مهرجان الخليج السينمائي الخامس.. عيد السينما الخليجية الأول

«تورا بورا» الكويتي يفتتحه

المخرج الإماراتي هاني الشيباني
TT

صح النوم!

* أول لقطة

* من بين أسوأ ما يمكن لصحافي أن يفعله هو أن يقبل دعوة مهرجان ما فيمدحه بسبب دعوته، والأسوأ قطعا أن يمدحه ويهاجم مهرجانا آخر. لكن هذا ما يحدث بين حين وآخر، خصوصا مع صحافيين لهم أسماء رنانة، قام أحدهم مؤخرا بحضور مهرجان «دول مجلس التعاون» الذي أقيمت دورته الأولى في مدينة الدوحة على أساس أن يقام بالتداول بين أعضاء المجلس الـ6.

ما حاول البعض القيام به هو إلقاء الشبهة على مهرجان الخليج السينمائي بقوله إن عروض مهرجان «دول مجلس التعاون» ستكون هي «نفسها تقريبا التي ستعرض في المهرجان الثاني، والضيوف سيكونون هم أنفسهم على الأرجح، كما أن النشاطات سوف تكون متشابهة»، ووصل هذا البعض إلى القول إن الفارق الأساسي يكمن في أن الأول اقتصر على أفلام دول مجلس التعاون الـ6 المنضوية رسميا تحت لواء هذا الكيان الخليجي الصاعد، بينما يفتح الثاني ذراعيه لبلدان «خليجية» (والمزدوجين من الكاتب) أخرى مثل العراق واليمن.

وكان من المضحك لعدد كبير من المتابعين قول الصحافي ذاته أن «السينما الخليجية باتت أمرا واقعا»، كما لو أنها لم تكن كذلك منذ 10 سنوات عندما أقيمت الدورة الأولى من «أفلام من الإمارات». واقعيا، يمكن أن نعتبرها موجودة منذ الدورة الثالثة، سنة 2003، بعدما حققت الدورتان السابقتان من ذلك المهرجان نجاحا كبيرا تجلى عن فتح الفرصة أمام الطامحين الإماراتيين، ثم الخليجيين بصفة عامة، لعرض أعمالهم.

هذه الفرصة هي التي كانت مفقودة من قبل. الواقع هو أن الطامح للعمل في المجال السينمائي كان يستبعد أن يستطيع يوما تنفيذ بعض طموحه بسبب عدم وجود بيئة تستقبل عمله. إيجاد «أفلام من الإمارات» فتح الباب عريضا، وبذلك أصبحت السينما الخليجية أمرا واقعا منذ ذلك الحين. ففي ذلك المهرجان تأسست مواهب هاني الشيباني، ونواف الجناحي، وعلي الجابري، ونجوم الغانم، ووليد الشيحي وعشرات سواهم. طبعا لم يستمر الجميع، ولم يستمر من استمر على نحو متساو، لكن المذكورين هم حفنة من كثرة عملت ولا تزال في المجال إخراجا وكتابة وإنتاجا وتصويرا، وذلك طوال السنوات الـ10 الأخيرة وليس لمجرد أن بعض من لديهم مآرب أخرى اعترف بهم اليوم.

والحديث يتكرر حين يعتبر البعض أن السينما الخليجية «بدأت تخرج، وإن بخطوات خجولة، من البدايات المتعثرة التي طالت زمنيا لتتأرجح عقودا في مسيرة كان أسوأ ما فيها أنها مضطرة إلى أن تبدأ كل مرة من جديد». والحقيقة أنها خرجت وانتهى الأمر، وذلك منذ سنوات، وأن البعض يستطيع أن يتلكأ في الاعتراف إلى أن يتسلم دعوة يعتقد من خلالها أنه يستطيع أن يؤدي خدمة مدفوعة الثمن.

تصور نفسك مخرجا من دولة خليجية قطعت إلى الآن شوطا ما في عملية إنتاج الأفلام. لنقل دولة الإمارات، حيث تنطلق يوم الثلاثاء الدورة الخامسة لمهرجان الخليج السينمائي، أو الكويت أو البحرين. وتصور أن لديك مشروعا تريد إنجازه وأن لديك اسما بات معروفا في الوسط السينمائي العام، ولو إلى حد، فهل لدى البلد الذي أنت فيه ما يكفي من مقومات إنتاج لكي تصنع فيلمك؟

الجواب، لدى قطاع كبير من السينمائيين أنفسهم، يتوقف على البلد الذي تنطلق منه. «المسألة نسبية، وبعض دول الخليج تقدمت أكثر من سواها في هذا المجال»، يقول أحد السينمائيين المتابعين، وهو أمر صحيح، لكن ما هو واضح أن البنى الأساسية باتت موجودة من تمويل إلى فنانين وفنيين وصولا إلى الشاشات التي يمكن لها استقبال هذه الأعمال. وهنا تكمن المفارقة الرئيسية المهمة: إذ دارت عجلة الصناعة «بالمقلوب» فإنها عادت واستدارت في الاتجاه الصحيح. و«المقلوب» هنا كان إيجاد مهرجانات سينمائية، إما مخصصة للسينما الخليجية، كحال «أفلام من الإمارات» (الذي انطلق عام 2001 وانتقلت إدارته بتوجه رئيسه السابق مسعود أمر الله آل علي إلى دبي لتأسيس مهرجان «الخليج السينمائي»)، أو عالمية التوجه (دبي، أبوظبي، الدوحة) قبل إيجاد الإنتاج نفسه، مثل القطاعات التي تؤمنه. لم تكن هناك، كما يعلم الجميع، مقومات تلك الصناعة، لذلك قامت عمليا على أكتاف مخرجيها، الذين كثيرا ما وجدوا أنفسهم كتابا ومخرجين ومنتجين ومديري تصوير وشركاء في التوليف. وجود المهرجانات المتعاقبة صار نافذة يستطيع منها المخرج الإطلال على الجمهور والعالم ووجهة مشرعة أمامه عوض غيابها السابق الذي لم يكن حافزا للبذل وذلك لغياب الوجهة المحتملة للفيلم.

حاليا، باتت المهرجانات الخليجية صناعات حاضرة للعمل. مهرجان الخليج الذي يفتتح دورته الخامسة بالفيلم الكويتي «تورا بورا» لوليد العوضي، يملك سوقا لسيناريو الأفلام الخليجية القصيرة وورشة عمل، في حين تتعدد المحافل والنشاطات العضوية المهمة في المهرجانات الأخرى حتى بات المهرجان بأسره عبارة عن ورشة صناعية توفر التمويل وتساعد على التوزيع وتساعد في بيع المشاريع في مراحل شتى وتقيم الأسواق وكل ما يتطلبه العمل السينمائي الفعلي.

* أفلام

* «تورا بورا»، الذي اختير للافتتاح بعد نحو عام من عرضه الخاص (وغير الرسمي) في مهرجان «كان» السينمائي الدولي، هو واحد من 6 أفلام كويتية معروضة في مسابقتي الفيلم الطويل والفيلم القصير. وفي حين تتألف مسابقة الفيلم القصير من 44 فيلما، فإن النتاج المختار من قبل هذا المهرجان من الأفلام الخليجية الروائية الطويلة هو 9 فقط. ليس أن هناك أكثر من هذا الرقم بكثير مما تم إنتاجه، لكن المرء يثق بأن المنتخب هنا هو بالفعل من أفضل ما تم إنتاجه. وكان من الممكن عرض كل الأعمال الروائية الطويلة الأخرى في سياق جانبي، لو وحدت، ما كان سيتيح للقادم الإحاطة ببانوراما عريضة تشمل كل تلك الإنتاجات بصرف النظر عن قيمتها الفنية.

بعض الأفلام، قليل منها في الحقيقة، سبق وعرض في مهرجان دبي السينمائي في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، ومنها فيلم نجوم الغانم «أمل» (دولة الإمارات العربية المتحدة) وفيلم العراقي الكردي أكرم حدو «حلبجة - الأطفال المفقودون» المقدم بهوية عراقية – سورية مشتركة، الذي يمشي بين خطي السينما الروائية والتسجيلية. لكن الباقي جديد تماما وتكشف عن ميل واضح للأعمال العراقية الجديدة، هي «صمتا: كل الطرق تؤدي إلى الموسيقى» لحيدر رشيد (ابن المنشط السينمائي العراقي عرفان رشيد المسؤول عن البرمجة العربية لمهرجان دبي) وهو مقدم باسم الإمارات والعراق وإيطاليا. ثم هناك «قلب أحمر» و«مسيو كافيه» و«أنا مرتزق أبيض». من الإمارات أيضا: «غبار براق: العثور على الفن في دبي» ومن قطر «الحبس» لمحمد الإبراهيم وأحمد الباقر. وهذا ثاني فيلم قطري طويل في مدى عامين، وهي البلد التي قلما عرفت أي قدر من الإنتاج السينمائي حتى حين قريب.

* عودة

* كثرة الأفلام القصيرة أمر طبيعي نظرا لاختلاف أدوات إنتاجها من حيث عدم تطلبها لميزانية كبيرة ولعناصر إنتاجية مختلفة. في الغرب، يعتمد الأمر على الميزانية، لذلك بعض الأفلام القصيرة الآيرلندية والتركية والأميركية التي شاهدها هذا الناقد منذ مطلع العام، يتمتع بمزايا الفيلم الطويل. لكن في عالمنا المسألة ما زالت تعكس بونا كبيرا بين المقدرات المتوفرة لكل منهما. هذا يعني مزيدا من الدول المشتركة فهناك أفلاما من عمان، واليمن، والبحرين إلى جانب أفلام من العراق والإمارات والسعودية والكويت والأفلام البحرينية والعراقية إضافة مهمة. الأولى كونها بلدا مقلا، كما ذكرنا، والثانية كونها بلدا خارجا من الحرب، وعليه تبعات كبيرة تفرض نفسها على الواقعين الثقافي والاجتماعي. ولن ينفع ذكر العناوين ليس فقط لكثرة الأفلام، بل لأن جل ما قد يذكر فيها سيكون نقلا عن مصدر المهرجان الرسمي.

من المقاييس الأساسية التي لا بد من الاعتماد عليها لمعرفة مدى ما وصل إليه مهرجان ما من قيمة أو أهمية هو ملاحظة من يحضر لسنة ثم ينتقل بفيلمه إلى مهرجان آخر، ومن يواظب على الحضور كلما استطاع إنجاز فيلم ما. وهذا يمكن تطبيقه على هذا المهرجان فهناك عدد من المخرجين العائدين إليه كونه، ومع تعدد المهرجانات الشبيهة، لا يزال الأكثر ريادة والأكبر شأنا. من بين هؤلاء المخرج الكويتي مقداد الكوت الذي كان ربح جائزة خاصة في دورة عام 2009 حين عرض فيلمه القصير السابق «موزة». هذا العام سنرى له «واحد» الذي يشاركه إخراجه مساعد خالد. أيضا من بين العائدين أيضا ميتم الموسوي وهو مخرج عماني سبق له وأن اشترك في العام الماضي بفيلم «رنين» وهذا العام سنشاهد له «بوبكورن». ومع أن كل من وليد الشحي وهاني الشيباني يعتبران من أهل البيت، كونهما من الإمارات ومن الذين يداومون عرض أفلامهم في هذا المهرجان، إلا أن وجودهما دائما ما هو مدعاة للتفاؤل ومرحب به. الشحي لديه فيلم بعنوان «الفيل لونه أبيض» والشيباني يقدم «جنة رحمة» وكلاهما معروضان في إطار مسابقة الفيلم القصير.