. وعندما توفي ثالث أبنائها بكت مانغوينغيا كثيرا، ولكن حينما فكرت أن هذه الأشياء تقع في الحياة الصعبة ودفنته على بعد أمتار من منزلها أسفل الجبل المغطى بالأشواك وشجر الأوكاليبتوس تحت التراب تحت كومة حجارة أعانها الجيران على جمعها. عندما توفيت رابع بناتها عام 2010، قالت مانغوينغيا إنه لم يعد هناك ما تخسره لأن كل من ولدت من رحمها قد لقوا حتفهم. لكنها علمت بعد ذلك أن الناجي الوحيد من تلك المذبحة هي حفيدتها نكانييسو ذات الـ17 سنة التي كانت تحمل نفس الداء الذي قضى على بذورها فيروس من نوع لانتيفيروس الفتاك الذي يقضي في بلدها خلال كل شهر على 2500 شخص».

يشار إلى أن هذه الكتابات والصور، قبل أن تسافر عبر العالم من خلال معاهد سرفانتيس، كانت قد نشرت في أسبوعية «إيل باييس»، بين عامي 2009 و2010، بشكل يروي الحقيقة، مهما بلغت قسوتها، حتى لا يطال النسيان هذه الأعمال الدرامية الكبيرة.