عاملات المنازل الأجنبيات بين مطرقة المجتمع اللبناني وسندان القانون

الجمعيات الإنسانية تطالب بنسف نظام الكفالة الذي يقيد حريتهن

اصبح من الطبيعي ان تسمع حكايات وقصصا مأساوية عن الخادمات الاجنبيات اللاتي يعملن في لبنان
TT

إثر انتشار خبر انتحار عاملة المنزل الإثيوبية اليم ديشاسا ديسيسا التي كانت تعرضت للتعنيف من قبل شقيق صاحب المكتب الذي استقدمها، علت أصوات الجمعيات الإنسانية في لبنان تطالب بوضع حل جذري لأوضاع العاملات الأجنبيات في لبنان تحت سقف قانون عمل يحميهن من تسلط الكفيل المسؤول عن استخدامهن، خصوصا أن قانون العمل اللبناني يستثني في المادة السابعة منه أربع فئات، منها العاملات في المنازل إذ يخضعن لنظام الكفالة الذي يقضي بتوفير راع محلي قانوني للعاملة المهاجرة طيلة مدة العقد، الأمر الذي يجعلهن خاضعات للتحكم والإرادة المطلقة لأرباب العمل.

وأشارت مسؤولة قسم الاتجار بالنساء في منظمة «كفى عنفا واستغلالا» غادة جبور لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه لا يوجد دراسات دقيقة تظهر ما إذا كانت الاضطرابات النفسية تقف وراء حوادث انتحار عدد من عاملات المنزل الحاصلة في لبنان، وأن هناك نوعا من الافتراء من قبل الناس الذين يؤكدون أن الإثيوبيات يقدمن على الانتحار أكثر من غيرهن من زميلاتهن في العمل، وأنهم كمسؤولين في منظمة إنسانية يرفضون رفضا قاطعا هذا المنطق وأي افتراءات أخرى تتعلق بظروف عملهن وتقيد حريتهن. وأضافت: «هؤلاء لا يملكن أي نوع حماية لا من قبل القانون اللبناني ولا من ناحية القنصلية أو السفارة التي تمثل بلادهن ولا من قبل المجتمعين الثقافي والإنساني المحيطين بهن، خصوصا أن عددا كبيرا منهن ومن جنسيات مختلفة يصلن إلى لبنان عن طريق التهريب، مما يستدعي نسف نظام الكفالة الذي يرزحن تحته دون هوادة». وتضيف أن وزير العمل السابق شربل نحاس كان بصدد ضمهن إلى قانون العمل اللبناني، وهو كان قدم اقتراحا إلى مجلس الوزراء لإلغاء الاستثناء الذي يذكرهن وعرض لاتفاقية عمل جديدة وموحدة تضمن حقوق العاملات والتزم بإلغاء نظام الكفالة، ولكنه استقال وتوقف المسعى عند هذا الحد، لافتة، ضمن هذا الإطار، إلى تواصل مع الوزير الجديد لإيجاد حل لهذه القضية.

فالمعروف أن 4 بلدان أجنبية حظرت دخول مواطنيها إلى لبنان بهدف العمل وهي: مدغشقر والنيبال وإثيوبيا والفلبين، وهذه الأخيرة يتم حاليا وعلى صعيد رسمي ودبلوماسي حل المشكلة الواقعة فيما بينها وبين لبنان بهذا الصدد. أما إثيوبيا وحسب ما يتردد بين أصحاب المكاتب فهي على علم بما يجري في لبنان، وأنها تغض النظر عن دخول مواطنيها إليه وتهتم بأوضاعهم من حيث المبدأ وبمشاكلهم.

ويبلغ عدد المكاتب التي تستقدم العاملات الأجنبيات إلى لبنان نحو الـ500 بينها 150 مكتبا ينتسب رسميا إلى نقابة خاصة بهم، ويواجه أصحاب هذه المكاتب مشاكل عدة مع العاملات ومستخدميهن، يتجه إلى حلها إما عن طريق السفارات التي تمثل بلادهن أو عن طريق المستخدم نفسه. ويقول سامي داغر، أحد أصحاب هذه المكاتب في منطقة جونية لـ«الشرق الأوسط» إن هناك حوادث انتحار دائمة تجري من قبل العاملات الأجانب في لبنان، وإن الإحصاءات تؤكد حصول حادثة وفاة كل أسبوع، وبرأيه فإن سوء معاملتهن من قبل مستخدميهن هو السبب الأساسي في ذلك، إضافة طبعا إلى حالات نفسية واجتماعية يحملونها معهن من بلادهن وتتفاقم في بلاد المهجر، مما يؤدي إلى انتحارهن. وأوضح أن عددا من البلدان الأجنبية وضعت حظرا على دخول مواطنيها لبنان للعمل فيه من جراء حوادث التعنيف الكثيرة التي تجري فيه من قبل رب العمل فيما أنها لم تحرك ساكنا لما يحصل لجاليتها في بلدان عربية أخرى.

أما نسيب عجيل، وهو صاحب مكتب لاستقدام العاملات الأجنبيات في منطقة الحدث، فأكد لـ«الشرق الأوسط» أن ربات المنازل في لبنان أصبحن يصنفن قدرة ذكاء العاملات الأجنبيات لديهن من خلال البلد الذي ينتمين إليه، وذلك طبعا حسب خبرتهن الطويلة في هذا المجال كما يقولون. وأضاف: «هناك من يعتبر الإثيوبية تعاني من مشاكل نفسية، وأن النيبالية عاملة أمينة ولكنها بطيئة الفهم، أما الفلبينية فهي ذكية ومنفتحة، ولكن يجب أخذ الحذر منها، والأفريقية باستطاعتها أن ترفع أثقالا للقوة التي تتمتع بها، أما السريلانكية فهي كاذبة.

والسؤال المطروح هل هناك من أمل لوضع العاملات الأجنبيات تحت سقف قانون العمل اللبناني؟ يرد وزير العمل الأسبق النائب بطرس حرب، الذي سبق ووضع مشروع قانون خاص بهن لم تكتمل معالمه بسبب استقالة الحكومة التي كان يعمل فيها، في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «في الوقت الحالي وفي البيئة الاجتماعية التي نعيش فيها برأيي من المستحيل أن يصار إلى ذلك، فالموضوع يختلف تماما لدى هؤلاء، وهناك عقبات كثيرة ستواجهنا؛ أولها مسألة مسكنهن وتأمين أكلهن وساعات الدوام المطلوبة منهن، إضافة إلى ذلك هناك مسألة الحد الأدنى للأجور فكيف سيطبق عليهن». وأضاف: «إنها قصة طويلة يلزمها نظام قانون خاص وليس عاما، لأن عملهن لا يدخل في نطاق استئجار خدمات بأوقات معينة ويرتبط بساعات وآلية عمل مختلفة وإلا سيخرجن عن صفة عاملات المنازل وسيترتب عليهن شروط إقامة لا يمكنهن تحملها لا ماديا ولا معنويا، ويلزمها آلية عمل أخرى».

وتقول ندى بخعازي، وهي ربة منزل ولديها عاملة إثيوبية، إنه أحيانا كثيرة لا يقع الحق على المستخدم فهي شخصيا أمّن لها المكتب الذي تتعامل معه عاملة نيبالية سبق أن رفضت العمل في منزل العائلة التي استقدمتها فمكثت لديها ثلاثة أيام ثم طالبتها بالرحيل، فشاءت الصدف أن عملت لديها وعندما سألتها عن سبب تركها لتلك العائلة، قالت لها ببساطة: «لم أحبهم وهم يسكنون في منزل بعيد فلم أرتح لديهم». أما ثريا خير الدين، التي قررت عدم استخدام أي عاملة أجنبية بعد اليوم في منزلها، قالت: «قد يكون حظي قليلا معهن، ولكن كلا منهن كان لديها مشكلة ما، رغم أني كنت أغدق عليهن بالهدايا والملابس وأعاملهن أحسن معاملة، وكأنهن فرد من عائلتي ثم لا ألبث أن أكتشف سرقتهن لي أو فواتير اتصالات هاتفية طويلة تصل إلى ما فوق المليون ليرة لبنانية يجرينها أثناء وجودي في العمل، كما أن إحداهن كانت تغتنم فرصة غيابي في عملي لتخرج من المنزل وتعمل في منزل آخر دون علمي».

وتتفاوت الأخبار حول العاملات الأجنبيات في لبنان، إلا أن هذا الموضوع يبقى شبيها بقصة من وجد قبلا البيضة أو الدجاجة، وإلى أن تتضح معالم المشاكل التي تعاني منها العاملات في المنازل من جراء التعنيف أو المعاناة التي تصيب مستخدميهن من جراء عدم استيعاب مبادئ العمل أو السرقات التي يقمن فيها، يأمل اللبنانيون وضع حل سريع لهذه المعضلة التي لا تلبث أن تخرج إلى العلن في حوادث متكررة تطال العاملة، إلى حد الانتحار، والمستخدمين إلى حد الطعن بالسكين أو القتل من قبل عاملات منازل وثقوا بهن.